لا تقتصر التحديات التي تواجه الحكومة السورية الجديدة على ضعف كميات الأموال والاحتياطي في الخزينة العامة، بل يضاف إلى ذلك ضعف الموارد التي قد ترفدها، حيث تجد الحكومة نفسها أمام تحدّ كبير، فيما تعاني البلاد من مشاكل جمة تسبب بها النظام المخلوع.
وبحسب ما صرح به رئيس الوزراء محمد البشير، لصحيفة كورييري ديلا سيرا الإيطالية، فإن خزينة الدولة لا تحتوي إلا على نقود بالليرة السورية، حيث أن البلاد تفتقر حاليًا إلى السيولة بالعملات الأجنبية، بينما تجمع الحكومة بيانات حول القروض والسندات، واصفًا الوضع المالي بأنه “بالغ السوء”.
من جانبها نقلت وكالة رويترز عن مصادر في الإدارة السورية الجديدة، الشهر الماضي، أن هناك احتياطيا من الذهب يبلغ نحو 26 طنا، في الخزينة، وكمية قليلة من احتياطيات النقد الأجنبي تبلغ 200 مليون دولار فقط.
ويقول الخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو، لموقع حلب اليوم، إن هذه الكمية من الدولار أو الذهب ليست ذات قيمة، حيث أن لبنان مثلا وهو “البلد المتهالك اقتصاديا وعلى وشك الإفلاس لديه ما يقرب من 286 طنا من الذهب”.
وقد أوقفت الحكومة الجديدة العمل بمجموعة من القرارات التي كانت تؤمن القطع الأجنبي على حساب المواطنين، مثل القرارات التي تتعلق بالحوالات وسعر التصريف والاستيراد والتصدير، و“البدل العسكري” وجوازات السفر.
ومع توقف عمل الموانئ والمعابر وغياب مصادر الدخل التي تؤمن القطع الأجنبي كالسياحة، أو تصدير البضائع، تبرز الحاجة إلى عوائد حقول النفط والغاز في المنطقة الشرقية التي تسيطر عليها قسد.
ولا يزال الوضع هناك ضبابيا، بينما تتحدث الحكومة الانتقالية عن إمكانية دمج قسد في وزارة الدفاع، ويبدو أن مفاوضات لا تزال مستمرة بين الطرفين بمشاركة الولايات المتحدة وتركيا.
وأشارت الأخيرة إلى ضرورة استفادة الدولة السورية من عوائد النفط، وإنهاء سيطرة قسد عليه، لكن ذلك يجري بحماية أمريكية، ولا يبدو أن واشنطن حاليا بصدد الانسحاب.
ويقول شعبو إن الحل الوحيد هو الاستقرار، حيث أنه سيكون كفيلا بإطلاق عجلة الإنتاج والتصدير وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية، وإطلاق عملية إعادة الإعمار، لذا فإن الشق السياسي يمثل هنا أولوية.
وكانت عدة دول في المنطقة قد أعربت عن استعدادها لدعم سوريا اقتصاديا، حيث أعلن أحمد الشرع، أن المرحلة القادمة في سوريا ستكون مرحلة تنموية وسيكون لدولة قطر مشاركة فعالة فيها، وأنها أبدت استعدادها للقيام باستثمارات واسعة في المجالات جميعها بسوريا، كما وجهت دمشق دعوة إلى أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني لزيارة سوريا.
من جانبها اعلنت تركيا استعدادها لدعم سوريا في مختلف المجالات الاقتصادية، بما في ذلك تزويدها بالكهرباء، ودعم مسألة الاستيراد والتصدير والتعاون في المجال الصناعي.
كما أكدت الأردن من جانبها – عقب زيارة وزير خارجيتها إلى دمشق – استعدادها لتزويد سوريا بالكهرباء، حيث يمثل انقطاعها مشكلة أساسية، كما أعلنت عن تسهيلات للمستثمرين، مع إعادة عمل معبر جابر – نصيب.
ويقول خبراء إنه من الممكن إيداع مبالغ بالقطع الأجنبي في الخزينة السورية، من قبل الدول الداعمة لسوريا، كنوع من المساعدة الطارئة، حيث يسهم ذلك في انتعاش الوضع على المدى المنظور، لكنه لن يغني عن مصادر القطع الأجنبي الرئيسية مثل حقول النفط والغاز، ودوران عجلة الإنتاج.
وتبقى قضية إلغاء الرسوم الجمركية التي فرضها النظام المخلوع محل نقاش، لأنها تلغي موردا مهما من موارد الخزينة، فيما يدعو خبراء لفرض رسوم انتقائية على سلع معينة.
ويتابع السوريون اقتصادَ بلدهم وعملتهم المحلية باهتمام، عقب سقوط الأسد، حيث تمثل التحديات المعيشية وتحسين الأوضاع المادية أبرز تطلعاتهم اليوم، بعد هبوط أكثر من 90 بالمائة من الشعب إلى ما دون خط الفقر.
ولم تقتصر معاناة الشعب السوري خلال عهد الأسد على كبت حرية الرأي وفرض القيود السياسية، بل كانت القيود الاقتصادية تكبل أية تحركات أو رغبة في الإنتاج والتحسين، حيث تم فرض قوانين توصف بالبالية والفاشلة، فضلا عن تسلط بشار الأسد وعائلته على أصحاب رؤوس الأموال وابتزازهم.
وشهدت الليرة السورية تحسنا طارئا بعد سقوط الأسد، قبل أن تعود وتهبط لقيمة قريبة مما كانت عليه خلال عهده.
ويرى شعبو أن الجهود يجب أن تنصب حاليا على تحقيق الاستقرار على الصعيد السياسي، وعلى صعيد سعر الصرف، والحصول على الاعتراف والدعم الدولي، من أجل تأمين الأرضية المناسبة للنهوض بواقع الاقتصاد والعملة الوطنية، بما يتيح جوا مناسبا للتعاملات التجارية.
وكانت حكومة تصريف الأعمال قد أعلنت عزمها رفع الرواتب إلى أربعة أضعاف، مع الإشارة إلى الوضع الصعب الذي يعانيه اقتصاد الدولة، ومع عدم معرفة كمية الكتلة النقدية الموجودة حاليا فإنه من الصعب تقدير وضع الليرة السورية، لكن شعبو يرى أنه سيتجه نحو التراجع البسيط على المدى المنظور، إلا أن حجم هذا الانخفاض مرتبط بالإصلاحات الاقتصادية، وبالدعم الدولي، والاستقرار الذي يمكن أن يحصل في سوريا، ومرتبط أيضا بمحاربة الفساد وإعادة هيكلة الدولة وإصلاح القوانين.
ووفقا للخبير الاقتصادي السوري فإن الأولوية الآن هي لدعم البنية التحتية، لأنها الأساس في استقرار الاقتصاد والتحسن، كما أننا “بحاجة اليوم إلى ضبط الكتلة النقدية الموجود في السوق سواء كانت في المصرف المركزي أو المصارف الأخرى أو في الأسواق”.
كما أشار إلى وجود موارد كبيرة في سوريا، حيث “لديها اكتفاء ذاتي بالنفط والغاز والفوسفات والزراعة والصناعة والتجارة والسياحة، والموارد الضريبية”، لكنها بحاجة للاستغلال بشكل جيد.
يذكر أن إيران طالبت الحكومة الجديدة بتسديد الديون التي ترتبت على البلاد في عهد الأسد، فيما يبقى الموقف غامضا تجاه اتفاقات اقتصادية وقعها الأخير مع طهران، والأمر نفسه بالنسبة لروسيا.