يطالب المهجرون الراغبون بالعودة لمناطقهم بعد طرد الميليشيات الإيرانية وقوات الأسد منها، بدعمهم في عملية إعادة تأهيل أو بناء منازلهم وأحيائهم المدمرة، حيث أن الغالبية الساحقة من السكان باتوا عاجزين تماما عن ذلك.
وتوجد مناطق واسعة، بل مدن وقرى؛ دُمرت بأكملها، من جنوب البلاد حتى شمالها، بسبب القصف الروسي وقصف قوات الأسد، فضلا عن “التعفيش” الذي قامت به الميليشيات، عبر تفكيك وبيع كل شي.
ودعا عدد من النازحين من مناطق ريفي إدلب وحماة إلى تقديم الدعم لهم لمساعدتهم، حيث كانت تلك المناطق الممتدة من سراقب شرقي إدلب وحتى مورك شمال حماة؛ من أكثر المدن والقرى التي تعرضت للتدمير الواسع.
وفي تعليقها على ذلك، قالت يمن حلاق الباحثة في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لموقع حلب اليوم، إن هناك الكثير من المناطق التي دمرت في كل أنحاء البلاد، والأمر مرتبط بحل شامل، مبني على خطة متكاملة، إلا أنه ما يزال من المبكر الحديث عن التفاصيل.
وأضافت أن “السيناريو المستقبلي لا يزال غير واضح، فهل سيتم تمويل إعادة تأهيل البنى التحتية فقط، أم سنصل إلى مستويات أعلى مثل إعادة إعمار المنازل والممتلكات؟ لا نعلم إلى أي درجة سيكون المجتمع الدولي مستعدا لدفع الأموال؟”.
وأشارت إلى أن “مشاريع التعافي المبكر التي كانت من المقرر أن تبدأ مع بداية العام الحالي 2024، بدعم أوروبي، لم تنطلق حتى الآن، ولا نعلم السبب لكن في الغالب فإن المشكلة متعلقة بالتمويل، أو الخلافات حول الصندوق المخصص للعملية والتفاصيل المتعلقة به”.
واضطر الملايين إلى مغادرة ديارهم خلال السنوات الماضية، بعد الهجوم الدامي بدعم روسي عام 2019 على الشمال الغربي، وبعد سقوط النظام، عادوا لمنازلهم التي وجدوها أشبه بالركام، وتم نهب كل ما يمكن نهبه منها.
وتأتي هذه العودة المرتقبة وسط كم كبير من التحديات الأمنية والمعيشية التي ما زالت تخيم على المنطقة، حيث يسعى المهجرون إلى إعادة بناء حياتهم واستعادة استقرارهم في ظل ظروف صعبة جدا.
لكن المعضلة التي تنغص على معظم المهجرين فرحتهم هي كمية الدمار الواسع التي لحقت منازلهم، حيث تحتاج لمبالغ كبيرة من أجل ترميمها، فيما تحتاج بعضها للهدم بشكل كلي.
يأتي ذلك بعد نزوح مرير استمر لخمسة أعوام، تكبد خلالها الأهالي خسائر كبيرة، حيث نهبت الميليشيات ما بقي من أملاكهم، وحُرموا من أراضيهم ومحالهم التجارية، وفقدوا مصادر دخلهم، لينفق معظمهم ما بحوزتهم من نقود أو مدخرات خلال سنوات النزوح.
وتقول حلاق إن “كل المدن تعرضت للتدمير وليس فقط في إدلب وحماة، وبالتالي إعادة الإعمار يجب أن تكون عملية شاملة تستهدف كل سوريا والتعامل مع البلد ككيان واحد بحكومة مركزية واحدة”.
وأوضحت أن “هناك أيضا مناطق في حمص – على سبيل المثال – مسحت من على وجه الأرض، وعلى العموم فإن خطط مشاريع إعادة الإعمار التي تتضمن إعادة بناء البيوت ستكون بالتأكيد شاملة لكل محافظات سوريا على أن تراعي من هو الأكثر تضررا والأقل”.
ما هي السيناريوهات المتوقعة؟
يقول “محمد .ح” من سكان منطقة سراقب شرقي إدلب، إن منظر الدمار الذي لحق بالمدينة والقرى التي حولها هاله إلى حد بعيد، عند دخوله للمنطقة متجها نحو بيته، لكن الصدمة الكبرى كانت عندما وجد منزله غير قابل للاستصلاح.
وأضاف أنه اضطر لصرف ما بحوزته بعد النزوح نهاية عام 2019، حيث بقي بلا عمل ولا دخل على مدار عامل كامل، فيما كان عليه تأمين منزل للإيجار مع تحمل أعباء أسرته ووالديه، وسط ارتفاع مضطرد للأسعار.
اضطر الشاب الذي كان يعمل مزارعا لبيع جزء من أرضه بثمن منخفض، في أول سنة من النزوح، حيث هبط سوق العقارات في المناطق التي سيطرت عليها قوات الأسد والميليشيات بشكل كبير، ونزلت الأسعار بنسبة تتراوح بين 50 و 70 بالمائة.
ولم يجد محمد بُدّا من اللجوء لذلك، حيث كان بعض أبناء المنطقة من الميسورين في أوروبا ودول الخليج يشترون العقارات ولكن بأسعار قليلة، لغموض مستقبل المنطقة.
ويرى اليوم نفسه في وضع صعب أمام ركام منزله، حيث لم يعد بحوزته ما يُمكّنه من إعادة بناءه، متسائلا ما إذا كان سيبقى مهجرا رغم التحرير؟.
وحول السيناريوهات المتوقعة لتنفيذ عملية إعادة الإعمار، قالت حلاق إن “الأمور لا تزال غير واضحة، فحتى شكل الحكومة الجديدة أيضا غير واضح، ومن غير المعروف ما إذا كانت الدول الأوروبية سترفع هيئة تحرير الشام من قائمة الإرهاب، وهناك الكثير من الأسئلة التي تحتاج لأجوبة قبل مناقشة المسألة على الصعيد الدولي والحديث عن سيناريوهات إعادة الإعمار.. يبدو أن الوقت ما يزال مبكرا، ربما علينا أن ننتظر حتى تستقر الأمور بشكل أفضل”.
وإلى أن تتوضح الأمور، يبدو أن على النازحين تحمل الأعباء وحدهم، وسط وضع اقتصادي متردٍّ، حيث يواجه السكان أزمة اقتصادية خانقة تتمثل في ارتفاع الأسعار وقلة فرص العمل، مما يعوق إعادة بناء المنازل والبنية التحتية.
ماذا عن الخدمات؟
دعت الشبكة السورية لحقوق الإنسان الأمم المتحدة لاستئناف مشاريع التعافي المبكر، التي كانت تعتزم البدء بها على عهد نظام الأسد، حيث تحرك الاتحاد الأوروبي مؤخرا لإطلاقها.
وأوضحت الباحثة السورية في الشبكة، أن “الإشكالية الوحيدة في الموضوع كانت سابقا في أنه من الممكن أن يشكل ذلك دعما سياسيا واقتصاديا لنظام الأسد، إضافة إلى الخوف من سرقته لها كما سرق المساعدات، ولكن كنهج فهو ضروري للغاية حتى قبل سقوط الأسد، واليوم صار أكثر أهمية ولم تعد حوله أية إشكاليات”.
ومع سقوط النظام – تضيف حلاق – “زادت الدعوات الموجهة للأمم المتحدة حتى تستأنف مشاريع التعافي المبكر، والتفكير بموضوع إعادة الإعمار بمجرد استقرار الأمور في البلد واستقرار الحكومة الجديدة”.
كما أكدت أن “التركيز اليوم يجب أن يكون منصبا على إعادة إحياء الخدمات بما في ذلك التعليم والصحة، وغيرهما وإعادة تأهيل البنى التحتية، سواء مياه الصرف الصحي أو الشرب وما إلى ذلك، حيث هناك نسبة كبيرة من المدن السورية صارت اليوم مدمرة، وهذا أيضا يوضع على عاتق المجتمع الدولي”.
وأوضحت أنه “من الضروري جدا أن تضع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي خطة واضحة لمسألة التعافي المبكر، وقضية إعادة الإعمار فقد حان وقتها”.
وتدفع صعوبة الحياة في مناطق النزوح التي يعانيها المهجرون والظروف القاسية في المخيمات، شمال غرب سوريا، إلى الحماسة للعودة بالرغم من فقدان المقومات.
وتعاني المناطق المحررة حديثا غياب البنية التحتية، بما في ذلك شبكات المياه والكهرباء، والمرافق الصحية والتعليمية، وأفران الخبز.
يعرب أبو محمد من معرة النعمان، عن مخاوفه بشأن العودة، حيث يتساءل كيف له أن يرمم منزله على نفقته، بعد أن دفع مبالغ كبيرة قبل النزوح، لتوسيع منزله وبناء بيت لولده حتى يتزوج فيه، كما قام بعمل تحسينات وشراء عُدَد لأرضه الزراعية، قبل أن يُضطر للنزوح تاركا كل شيء تقريبا وراءه.
يشعر الرجل الستيني اليوم بالقلق بشأن ما يمكن أن يفعله، حيث أن بقاءه نازحا يعني استمرار المعاناة، أما إن أراد العودة فعليه دفع تكاليف كبيرة، لأن المنزل نُهب من قبل قوات الأسد والميليشيات بشكل كامل، فضلا عن تكسير وخلع البلاط والسيراميك والرخام، بل تم حتى نزع أسلاك الكهرباء.
ويبلغ عدد سكان الشمال السوري، في كل من إدلب وريف حلب أكثر من 6.6 ملايين نسمة، بحسب آخر إحصائية نشرها فريق منسقو استجابة سوريا، مع تناقص جهود الإغاثة الإنسانية وتراجع مستويات الدخل، ويشكل النازحون ما يقرب من 50 بالمائة، من مجمل السكان، وتزيد معدلات العوز والبطالة في صفوفهم عن السكان الأصليين.
كما تشكل الألغام والمخلفات الحربية تهديداً كبيراً لحياة السكان في تلك المناطق، وفقا لمراسلنا، الذي أكد أن المدن الرئيسية على طريق M5 تضم عددا ضخما من الألغام، وأنها بحاجة لوقت طويل لانتزاعها.
وكان محمد سامي المحمد، منسق برنامج إزالة مخلفات الحرب في الدفاع المدني السوري، قد أكد في تصريح سابق لحلب اليوم، أن الخوذ البيضاء أطلقت حملتها الخدمية والعملياتية تحت عنوان “أمل العائدين” نحو عودة آمنة للمهجرين، والتي تهدف إلى تسهيل عودتهم لمدنهم وقراهم بشكل آمن في المناطق التي شهدت اشتباكات أو هُجر سكانها قسريا منها.
وبدأت الحملة في الأول من كانون الأول انطلاقا من ريفي حلب الغربي وريف إدلب الشرقي وفق ترتيب جغرافي واضح للمجتمعات التي سيتم العمل بها بشكل يضمن استمرار الدعم اللوجستي وأيضا الوصول الآمن للفرق العملياتية المختلفة.
وتتركز الحملة في محاور رئيسية هي فتح الطرق المغلقة بسبب القصف، وتسهيل حركة المدنيين والعمال الإنسانيين، وإزالة مخلفات الحرب، وتمكين السكان من إعادة تأهيل منازلهم، واستثمار أراضيهم الزراعية، ونقل جثامين القتلى وتوثيقها وتقديم خدمات الإسعاف والخدمات الصحية الأساسية.
لكن المحمد حذّر من وجود الكثير من الذخائر غير المنفجرة في كثير من المناطق، مضيفا أن فرق الإزالة استطاعت التعامل معها خلال هذه الحملة، إلا أنها واجهت بعض المشاكل المتعلقة بانتشار الكثير من الألغام المضادة للأفراد والمضادة للدروع في عدد من المناطق وخصوصا مدينة سراقب، وأيضا محيط مدينة معرة النعمان، بينما لا تستطيع الفرق التعامل مع الألغام.