تعتبر حلب، المدينة السورية العريقة، واحدة من أقدم المدن المأهولة في العالم، وتحتل مكانة بارزة في التاريخ الاقتصادي والصناعي للمنطقة، فهي مركز اقتصادي محوري منذ القدم، جذب اهتمام دول المنطقة عبر القرون.
ومع تحرير المدينة من سيطرة سلطة الأسد والميليشيات الإيرانية، تبرز الأسئلة حول الإستراتيجيات التي تعدها إدارة المعارضة بشأن اليوم التالي، حيث توجد تحديات كبيرة مع حالة الدمار الواسعة، وضعف الإمكانات.
وكانت المدينة محطة هامة على طريق الحرير التجاري الذي ربط بين الشرق والغرب، مما جعلها محط نظر التجار والمستثمرين من مختلف أنحاء العالم، وهي اليوم محل اهتمام من قبل الأتراك أيضا.
وفضلا عن تجارها وصناعييها، يعتبر الموقع الإستراتيجي في شمال سوريا بالقرب من الحدود التركية، مهماً للتجارة الإقليمية والدولية، فهي صلة وصل بين القارات، وهو ما ساهم في تنوع اقتصادها وزيادة قدرتها على جذب الاستثمارات، عبر التاريخ.
وقال الخبير الاقتصادي السوري أدهم قضيماتي، لموقع حلب اليوم: “ينبغي لمعرفة الأهمية الاقتصادية لحلب، خلال الوقت الحالي، أن نعرف بالأساس الفرق بين مناطق سيطرة سلطة الأسد وبين مناطق سيطرة المعارضة”، لناحية الخدمات وتأمين المواد الأساسية.
وأضاف أن مناطق سيطرة السلطة تعاني من الشح في كافة الخدمات وكافة المواد الأساسية، بخلاف مناطق سيطرة المعارضة التي تحوي كافة الخدمات والمواد بدون انقطاع، “رغم وجود فقر لكن لا يوجد شح في الخدمات وهذا أهم شيء يجب تأمينه بالمقام الأول لمناطق سيطرة المعارضة الجديدة التي تشمل حلب وريفها”.
هل تستطيع حكومة الإنقاذ إدارة ملف حلب؟
تميزت حلب منذ القدم بقطاع صناعي قوي ومتنوع، يشمل العديد من المجالات مثل الصناعات النسيجية، والغذائية، والهندسية، والكيماوية، وتشتهر المدينة بصناعة النسيج عالي الجودة، خاصة الأقمشة الحريرية والمطرزة، والتي تصدر إلى الأسواق العالمية.
كما أن صناعة الصابون الحلبي من زيت الزيتون، تعتبر رمزاً من رموز المدينة وشاهداً على براعة الحرفيين الحلبيين.
وتتميز المدينة ببنية تحتية لدعم الأنشطة الاقتصادية، مثل الأسواق التقليدية التي تعد من الأكبر في العالم، كالأسواق المسقوفة التي تمتد لمسافات طويلة، وتوفر منصة لتبادل السلع والخدمات، كما تضم المدينة شبكة من المصانع والمعامل، مما يجعلها مركزاً صناعياً هاماً على مستوى سوريا والمنطقة.
وكان عدد كبير – غير معروف على وجه الدقة – من الصناعيين والتجار وأصحاب رؤوس الأموال قد غادروا حلب، حالها حال بقية المدن الخاضعة لسيطرة الأسد، حيث اتجهوا لمصر وتركيا وأوروبا وغيرها.
وإلى جانب الصناعة، تلعب الزراعة دوراً مهماً في اقتصاد حلب، حيث تتميز أراضيها بالخصوبة، وتزرع فيها المحاصيل الأساسية مثل القمح والشعير والقطن، والزيتون، كما أن التجارة رافد أساسي للاقتصاد فيها.
لكن الأولوية اليوم هي لإعادة الخدمات من ماء وكهرباء وغاز ومحروقات إلى هذه المناطق بشكل جيد، وفقا لقضيماتي، حيث يرى أن السلع الأساسية من خبز وغيره يجب أن تكون متوفرة إذ إن عجلة الاقتصاد من الممكن أن تتحرك في حلب ومدينتها الصناعية.
والأهم من ذلك – يضيف الخبير الاقتصادي السوري – المنطقة الحرارية التي تضم المحطة الحرارية لتوليد الكهرباء، وهي مزودة بخمس عنفات قادرة على تغطية الكهرباء المطلوبة لحلب ومناطق أخرى كبيرة في سوريا، وهو ما يمكن أن يكون له دور كبير في إعادة الطمأنينة للأشخاص الموجودين في الشمال.
ولكن “يجب تأمينها بشكل كامل من الاستهداف وهذا ما يخشى منه بالمرحلة اللاحقة في حال استتب الأمن وانتعشت المنطقة بمعزل عن الحل السياسي الشامل، فقد تقوم قوات الأسد بقصف المناطق الحيوية مثل المحطة الحرارية”.
ويلفت قضيماتي إلى أن الجيش الحر وفصائل المعارضة دعوا الجميع للعودة لأعمالهم، و”هذا شيء مهم لاستعادة الحياة الطبيعية، ولكن الخوف من القصف هو ما يحدد مستقبل المنطقة، فضلا عن المناوشات التي من الممكن أن تحدث على الجبهات، أي ترتبط أهمية حلب الاقتصادية بحظر الطيران”.
وترتبط إعادة عجلة الإنتاج أيضا بفتح المعابر والطرق الأساسية، ويكون ذلك بموجب اتفاقيات مع سلطة الأسد بتوصيل البدائل التي من الممكن أن تخرج من مناطق حلب والشمال إلى كافة الأراضي السورية وكافة الحدود السورية بمعزل عن نسبها لمناطق المعارضة أو السلطة، وفقا للخبير السوري الذي يلفت إلى أهمية بالغة للدور التركي في تأمين شهادة المنشأ للبضائع المصنعة من أجل تصديرها عبر الأراضي التركية.
وعلى الرغم من تعرض حلب لصعوبات اقتصادية كبيرة خلال السنوات الماضية بسبب الحرب، وسياسات سلطة الأسد، إلا أن المدينة لا تزال تملك إمكانات كبيرة للنهوض مجدداً، وتمثل إعادة الإعمار وإحياء القطاعات الصناعية والتجارية فرصة ذهبية لإعادتها إلى مكانتها الاقتصادية المرموقة.