رافقت الأزمة الاقتصادية الخانقة في مناطق سيطرة سلطة الأسد في محافظة دمشق تدني القيم الأخلاقية والدينية والاجتماعية المتعارف عليها في المجتمع السوري، وهو ما بات واضحا بظهور عادات جديدة في التعاملات المالية لم تكن سائدة في المجتمع سابقا، مثل ظاهرة المراباة والدين بفوائد مرتفعة، حيث يلجأ العديد من السوريين إلى الاستدانة الربوية، وفقاً لمراسلة “حلب اليوم” في دمشق.
وأوضحت المراسلة أن العديد من الأشخاص يقبلون الاستدانة بفوائد مرتفعة، خاصة في ظل اعتماد بعض المرابين على الإقراض بالفائدة كمصدر دخل رئيسي.
روت “عليا.ن”، المقيمة في منطقة الشيخ سعد، لـ”حلب اليوم” كيف استدانت مليوني ليرة سورية من أحد أصحاب المحلات، على أن تسدد المبلغ مضافاً إليه 400 ألف ليرة خلال شهرين، بفائدة تصل إلى 20 بالمئة.
كما شاركتنا “أم وليد” من منطقة الفحامة قصتها، موضحةً أنها اقترضت 10 ملايين ليرة، من قريبها صاحب محل لبيع القطع الكهربائية، الذي اشترط عليها سداد المبلغ خلال عام مع إضافة مليون ونصف ليرة كفوائد.
الإسلام وتحريم الربا
بدوره، أكد الشيخ (معاذ العبدالله)، في تصريح خاص لـ”حلب اليوم”، أن الربا من الكبائر التي حرمها الإسلام تحريماً قطعياً، حيث جاء تحريمه في عدة آيات من القرآن الكريم، من بينها قول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ”، وفي السنة النبوية التي وصفت الربا بأنه من أكبر الذنوب.
وشدد الشيخ على أن التعامل بالربا يُعد تجاوزاً لحدود الله واعتداءً على حقوق الناس، مؤكداً أن الإسلام حثّ على تبادل المنافع والمعاملات المالية بالتراضي والعدل دون استغلال لحاجة الآخرين.
وأوضح أن المعاملات الربوية تؤدي إلى أضرار خطيرة على الفرد والمجتمع، حيث تخلق حالة من التفاوت الاقتصادي والاجتماعي، وتزيد معاناة الفئات الأشد فقراً من خلال فرض أعباء مالية إضافية عليهم. وأشار إلى أن الربا يزرع في النفوس الأحقاد والكراهية، ويساهم في تفكيك الروابط الاجتماعية، لكونه يستغل حاجة الناس، ويثقل كاهلهم عوضا عن مساعدتهم.
وأضاف أن الأثر السلبي للربا لا يقتصر على الأفراد فقط، بل يمتد إلى المجتمع بأسره، حيث يؤثر في الاقتصاد الوطني بشكل سلبي من خلال تعزيز ممارسات الاحتكار والاستغلال، ما يؤدي إلى تضخم الأسعار وتدهور الوضع المعيشي بشكل عام.
وأشار إلى أن المال الناتج عن الربا يعد مالاً غير مبارك، وهو ما ينعكس في نهاية الأمر على الحالة النفسية والمادية للأشخاص المتورطين في هذه المعاملات.
واختتم الشيخ كلامه بالتأكيد على ضرورة العودة إلى المبادئ الإسلامية في المعاملات المالية، والتعاون في إطار التكافل الاجتماعي من خلال قروض حسنة خالية من الفوائد، مما يسهم في تخفيف أعباء الفقراء والمحتاجين، ويعزز من قيم التكافل والعدالة في المجتمع، داعياً الجهات الدينية والقانونية إلى توعية الناس بأخطار هذه المعاملات وتبيان عواقبها في الدنيا والآخرة.
أبعاد قانونية وجرائم مرتبطة
وفي تصريح آخر لـ”حلب اليوم”، أوضح المحامي (محمد علي) -اسم مستعار- أن “قانون العقوبات السوري يجرّم المراباة، خاصة إذا كانت متكررة، علاوة على تحريمها في الشريعة الإسلامية”.
وأشار إلى أن الديون بفائدة قد تؤدي إلى تورط الدائنين في جرائم متعددة، منها إيذاء المدينين العاجزين عن السداد، أو الاستيلاء على ممتلكاتهم.
وأضاف المحامي أن المراباة تتضمن جرم “جمع الأموال” الذي قد تصل عقوبته إلى 7 سنوات سجن، إضافة إلى جرائم مثل الابتزاز والاستغلال والاحتيال.
وبيّن أنه خلال عمله، واجه العديد من قضايا الاحتيال وجمع الأموال تحت غطاء الدين بالفائدة، مشيراً إلى تورط شخصيات بارزة في المجتمع السوري في مثل هذه القضايا.