مصطفى النعيمي – باحث مختص بالشأن الإيراني
تعد القضية النووية الإيرانية واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في الشرق الأوسط. منذ سنوات طويلة، كانت إسرائيل تشعر بالقلق حيال برنامج إيران النووي، وقد أثيرت تساؤلات عديدة حول سبب عدم قيامها بشن ضربات عسكرية على المفاعلات النووية الإيرانية. ولمعرفة الأبعاد المختلفة لهذه القضية لا بد من معرفة محددات الاستهداف.
تعاني تل أبيب من قلق استراتيجي، وأصبح المشروع النووي الإيراني يمثل تهديدا وجوديا، لكن في الوقت ذاته، فإن قرار الهجوم على المفاعلات النووية يتطلب دراسة دقيقة ومستفيضة للوضع الجيوسياسي المحلي والإقليمي والدولي، وأن ضرب المفاعل النووي الإيراني قد يؤدي إلى رد فعل عسكري إيراني، ومن حلفائها مما يؤدي إلى توسيع رقعة الاشتباك الدولي الدائر في منطقة الشرق الأوسط في المرحلة الأولى وقد ينتقل مستوى الاشتباك إلى المستوى الدولي.
وباتت الضغوط الدولية لها دورا كبيرا في اتخاذ القرارات العسكرية، على الرغم من الانقسامات في معالجة الملف النووي في مجلس الأمن الدولي، وتصريحات إسرائيل اليوم قد تساهم بارتدادات عكسية على تل أبيب تفقدها عناصر القوة والدعم الغربي المقدم لها سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وهذا الدعم هو من أوصل إسرائيل إلى هذا الحجم الكبير في التأثير في رسم المشهد الدولي المتخبط.
وقد ينجم عن استهداف المفاعلات النووية أضرارا كبيرة وعواقب إنسانية وخيمة، خاصة وأن ما بعد الاستهداف قد تنطلق مواد مشعة؛ مما يؤثر على حياة المدنيين في إيران ودول الجوار، كما أن تل أبيب تدرك تماما من أن العواقب قد تؤثر عليها وعلى مستوى الدعم الدولي المقدم لها، لذلك لن تجرؤ على المخاطرة واتخاذ القرار بشكل منفرد دون التنسيق الكامل مع المنظومة الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
وأمام هذا المشهد متعدد أوجه المخاطر تبحث إسرائيل عن الخيارات البديلة، دون أن تتجاوز الضغوط الدولية المفروضة عليها لمنع تدحرج كرة المخاطر والكوارث من استهداف المفاعلات النووية الإيرانية، ويبدو أن تل أبيب تتجه اليوم إلى استخدام أدوات تأثير غير تقليدية لمواجهة المخاطر النووية مستعينة بقدراتها الاستخبارية معززة بذلك قدرات حلفائها بدلا من الهجوم المباشر، وتعتبر إسرائيل استراتيجيتها في المواجهة ستساعد في تقويض الجهود الإيرانية دون الحاجة إلى التصعيد العسكري المباشر.
وحتى تتضح الرؤية من الاتفاق النووي الإيراني الذي وقع في عام 2015، والذي أظهر وبشكل كبير مدى التأثير لتبديد المخاوف الإسرائيلية لفترة معينة، لكن ومع تدهور هذه الاتفاقيات وعودة طهران للتركيز على برنامجها النووي شكلت في تل أبيب قناعة تعزز القلق الإسرائيلي من جديد لدى صانعي القرار؛ مما اضطرهم إلى ممارسة الضغوط القصوى عبر اللوبيات الإسرائيلية المؤثرة بواشنطن لاستصدار حزم عقوبات تمنع طهران من تحقيق حلمها في امتلاك سلاح الردع النووي.
وفي ظل تلك المؤشرات وتتعدد الأسباب التي تجعل إسرائيل تمتنع عن ضرب المفاعلات النووية الإيرانية، من القلق الاستراتيجي والمخاطر الإنسانية إلى الضغوط الدولية والخيارات البديلة. إن إسرائيل، رغم قلقها المستمر من التهديد الإيراني، تتبنى سياسة تتمحور حول الهجمات الاحترازية والحذر الشديد، مما يشير إلى تعقيد الوضع في المنطقة والحاجة إلى مقاربة متعددة الأبعاد في التعامل مع القضايا النووية.
ولفهم آلية العودة التلقائية للعقوبات الأمريكية على إيران لا بد من معرفة أن تلك العقوبات الاقتصادية واحدة من الأدوات الرئيسية التي تستخدمها الولايات المتحدة لتعزيز سياستها الخارجية وتأمين مصالحها الاستراتيجية. من بين آليات العقوبات الأخرى، حيث تبرز آلية العودة التلقائية، المعروفة أيضًا باسم “Snapback Mechanism”، كوسيلة فعالة لإعادة إحياء العقوبات المعلقة بشكل سريع عند عدم التزام الدول بتعهداتها.
ولتتضح الرؤية بشكل أوسع، فهذه الآلية تعبر عن العودة التلقائية للعقوبات تشير إلى العملية التي يتم من خلالها إعادة فرض العقوبات التي تم تعليقها في السابق ضد دولة معينة تلقائيًا، وذلك في حالة عدم الوفاء بشروط معينة. غالبًا ما ترتبط هذه الآلية باتفاقيات دولية، مثل الاتفاق النووي الإيراني، حيث يلتزم الأطراف المتعاقدة بتقليص التوترات مقابل تخفيف العقوبات، لكن إيران لم تفي بتعهداتها وبالتالي أصبحت آلية العقوبات ضرورة ملحة إقليمية ودولية.
عمل آلية العودة التلقائية
تعمل على مبدأ أن أي طرف يمكنه الإبلاغ عن انتهاك الاتفاق، مما يتيح له إحالة القضية إلى مجلس الأمن الدولي. في حالة عدم وجود توافق بين الأعضاء الدائمين في المجلس على ذلك، فإن الولايات المتحدة تحتفظ بالقدرة على إعادة فرض العقوبات بشكل أحادي. لذا، فإن الآلية تمثل أداة ضغط قوية على الدول التي قد تسعى لتحقيق مكاسب من خلال انتهاك الاتفاقيات الدولية.
أهمية آلية العودة التلقائية
تأتي أهمية هذه الآلية من عدة جوانب. أولاً، تعزز من مصداقية الاتفاقيات الدولية، حيث تشير إلى أن الولايات المتحدة لن تتهاون في الحفاظ على الالتزامات المعينة. ثانيًا، تعتبر وسيلة لتحفيز الدول على الالتزام بالشروط المتفق عليها، مما يقلل من احتمالية تصاعد الأزمات. أخيرًا، تساهم الآلية في تحقيق توازن قوى في النظام الدولي، حيث تسلط الضوء على قدرة الولايات المتحدة على التأثير في سلوك الدول الأخرى.
وبناء على ذلك فأصبحت آلية العودة التلقائية للعقوبات أداة رئيسية في الصراع السياسي والاقتصادي على الساحة الدولية، من خلال فهم كيفية عمل هذه الآلية، يمكن للدول والمراقبين أن يتوصلوا إلى تقديرات دقيقة للعواقب المحتملة لممارسات انتهاك الاتفاقيات، في عالم تزداد فيه التوترات، ستظل هذه الآلية تمتلك دورًا حيويًا في تحديد مستقبل العلاقات الدولية وسياستها ومدى انعكاساتها سلما أم حربا.