أثرت الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها معظم دول الاتحاد الأوروبي سلبا على اللاجئين السوريين، من عدة نواحي، بما في ذلك تهديد مستقبل وجودهم واستقرارهم.
ومنذ انتشار مرض كورونا وما تبعه من إفلاس عدد كبير من الشركات، واضطرابات سلاسل التوريد، وارتفاع معدلات البطالة، بدأت القارة الغنية تعاني من ضعف في السيولة وبعض المشاكل الاقتصادية.
لكن العام الأخير شهد ما يمكن تسميته بالأزمة المالية، التي تفاقمت نتيجة عدة عوامل؛ كانت الحرب الروسية على أوكرانيا أبرزها، حيث انخفض سعر صرف اليورو بشكل كبير، فيما ارتفعت أسعار السلع والبضائع.
وتحت وطأة تراجع الأوضاع المعيشية، باتت المعونات الاجتماعية التي يتلقاها المهاجرون أقل مما سبق، في عموم الدول التي تستقبل اللاجئين السوريين، كما ضاقت أمامهم فرص العمل، وانخفضت الأجور، لكن كل ما سبق ليس المشكلة الأكبر التي تواجههم.
يقول حافظ قرقوط الكاتب الصحفي السوري المقيم في السويد، لموقع حلب اليوم، إن السياسيين المعارضين استغلوا الأزمات الاقتصادية التي تعانيها الدول الأوروبية لكسب أصوات ضد الحكومات القائمة، حيث تم استغلال ملف اللاجئين السوريين كورقة.
وخفضت ألمانيا والسويد مؤخرا المساعدات المالية التي يتلقاها طالبو اللجوء، فيما يتم تشديد الرقابة على التحويلات المالية التي يحاولون إرسالها لذويهم في سوريا.
يؤكد “محمد .ع” المقيم في السويد منذ أعوام، والحاصل على جنسيتها، لحلب اليوم، أنه لم يعد في مقدرته إرسال الأموال إلى أهله في الشمال السوري كما كان الحال سابقا.
ومنذ وصوله للسويد، عام 2016، أرسل الشاب الأربعيني مئات الدولارات بشكل دوري (كل شهرين أو ثلاثة) لوالدته وإخوته، حيث كان في إمكانه توفير الأموال من أجل ذلك، لكن ارتفاع تكاليف المعيشة اليوم، قلص التحويلات المالية التي يرسلها إلى النصف.
ورغم ما سبق، يؤكد أن المشكلة الأساسية ليس هنا، وإنما في الاختلاف الكبير الذي لحق بالمزاج العام للشعب تجاه اللاجئين، حيث يُنظر إليهم كسبب رئيسي للأزمة، وسط تزايد واضح في العنصرية.
وبحسب قرقوط فإن الأحزاب المحافظة اعتمدت خطابا تحريضيا في استغلال واضح لملف اللاجئين، من أجل ضمان أصوات الناخبين، عبر تحميل المهاجرين مسؤولية المشاكل التي تواجهها البلاد بدلا من حلّها بالطرق المناسبة، وقد “بدأت الأحزاب اليمينية تحظى بالشعبية نتيجة التحريض الموجه ضد هؤلاء”.
وأضاف أن الأزمة الاقتصادية ضيقت على اللاجئين فرص إيجاد العمل، كما كانت هنالك مشكلة في تغيير القوانين، فقد بات على طالب اللجوء في السويد – على سبيل المثال – أن يحصل على إقامة مؤقتة قبل أن يتم تبديلها إلى دائمة، ويحتاج هنا إلى عمل دائم براتب دائم مع سكن بما يمكن أن يحميه وأسرته.
وكان اللاجئ سابقا يحصل على إقامة دائمة فور وصوله، وبعد خمس سنوات يستطيع أن يحصل على الجنسية السويدية، أما الآن فالوضع تغير، ولكن هذا التغير ليس وليد اليوم، فقد بدأ تغيير القوانين منذ عام 2016 مع قدوم عدد كبير من اللاجئين السوريين وغيرهم.
ووفقا للكاتب السوري فقد أدى تغير الأوضاع خلال السنوات الماضية، وحالة الفراغ مع قلة فرص العمل إلى نشوء بعض العصابات، في أوساط اللاجئين سواء القادمين من الشرق الأوسط أو أفريقيا أو أفغانستان أو أوروبا الشرقية وأوكرانيا إضافة لعدد من المهاجرين القادمين من دول أمريكا اللاتينية وغيرها.
ومع تراكم كل تلك الأعداد زادت الأزمات بالنسبة للدول الأوروبية، ما أدى لتغيير القوانين التي تتبعها، حيث احتاجت الدوائر الحكومية إلى عدد كبير من الموظفين لمتابعة عمليات قبول اللاجئين، ولم شملهم لاحقا بأسرهم ما أدى لوجود عراقيل وتعقيدات في لم الشمل.
كما أن الحكومة باتت تتخوف من مسألة لم الشمل التي تؤدي إلى مضاعفة الأعداد بسبب القوانين التي تنظم عملية اللجوء وتضمن حقوق لم شمل الأسرة، وهذه ما بدأت تضيق عليه الحكومات الجديدة اليمينية، كما أنها تدرس تقديم عوائد مادية لمن يرغب في العودة إلى بلده بشكل طوعي وإعطائه كافة تكاليف السفر ومبلغا ماليا ليبدأ حياته من جديد، إذا اختار فقط العودة إلى بلده.
ويضيف قرقوط: “السويد بلد اعتاد الهدوء بشكل عام، عدد سكانه قليل (10 – 11 مليون نسمة) مع مساحة كبيرة، أما وجود المهاجرين بهذه الكثرة فقد شكل بعض الأزمات للمجتمع”.
يعيش الشاب الثلاثيني “شاهر .ح” في ألمانيا منذ عام 2015، وهو حاصل على جنسية البلاد، ويتمتع بوضع اقتصادي جيد نسبيا، لكنه يؤكد أن الأوضاع اليوم لم تعد كما كانت، حيث أن ارتفاع الأسعار كان بنسبة كبيرة لم يعوضها رفع الأجور والرواتب.
ويشير إلى أن هناك القليل من اللاجئين السوريين ممن لا يزال بإمكانه دعم ذويه في الداخل السوري، حيث أن على اللاجئ أن يحرم نفسه من احتياجات أساسية لأجل توفير بضعة يوروهات لإرسالها، بينما ينتابهم القلق على مستقبل وجودهم، مع تزايد سعي الحكومات نحو الترحيل القسري.
وقد خفف الوضع الحالي من اندفاع الكثير من اللاجئين إلى تعلم اللغة لعدم وجود أمل لديهم – وفقا لقرقوط – فطلبات الحصول على اللجوء أو الجنسية تستمر لفترة طويلة قبل إعطاء قرار بالموافقة عليها، ما جعلهم يتكاسلون عن إتقان اللغة بسرعة.
وكان ذلك من جملة العوامل التي سببت “عدم اندماجهم بالمجتمع وانغلاقهم ضمن تجمعات شبه معزولة في مناطق معينة، ما قلل من توجههم نحو سوق العمل، ومن ثم الاندماج في المجتمع”.
وكان الاتحاد الأوروبي قد أعلن أمس الثلاثاء، أنه يدرس تعيين مبعوث خاص له في سوريا بالتزامن مع مساعٍ إيطالية لإعادة التواصل مع سلطة الأٍسد بدعوى معالجة قضية اللاجئين السوريين.
ويأتي ذلك بعد محادثات منفصلة عقدتها رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، مع عدد من رؤساء الدول الأوروبية لحثهم على عودة المزيد من المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية.