أعلنت وسائل إعلام عن زيارة قام بها وزير خارجية الأردن، أيمن الصفدي، إلى العاصمة السورية دمشق، أمس الأحد، لبحث ملفات هامة بخصوص المنطقة، ونقل “رسالة شفوية” من الملك الأردني عبد الله الثاني لبشار الأسد.
ولم تكن عمّان قد أعلنت مسبقًا عن الزيارة، التي حدثت في ظل حرب كبيرة تشهدها المنطقة، وحديث إسرائيلي عن “ترتيب جديد” ومطالبات بسحب أو تحييد الميليشيات الإيرانية في الجنوب السوري، وهو ما رجحت أوساط عدة أن تكون قد تمت مناقشته أمس في دمشق.
ومنذ عام 2011 لم يزر وزير خارجية الأردن سوريا، بسبب قطع العلاقات مع سلطة الأسد، إلا أن الصفدي زار دمشق مرتين العام الماضي، عقب انطلاق جهود التطبيع، وتعتبر الزيارة أمس هي الثالثة له منذ أكثر من عقد.
وحول أبرز العناوين العريضة التي يمكن أن تكون قد نوقشت في اللقاء، قال أحمد فهيم المحلل السياسي الفلسطيني الأردني، لموقع حلب اليوم، إن عمّان تشعر بالقلق مما يجري بالمنطقة، وتريد تحييد أراضيها عن أية مواجهات.
وقالت وزارة الخارجية الأردنية، في بيان عبر “إكس“، إن الأسد استقبل الصفدي، الذي نقل “رسالة شفوية من الملك الأردني، عبد الله الثاني، حول جهود حل “الأزمة السورية” ومعالجة كل تبعاتها، وعددًا من القضايا الثنائية والأوضاع في المنطقة”.
من جانبها قالت وكالة أنباء “سانا” إن وزير خارجية الأسد، بسام الصباغ، التقى الصفدي قبل أن يلتقيه الأسد “لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها، وملف عودة اللاجئين السوريين، ومناقشة التطورات الراهنة والخطيرة في المنطقة”.
وركّز الأسد في تصريحاته على قضية “تأمين متطلبات العودة الآمنة للاجئين السوريين”، مدعيا أنها “أولوية لـ”الدولة السورية” التي قطعت شوطًا مهمًا في الإجراءات المساعدة على العودة”.
لكن فهيم يرى أن الزيارة ناقشت ما هو أكثر من ذلك، فهي “مهمة في توقيت حرج وحساس.. نحن الآن أمام ما يشبه الحرب الإقليمية، وهناك مستجدات حاصلة في المنطقة؛ حرب شمال قطاع غزة وأيضا جنوب لبنان، وضربات صهيونية متتالية ومتوالية على أجزاء من الأراضي السورية.. كل هذا يضاف إلى الأزمات القائمة أصلا بين الأردن وبين سوريا على الشريط الحدودي”.
وأوضح أن عمليات التهريب المستمرة لم تتوقف ولم تنقطع لثانية واحدة، وعلى مدار العام هناك ضبط وإعلان عن ضبط محاولات لاختراق الشريط الحدودي عبر تهريب كميات من المخدرات بشكل يومي، وفي فترة من الفترات كانت هناك محاولات لتهريب السلاح.
كما أن الأردن “معني بحفظ الأمن وعدم دخول الأسلحة تحديدا في هذه اللحظة الحرجة والحساسة، ويرفض استخدام أراضيه بأي شكل من الأشكال في أي مواجهة إقليمية بين إيران من جهة وكلائها من جهة، وبين إسرائيل وأية قوة أخرى”.
وأعلنت وسائل إعلام محلية أن عددا من الطائرات المسيرة مرت فوق سماء مدينة إربد شمالي البلاد، متجهة نحو فلسطين، اليوم الاثنين، تزامنا مع سماع دوي انفجار ضخم في المدينة، حيث جرى اعتراض طائرة مسيرة.
وسقطت الطائرة بين قريتي جمحة وكفر عوان غربي إربد، وقدمت كوادر الأجهزة الأمنية إلى الموقع الذي يقع على مقربة من الحدود السورية، في مقابل محافظة درعا، حيث توجد ميليشيات إيرانية.
بدورها ذكرت وسائل إعلام عبرية أن صفارات الإنذار دوت في مستوطنات إسرائيلية شمال غور الأردن تحسبا لتسلل طائرات مسيرة، وقال الجيش الإسرائيلي إنه تمكن من اعتراض مسيرة أطلقت “من الشرق” وكانت بطريقها نحو الجولان.
وذكرت وسائل إعلام عبرية وغربية في تقارير سابقة، أن تل أبيب حذّرت الأسد طالبةً منه تحييد الجبهة السورية عن الحرب الدائرة، وهددت باستهداف مكانته وسلطته في حال لم يلجم الميليشيات جنوب البلاد.
ولكن الكاتب والمحلل السياسي مظهر سعدو، يرى في إفادته لحلب اليوم، أن الأسد “سيبقى صامتا إزاء ما يجري حوله، بينما يرسل الرسائل اليومية إلى إسرائيل وأميركا مؤكدا أنه لن يدخل في الحرب لأن الأهم بالنسبة له أن يستمر في الحرب ضد الشعب السوري المعارض”.
وحتى لو استمرت إسرائيل في قضم الأراضي السورية في الجولان، “فلن تتحرك سلطة الأسد بل ستصدر البيانات تلو البيانات وتشتكي للأمم المتحدة، وسوف تقلق الأمم المتحدة للتدخلات الإسرائيلية في الأراضي السورية”.
من جانبه يؤكد المحلل السياسي الأردني الفلسطيني أحمد فهيم، أن عمّان ترفض أن يستخدم المجال الجوي أو البري أو البحري للبلاد بأي شكل من الأشكال في أي مواجهات عسكرية، ومن ثم فهي معنية في ضوء كل هذه المعطيات ببناء اتصالات وتنشيط دائم مع سلطة الأسد وبحث المآلات السياسية والأمنية التي يمكن أن تحصل في المنطقة الآن في ظل “التصعيد الإسرائيلي الذي قد يبلغ ذروته، ويصل لحد التوغل البري – لا قدّر الله – داخل الأراضي السورية مع ما يترتب على ذلك من موجات جديدة من النازحين أو اللاجئين إلى الأردن”.
وكانت عمّان قد بدأت مبادرة للحل في سوريا، منذ عام 2021، تضمنت تحجيم الميليشيات الإيرانية في جنوب البلاد، والحد من نشاطها في تهريب المخدرات مقابل الدفع بعملية التطبيع العربي مع الأسد نحو الأمام، لكن الأخير لم يلب أيا من تلك المطالب.
وبحسب وسائل إعلام عربية وأردنية فإن زيارة الصفدي أمس إلى دمشق، تأتي بعد سلسلة نشاط دبلوماسي قامت به عمّان بهدف تخفيف تداعيات الحرب على حدودها الشمالية مع سوريا، بما في ذلك تهريب المخدرات.
وزار وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي عمّان، الأسبوع الماضي، كما زارها رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، وتحدثت مصادر عن انفتاح أردني على إيران وسلطة الأسد لتدارك الأخطار المحتملة.
وأشار فهيم إلى أن هناك “ملفات عديدة أيضا تُبحث الآن في ظل التصعيد الحاصل بين أمريكا وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى، فالضربة المتوقعة لإيران ورد الفعل الإيراني وتداعياته على سوريا وتداعياته على الأردن وتنسيق الجهود المشتركة لبناء – لربما – وجهة نظر إن لم تكن متطابقة على الأقل لا تكون متعارضة على نحو يمس الأمن الأردني”.
وشدّد على أن “الأردن قلق جدا في هذا السياق وعلى هذه الجبهة تحديدا، ويريد أن يحصل من سلطة الأسد على بعض الضمانات التي تضمن له هذا الأمن والاستقرار خاصة في ظل الجهود الدبلوماسية التي خاضتها عمان في يوم من الأيام لإعادة دمج سلطة الأسد في الجامعة العربية، وفي محور الاعتدال كما يسمى أو في إعادة دمجه ضمن منظومة العمل العربي المشترك في المعسكر غير الإيراني إذا جاز التعبير”.
وكما هو معلوم – يضيف فهيم – فإن “السلطة في سوريا تأكل على كل الموائد.. أينما وجدت مصلحة تخدم بقاءها ووجودها، فليس لديها أي مشكلة في الذهاب نحو هذه المصلحة والتواصل والتنسيق بخصوصها.. الأسد بلا أدنى شك قد يقدر على نحو معين الجهود الكبيرة التي حاول الأردن أن يبذلها بشأن سوريا والتي تصب في صالحه، من المشاريع الاقتصادية إلى إعادة دمجه في الجامعة العربية وإعادته إلى منظومة العمل العربي المشترك في إطار الجامعة العربية ودول محور الاعتدال كما تسمى”.