خرج عشرات السوريين في النمسا بمظاهرة للتعبير عن رفض التطبيع مع سلطة الأسد، والإعادة القسرية للاجئين في أوروبا إلى سوريا قبل تحقيق الحل السياسي.
وقال مراسل حلب اليوم إن المتظاهرين في العاصمة النمساوية فيينا، رفعوا شعارات ترفض أي شكل من أشكال التطبيع، وذلك من خلال لافتات وخطابات باللغة العربية والألمانية والإنجليزية تؤكد أن “سوريا ليست آمنة بوجود الأسد”.
وتتزايد الدعوات لإعادة اللاجئين السوريين في أوروبا، وسط توجه نحو تشديد الإجراءات ضد قبول مزيد من المهاجرين، رغم احتياج تلك الدول للعنصر البشري واليد العاملة.
وكانت مبادرة الجالية السورية في النمسا بتقديم المساعدات للمتضررين من الفيضانات خلال الصيف الفائت، قد لاقت استحسانا من المجتمع النمساوي، وسلطت وسائل الإعلام المحلية الضوء على تلك التجربة الإيجابية.
وقال بسام العيسمي الناشط الحقوقي والمحامي والسياسي السوري المقيم في النمسا، لحلب اليوم، إن هناك محاولة لترويج صورة سلبية للاجئين عبر استغلال بعض السلوكيات المنحرفة لبعض المراهقين السوريين، والتي لم تكن تعبّر عن الحالة الجمعية للاجئين السوريين الذين حققوا نجاحات كبيرة وحالة اندماج متقدم قياسا بالجاليات الأخرى.
وأكد أن هناك حالة من المزاج الحكومي والشعبي العام غير المرحب باللاجئين في السنوات الأخيرة ليس على مستوى النمسا فقط، وإنما على مستوى أوروبا مع صعود اليمين وفوزه بمساحات كبيرة من مطارح القرار والسلطة في هذه البلدان.
ويبرز صعود اليمين بشكل قوي في كل من هولندا وفرنسا وألمانيا التي دعا زعيم المعارضة اليميني فيها، إلى تشديد الإجراءات وإغلاق الحدود أمام المهاجرين، وإعادة اللاجئين الأفغان والسوريين من مرتكبي الجنايات.
وحول ذلك يقول عبد الرزاق صبيح، الصحفي السوري المقيم في ألمانيا، لحلب اليوم، إن هناك حالة من التخوف في صفوف السوريين، لكنهم يعولون على القوانين الأوربية والقانون الألماني حتى يحميهم، وهذا الأمر ينعكس سلباً على حياة اللاجئين السوريين في ألمانيا، وعلى عملهم ودراستهم، وهناك أيضا تخوف من تغير القوانين.
تأتي هذه المطالبات بعد تصاعد شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة وحصولها على مقاعد إضافية في البلديات في عدة ولايات ألمانية ومنها “برادينبرغ”، وذلك بعد الهجوم الدامي في “زولينغن”، حيث قتل لاجئ سوري ثلاثة مدنيين ألمان، وجرح سبعة آخرين بعد هجومه على نشاط موسيقي، واعترافه بأنه ينتمي لتنظيم “الدولة” المصنف على قوائم الإرهاب في ألمانيا.
من جانبه يرى العيسمي أن إظهار الصورة الحقيقية والحضارية للسوريين من خلال احترام القوانين والثقافة المحلية للمجتمع المضيف، هو أمر في غاية الأهمية.
ويُقدر عدد اللاجئين السوريين بالنمسا خلال العام الحالي بنحو 58 ألف لاجئ أما عدد اللاجئين بشكل إجمالي فيبلغ تقريباً 146 ألف لاجئ، مع العلم بأن عدد سكان البلاد لا يتجاوز 9.5 مليون نسمة؛ بينهم 1.8 مليون من أصول أجنبية.
وتتصاعد حالة الرفض للاجئين والتحريض ضدهم أيضا في فرنسا، حيث تسعى الحكومة لإقرار قانون هجرة جديد أكثر تشددا يعتبر الإقامة غير القانونية بمثابة “جريمة”.
وشنّ محتجون غاضبون هجوما على فنادق تؤوي اللاجئين في بريطانيا، الشهر الماضي، وقالت وسائل إعلام محلية إنهم محسوبون على اليمين المتطرف، وسط اشتباكات جرت مع مجموعات من المسلمين حاولوا الدفاع عن أنفسهم.
كما تقدمت هولندا بطلب إلى المفوضية الأوروبية للانسحاب من قواعد اللجوء، التي تُلزم جميع الدول أعضاء الاتحاد باتباع سياسة موحدة بشأن استقبال اللاجئين والمهاجرين، في شهر آب الفائت.
وتواصل الحكومة اليمينية الجديدة في هولندا تشديد إجراءاتها ضد اللاجئين، وطالبي اللجوء، حسبما كان متوقعا منذ فوزها بالانتخابات الأخيرة، وسط حالة من القلق في أوساط المهاجرين وخصوصا السوريين.
يقول المحامي والناشط السوري، المقيم في ألمانيا، مروان العش، لحلب اليوم، إن المجتمع الأوربي بشريحة كبيرة منه تعتبر اللجوء خطرا على مستقبل أوروبا، وأنهم لا حاجة لهم بلاجئين جدد؛ أما قضية العمالة الفنية والمهنية وحاجة سوق العمل فتؤمن من دول مستقرة ولديها كوادر فنية ومهنية تغطي حاجة اليد العمالة المطلوبة.
ولفت إلى أن هناك دولا عرضت خدماتها مثل الهند والبرازيل وكينيا ومصر وغيرها، لتقديم عمال وأصحاب كفاءات عوضا عن المهاجرين.
وتوجد في ألمانيا أيضا جهود نحو خفض قبول المهاجرين الاقتصاديين والحماية الإنسانية، وتفعيل حضور العمالة المهنية عبر فيزا العمل والنقاط، ضمن شروط مشددة، مع حفظ حقوقهم كعمال لا كلاجئين، فالقوانين هناك لا زالت حتى اليوم تحمي اللاجئين السوريين وغيرهم من الترحيل الفردي أو الجماعي، “لكن هذا لن يستمر”.
وتوقع العش إمكانية حدوث الترحيل، مع أول منعطف بالقضية السورية مثل حدوث حل سياسي أو اعتراف الاتحاد الأوروبي بتوقف الحرب ببعض مناطق سيطرة سلطة الأسد.
هناك أيضا تغير في المزاج الأوروبي يلفت إليه المحلل السياسي السوري، المقيم في بولندا، حسام نجار، حيث قال لحلب اليوم، إن المواطن الأوروبي جرب أحزاب اليسار في مناسبات عديدة ولكنها لم تلبّ طموحاته، بل “جعلت بلدانهم ( مستباحة ) من قبل الجميع ( على حسب اعتقادهم )”.
ويشير إلى الضخ الإعلامي من أحزاب اليمين التي “تحرض على كل قرارات اليسار” و بالأخص بمجال التأمين والضرائب والسكن والرواتب، لذلك يسعى المواطنون للسير مع الأحزاب اليمنية علها تحقق لهم بعض المكاسب التي فقدوها.
كما أكد نجار أن انتصار الأحزاب اليمينية في بعض البلدان سيؤثر في المهاجرين بشكل عميق، فما يحصل في فرنسا مثلاً أو النمسا أو إيطاليا يصب في هذا المنحى.
ويبقى المهاجرون عموما هم الخاسر الأكبر من جراء تطورات السياسة الداخلية في أوروبا، وخصوصا السوريين منهم.