مازن أبو تمام
أثار التوجه السريع لسلطة الأسد بفتح الأبواب بوجه اللبنانيين الفارين من الضربات الإسرائيلية، هواجس الكثير من السوريين، من أن يكون هذا الحدث حجرا جديدا في لوحة التغيير الديمغرافي التي بدأها الأسد عقب اندلاع الثورة السورية في 2011، بهدف إقصاء معارضيه عن المنطقة مقابل تعزيز وجود حلفائه من عناصر تتبع لحزب الله اللبناني، وميلشيات إيرانية، وأفغانية وعراقية وأخيرا يمنية.
وما يثير الشكوك حول تحول تلك المخاوف إلى أمر واقع، عدة مؤشرات من بينها ارتفاع أعداد اللبنانيين الذين دخلوا إلى سوريا “وأغلبهم من عوائل عناصر حزب الله”، مقابل محدودية الضربات الإسرائيلية وتركزها على أهداف قيادية في حزب الله -ما أسفر عن تفكك الحزب بشكله التقليدي-، وعدم تطورها إلى حرب شاملة تستهدف لبنان كدولة، بالإضافة إلى قدرة المناطق اللبنانية غير المستهدفة على استيعاب النازحين داخليا.
القصير.. جسر الربط بين حزب الله والأسد وبوابة التغيير الديمغرافي
تفيد مصادر حلب اليوم أن مدينة القصير بريف حمص الجنوبي والقوة الريفية التابعة لها إداريا كانت بوابة استقبال النازحين اللبنانيين الذين توافدوا إلى البلاد خلال الأيام الماضية.
بعد أن حولتها ميليشيا حزب الله اللبناني لأشبه ما تكون القلعة الحصينة لتكتلات قياديي الحزب وعناصرهم كونها على مقربة من الحدود السورية-اللبنانية الأمر الذي وفر لهم حرية التحرك ونقل الأسلحة والصواريخ القادمة من طهران إلى الضاحية الجنوبية.
وبحسب مراسل حلب اليوم فقد شهدت الأيام القليلة الماضية قيام مجموعات من اللجان الشعبية التابعة لحزب الله بالعمل على تأمين عدد من المنازل ضمن قرى حوش السيد علي وحاويك والمسعودية ومطربا بهدف توطين عائلات مقاتلي الحزب الذين هربوا إلى سوريا خشية من القصف الإسرائيلي.
كما عملت اللجان الشعبية التابعة لحزب الله اللبناني على تجهيز مجموعة من المنازل ضمن الحي الغربي لمدينة القصير تم على إثرها توطين عدة عائلات معظمها من الأطفال والنساء بالوقت الذي ما تزال سلطة الأسد وحليفها حزب الله يمنعون عودة المهجرين السوريين من أبناء مدينة القصير إلى منازلهم لغاية الآن.
في سياق متصل قال مراسل حلب اليوم إن مجموعة من المراجع الدينية من المذهب الشيعي أعلنت عن إطلاق مبادرة إيواء واحتضان النازحين اللبنانيين من أبناء الطائفة الشيعية على وجه الخصوص ليتم استقدامهم إلى قرى المختارية والأمينية والأشرفية بريف حمص الشمالي.
في ذات السياق قام المدعو جعفر جعفر أحد أبرز تجار المخدرات المقرب من حزب الله اللبناني من قرية الحازمية شمال شرق مركز مدينة حمص بتجهيز مركز إيواء يتسع لقرابة ١٠٠ شخص، والذي زُوِّد بما تحتاجه الأسر النازحة من طعام ولباس وشراب.
وسُجِّل دخول عدد من العائلات اللبنانية إلى مركز مدينة حمص ولا سيما حي الغوطة والحمراء حيث عُمِل على استئجار شقق سكنية لفترات متفاوتة بتسهيلات من قبل رؤساء الأفرع الأمنية التابعة لسلطة الأسد.
هذا وتعتبر المناطق الشرقية من ريف حمص المعقل الرئيسي للهيمنة الإيرانية وحليفتها حزب الله اللبناني كما هو واقع الحال بما يخص مدينة تدمر والبيارات والسخنة بالإضافة لمنطقة الدوة الزراعية ومعظم القرى النائية التابعة لها، حيث تم العمل على توطين عشرات العائلات من أهالي مقاتلي ميليشيا لواء فاطميون الأفغاني وحركة النجباء ولواء زينبيون، لا سيما ضمن مدينة السخنة وتدمر في ظل عدم اتخاذ أي إجراء من قبل حكومة سلطة الأسد للحيلولة دون التغيير الديمغرافي الذي باتت معالمه شبه واضحة بمدينة حمص وريفها الجنوبي والشرقي على وجه الخصوص.
طهران مشرفة على الهندسة الجيوسياسية في سوريا وتفرضها على الأسد
في حواره مع حلب اليوم قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي السوري “درويش خليفة” إن سلطة الأسد تعمل بأمر طهران، وهم من وجهوها لفتح الأبواب مقابل التكفل بدفع تكاليف ولوزام الاستقبال من تأمين مأوى وغذاء وغيرها، على اعتبار أن اقتصاد سلطة الأسد متهاوٍ ومتهالك وغير قادر تحمل تلك التكاليف.
وأضاف “درويش خليفة” أن هذه الأحداث ربما تكون فرصة لطهران، للعمل على التغيير الديمغرافي في سوريا ورفع نسبة الموالين لهم من “الشيعة السياسية والعلوية السياسية”.
وأردف أن ما يحدث قد ينعكس على النظام سلباً، من الحاضنة المحلية السورية، كونه يجوع شعبه مقابل تقديم الدعم والتسهيلات للقادمين من لبنان، وهذا قد يشير إلى تغيير ديمغرافي، لذلك يجب أن يكون هناك موقف للمعارضة السورية والناشطين السوريين كون ما يحدث ليس استقبالا لنازحين في ظروف عادية، وإن حدث هذا التغيير، فهو ليس لمصلحة الإقليم ككل لذلك يجب على الجامعة العربية أن تكون حذرة وبالذات لجنة الاتصال التي كلفت بالتواصل مع سلطة الأسد لإيجاد حلول للحالة السورية المستعصية.
الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية يحذر من خطر التغيير الديمغرافي
في تصريح صحفي نشره الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية حذر عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري، “محمد سليم الخطيب” من توجيهات نظام الأسد بتسهيل دخول عناصر ميليشيات حزب الله “الإرهابي” وأسرهم إلى سورية، لافتاً إلى أن تلك الخطوة قد تكون استكمالاً لمشروع التغيير الديموغرافي الذي بدأه النظام وإيران منذ سنوات.
وأوضح الخطيب أن نظام الأسد قد يستغل إخراج ميليشيات الحزب من جنوب لبنان، ويقدم لهم تسهيلات الإقامة في منازل المهجرين السوريين، معتبراً ذلك أنه يفرض أمراً واقعاً جديداً يمنع اللاجئين السوريين من العودة في المستقبل، ويعقد مسألة تطبيق القرارات الدولية الخاصة بالشأن السوري والوصول إلى حل سياسي وفقها.
مراسيم أصدرتها سلطة الأسد رسمت ملامح التغيير الديموغرافي
بعد إقدام سلطة الأسد وحلفائها على تهجير السكان في معظم المحافظات السورية، عملت حكومة الأسد على قوننة التغيير الديمغرافي، تحت عنوان التنظيم، ورسمت المراسيم والقوانين التي أصدرها الأسد الملامح الرسمية لشكل التغيير المطلوب، من أبرزها:
المرسوم 66 لعام 2012: يسمح بمصادرة العقارات في محيط دمشق من الأشخاص المتهمين بارتكاب عدد من الجرائم، وخاصة الإرهاب، وهو يستهدف عمليا كل من عارض سلطة الأسد.
المرسوم رقم 12 لسنة 2016: ينص على رقمنة السجلات العقارية في كافة أنحاء الدولة، مما يجعل الكثير منها قديمة؛ إذ لم يتمكن أصحابها من الوصول إلى سجلاتهم بسرعة وسهولة.
القانون 33 لسنة 2017: يسمح لأي شخص أن يدعي ملكية أي عقار خالٍ طالما أن هذا الادعاء مدعوم بشهود وسلطة محلية مسيطرة على المنطقة.
القانون رقم 10 لعام 2018: تحديث للمرسوم 66 لعام 2012، وقد حاز هذا القانون على اهتمام دولي كبير بسبب اتساع نطاقه، فقد سمح للأسد إنشاء “مناطق إدارية” حيث يمكنه إدارة عمليات إعادة الإعمار والإشراف عليها.
كما يتحكم القانون في جميع اللوائح التي صدرت خلال نصف القرن الماضي فيما يتعلق بحقوق الملكية بشكل عام.
وعندما صدر القانون في الأصل، أعطى السوريون 30 يومًا فقط للمطالبة بالملكية شخصيًا، أو من خلال التمثيل القانوني؛ ومع ذلك، نظرًا لعدم تمكن العديد من اللاجئين من تلبية هذه الشروط، فلن يتم النظر في مطالباتهم. بعد الضغط الدولي حول القانون، مددت سلطة الأسد الموعد النهائي إلى عام واحد، وهو وقت لا يزال غير كافٍ لكثيرين لتلبية شروط القانون.