بعد أيام قليلة من عملية تفجير أجهزة البيجر التي شكلت ضربة قوية لحزب الله في لبنان يوم الأربعاء 18 سبتمبر/أيلول، زادت إسرائيل من تصعيدها الجوي، وسط تلويح باجتياح بري، فيما تعج الطرق بأفواج النازحين، وتمتلئ المستشفيات بالجرحى.
ويبدو أن إيران تلوّح بالتصعيد في المقابل عبر وكلائها وميليشياتها في كل من سوريا واليمن ولبنان، حيث دخلت بعض المجموعات إلى الجنوب السوري، بينما تبقى قوات الأسد في وضع المتفرج.
وفي يومي الأحد والاثنين 22 و23 سبتمبر/أيلول، زادت كثافة الغارات، حيث قال جيش الاحتلال إن المقاتلات هاجمت نحو 1300 هدف لحزب الله في الجنوب والشرق اللبناني، فيما أعلنت الصحة اللبنانية عن مقتل وجرح المئات.
وحول ما إذا كانت إيران تريد التصعيد وإعلان الحرب، قال العميد أسعد الزعبي، لموقع حلب اليوم، إنه “لا شك في ذلك”، غير أنها “لا تريد التصعيد لنفسها”، بل لتحقيق غايات معينة وأهداف مشتركة مع إسرائيل، وذلك على حساب حزب الله وباقي الميليشيات.
هل يتم القضاء على حزب الله؟
تلقت المجموعة المسلحة اللبنانية، التي يشكل قوامها آلاف العناصر المدربين بدعم إيراني ضربات متتالية كانت مؤلمة جدا؛ وفقا للمراقبين.
ومرت العمليات الإسرائيلية بمرحلة طويلة من الاستنزاف عبر ضربات دقيقة ومركزة لقياديي المجموعة في سوريا، ومراكزها الحيوية، واستمرت تلك المرحلة لسنوات، قبل أن يتم توجيه ضربة كبيرة عبر أجهزة البيجر.
وتم تركيز الاستهداف مؤخرا على قياديي قوات النخبة لدى الحزب وهي “وحدة الرضوان” المنتشرة في الجنوب السوري، وتقول تقارير أمريكية إنه تم القضاء على كامل القيادة، فضلا عن تدمير مستودعات الذخيرة في الجنوب اللبناني.
ويقول الزعبي إن إيران “لن تشترك بقواتها في الأعمال العسكري، إنما تريد الاستفزاز عبر أدواتها في المنطقة مثل الحوثي وحزب الله والحشد الشعبي وما تسمى نفسها بالمقاومة الإسلامية، كما تريد استنزاف سوريا”.
وأوضح أن سياسات إيران هذه “سوف تنفذ الأهداف التي رسمها دونالد ترامب كما رسمها أيضا بنيامين نتنياهو، حيث تسعى الإدارة الأمريكية إلى مزيد من السيطرة وتوسيعها على الأرض”، حتى لو كان ذلك على حساب حزب الله وتدميره.
ولفت العميد إلى تصريح سابق لدونالد ترامب حين قال إن “أرض إسرائيل صغيرة ويجب أن نوسعها”، وبالتالي فإن “هذه هي الفرصة التي تستطيع إسرائيل من خلالها التوسعة عن طريق استنزاف حزب الله بالفترات الماضية وصولا إلى مرحلة التغلب اليوم لتحقيق ما تريده، بينما سوريا ضعيفة ولا تملك أي شيء، وإيران لا تمدها بالسلاح، إنما تنهب ثرواتها، وكذلك الأمر بالنسبة للحوثي”.
وأعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هليفي، اليوم الثلاثاء، “تسريع وتيرة العمليات الهجومية وتعزيزها”، مضيفا أن “الوضع الراهن يستوجب استمرار العملية بشكل متعاظم على كل الجبهات”، ومؤكدا أن الأمر كان يُخطط له منذ سنوات، ومضيفا: “لن نمنح حزب الله هدنة وعلينا الاستمرار بكل قوة”.
أهداف مشتركة
تتنوع الضربات التي تتلقاها المنطقة من قبل القوات الإسرائيلية، أو الميليشيات الإيرانية، لكن النتيجة واحدة ومشتركة في الدمار والخراب، بل إن التدمير والقتل الذي ارتكبته ميليشيات إيران يفوق بأضعاف ما فعلته القوات الإسرائيلية، وفقا لمتابعين.
ويرى الزعبي أن “ما فعلته إيران عبر وكلائها هو تدمير وتمزيق الأمة الإسلامية والسيطرة على المنطقة، وأيضا إسرائيل مهمتها تمزيق الأمة العربية والسيطرة على المنطقة، وبالتالي فنحن أمام هذين الكيانين الذين خرجا من نفس الحظيرة”.
ولفت إلى أن إيران “لم تنتقم لقاسم سليماني ولم تنتقم لزاهدي ولا لإسماعيل هنية ولم تنتقم لإبراهيم رئيسي ولم تنتقم لأي أحد، حتى هنية هي التي قامت بقتله كما سبق لها وأن قامت بقتل اللحلوح والشقاقي وكل هؤلاء القادة من حماس”.
أما حول ما نشاهده من إطلاق للصواريخ والطائرات المسيرة، فهو “عبارة عن مسرحيات”، بحسب ما يضيف الزعبي، حيث يشير إلى ما تحدث به سابقا من أنه “لا خلافا إستراتيجيا بين إسرائيل وإيران وأمريكا”.
ويصف الخلاف بين تلك الأطراف بأنه تكتيكي فقط، يتمحور حول المكاسب والمناصب والأموال ونهب الثروات، أما “الخلاف الإستراتيجي فهو غير موجود، وهؤلاء الثلاث (إيران – إسرائيل – أمريكا) مهمتهم السيطرة على المنطقة ونهب ثرواتها وتخريب كل الدول”.
ومضى بالقول: “نعلم ما قام به هذا الكيان الصهيوني في فلسطين، فكلاهما يسعى إلى القتل والتدمير وتخريب المنطقة وإرجاعها إلى العصور الوسطى”.
هل تقدّم إيران حزب الله كبش فداء؟
لا يبدو أن الأمور سهلة في هذه المرة أمام حزب الله، بالنظر لحجم الضغط العسكري الذي يواجهه، والخسائر التي تكبدها، كما لا تبدو إيران متجهة نحو إنقاذ الموقف.
ويتساءل أنصار حزب الله وعناصره بإلحاح عبر تويتر ومواقع التواصل الاجتماعي عن حقيقة موقف إيران ودعمها لهم، حيث برزت أسئلة مثل “أين محور المقاومة وطهران وفيلق القدس في دعم وإسناد حزب الله؟” بينما يبدو الأخير غير قادر على صد الهجوم الإسرائيلي.
ويوضح الزعبي أن “إيران تعلم تماما من خلال المراقبة اليومية لما يجري في جنوب لبنان أن حزب الله فقد كل أطرافه وكل أدوات القوة لديه”، ورغم ذلك تحاول أن تحركه، مشيرا إلى ما قاله حسن نصر الله قبل أيام: “نحن نفذنا مهمة الانتقام لفؤاد شكر وأنهينا المهمة وتعالوا يا أهل الجنوب ارجعوا”، حيث “لم يذكر أن إيران أرسلت له مباشرة مندوبيها، وقالت له إن عليه أن يستمر بالقتال”.
وتقول إيران لحزب الله إن عليه أن “ينتقم من الجميع”، حيث “ادعت أنها تدعمه، ولكنها تريد التخلص منه، فالخلاص من حزب الله هو دمار كامل للبنان”.
وتدل الغارات التي تجري في البقاع والمنطقة الجنوبية اليوم، على أن “إيران تريد اليوم إنهاء المهمة التي أوكلتها إلى أدواتها في لبنان وسوريا واليمن.. تريد أن تتخلص منهم بشكل كامل، ومن ثم تحصل على مكاسب الولايات المتحدة الأمريكية” وفقا للعميد السوري.
ولا يستبعد أن تكون هذه المكاسب في “منح إيران المنطقة الشرقية من سوريا، وهي التي تتعامل مع قسد، كما قد تحصل أيضا مع إسرائيل على المنطقة الجنوبية من سوريا، وستكون المنطقة الشمالية لمن بقي من النازحين أو اللاجئين السوريين في المنطقة”.
وفيما أعلن الجيش الإسرائيلي مهاجمة أهداف في العاصمة اللبنانية بيروت، وتم تسجيل غارة بالضاحية الجنوبية، معقل حزب الله، بدا ردّ الأخير باهتا حين أعلن عن “قصف معسكر إلياكيم التابع لقيادة المنطقة الشمالية جنوب حيفا برشقة من صواريخ فادي 2″، وبعض الضربات الأخرى.
أما عن بشار الأسد الذي “دفعته إيران للانخراط في مشروعها”، فإن تلقيه للتهديدات الإسرائيلية بتنحيته في حال دعم طهران، “يدل على أن تل أبيب هي التي حمته وهي عينته في منصبه، ولا يستطيع أن يخرج من دائرة إسرائيل.. هذا الواقع الذي يجب أن يعلمه الجميع”، يختم الزعبي قوله
وكانت قوات الأسد والميليشيات الإيرانية، قد استهدفت المدنيين أمس، في بلدة كفريا شمالي إدلب، بالتزامن مع الضربات الإسرائيلية على جنوب لبنان، موقعة 5 قتلى بينهم امرأتان ورجل مسن و12 جريحًا بينهم 6 أطفال وامرأتين.
من جانبها أدانت قطر القصف المدفعي والصاروخي على البلدة مؤكدة أن “استمرار “نظام الأسد” وحلفائه بالاعتداءات الإجرامية على المدنيين يجسّد استراتيجية النظام وحلفائه في استنزاف السكان وإلحاق الأذى النفسي والجسدي والمادي بهم”.