ياسر العلاوي
بعد فترة من التلميحات والحديث غير المباشر عن إعادة العلاقات مع الأسد، جاء أخيراً موعد التصريح عن استعداد تركيا لفتح خطوط تواصل جديدة مع سلطة الأسد على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الثامن والعشرين من حزيران الفائت.
صاحَب الحديث عن التقارب بين أنقرة ودمشق ارتفاع وتيرة الأعمال العدائية ضد اللاجئين السوريين في تركيا، وازداد حجمها وتأثيرها حتى وصل إلى الشمال السوري المحرر، وبدأت الاحتجاجات تتكرر وتتسع في وجه التحركات الهادفة إلى إقامة صلح مع الأسد.
في هذه الأثناء كان الأسد يقصف مناطق خفض التصعيد التي تشرف عليها تركيا وروسيا، بشتى أنواع الأسلحة من صواريخ ومدفعية وحتى الغارات الجوية، إلا أن القصف كان يتجنب النقاط العسكرية التركية، في سياسة واضحة لعدم دفع المنطقة لصدام مباشر بين القوات التركية وقوات الأسد.
حين زاد التقارب أكثر، وبدأ الحديث يأخذ طابع المباشر، ومن رأس الهرم، زاد الأسد في استهداف الشمال السوري، وهذه المرة كانت القواعد العسكرية التركية والنقاط المنتشرة شمالي سوريا، هدفاً رئيسياً ومباشراً لهجماته في بحث ربما عن مكاسب يضعها على طاولة المفاوضات حال توفر المناخ لنقل التقارب التركي مع سلطة الأسد من التصريحات إلى الحيز الفعلي.
الخبير الاستراتيجي العميد عبد الله الأسعد قال لموقع حلب اليوم “إن الأسد يتّبع النهج الروسي، المتمثل بالتصعيد العسكري قبيل أي عملية تفاوض، وهذا ما فعله النظام قبل أي اجتماع تفاوضي مع اللجنة الدستورية أو أي استحقاق آخر”.
وأضاف الأسعد “تكتيك الضغط العسكري قبل الاستحقاقات التفاوضية الذي ينتهجه الأسد، قد يؤتي ثماره في أثناء التفاوض مع اللجنة الدستورية وغيرها، أما في حال التفاوض مع دولة لها ثقلها في المنطقة فالأمر مختلف، من الممكن جداً إذا تمادى الأسد أكثر بقصف النقاط التركية سنرى رداً تركياً عسكرياً يتناسب مع هجمات قوات النظام”.
وبعد كلمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول إعادة العلاقات مع سلطة الأسد وتطبيعها وفق مرحلة جديدة، استهدفت قوات الأسد النقاط العسكرية التركية بقذائف المدفعية والصواريخ والطائرات المسيرة.
في 26 من تموز الفائت، استهدفت قوات الأسد النقاط العسكرية التركية في قرية الصالحية وبلدة سرمين بخمس طائرات مسيرة (انتحارية) وأسقطت القوات التركية طائرة أخرى قبل وصولها لهدفها، وقالت وسائل إعلام إن أضرارها اقتصرت على الماديات، كما استهدفت قوات الأسد محيط المنطقة بخمس طائرات أخرى ألحقت الضرر بعدة سيارات مدنية وآليات زراعية
وقصفت القاعدة التركية المتمركزة عند أطراف مدينة إعزاز، مواقع انتشار قوات سوريا الديمقراطية في قرية مرعناز، ومنطقة مطار منّغ العسكري بريف حلب الشمالي، تزامنا مع اشتباكات بالأسلحة المتوسطة بين فصائل “الجيش الوطني” من جهة، وقسد من جهة أخرى، على محوري مرعناز وكفر خاشر قرب مدينة إعزاز شمال حلب، دون تسجيل خسائر بشرية.
الأمين عام للحركة الوطنية السورية الدكتور زكريا ملاحفجي قال لحلب اليوم “إن الرسائل التي يمكن للنظام إرسالها من خلال التصعيد هو فرض شروطه التي وضعها في بداية الأمر، وكان الاستهداف العسكري هو وسيلة ضغط في حال حدوث أي مفاوضات لعودة العلاقات”.
وأضاف ملاحفجي “بوتين بعث برسائل للأسد إحداها بأن يبقى بعيداً عن أي تصعيد في الشرق الأوسط، وثانيها ألّا يضع شروطاً من أجل قبول استعادة العلاقات مع تركيا، وهو ما حصل بالفعل حيث ألغى الأسد كل شروطه، وباعتقادي سيستكين الأسد، ولن يقدم على أي تصعيد سواء سياسي أو عسكري”.
الاستهداف المتبادل بين قسد من جهة والقوات التركية والجيش الوطني من جهة أخرى، يجعل مهمة التفاوض مع سلطة الأسد يأخذ منحى تريده تركيا، وهو فرض حالة من ابتعاد الأسد عن قوات سوريا الديمقراطية، التي تتحالف مع قوات الأسد بريف حلب، خصوصاً في مدينة منبج، وأيضاً في مدينتي الحسكة والقامشلي حيث تعمل مؤسسات سلطة الأسد الأمنية والمدنية على حدً سواء بشكل طبيعي.
العميد عبد الله الأسعد قال إن قوات الأسد تعيد انتشارها في المناطق التي تسيطر عليها شمالي سوريا، كما أن روسيا هي من تقف خلف الأعمال العسكرية، ولكن بشكل غير مباشر، وأكد الأسعد على أن “النظام ليس عضواً أساسياً في المفاوضات مع أنقرة، المفاوضات تدار من قبل تركيا وروسيا وهو منصاع للقرار الروسي، وفي نفس الوقت الروس يحرضون النظام على الأعمال العسكرية العدائية ضد تركيا”.
مشدداً على نية روسيا على استعادة السيطرة على إدلب وريف حلب المحرر، وعليه فإن القوات في تلك المناطق يجب أن تبقى عند أعلى جاهزية، لتنفيذ أي قرار يُتَّخَذ من قبل روسيا أو سلطة الأسد.
بالمقابل لا يرى الدكتور زكريا ملاحفجي أي فائدة من استخدام الأسد القوة قبل مفاوضاته مع تركيا، ومن غير المعقول أن يعول الأسد كثيراً على هذه الأفعال، فالعلاقات العربية مع الأسد لها نتائج مختلفة عمّا هو الحال بالنسبة لتركيا.
وأكد ملاحفجي على أنه “لا يمكن أن تستقر سوريا دون تغيير، وأن ما يمكن الحديث عنه بين الأسد وتركيا ربما ينحصر في تأمين حدود تركيا والأعمال ضد قسد وتفعيل اتفاقية أضنة وهي ما تحقق مكاسب لأنقرة، ولكنها لا ترقى إلى مستوى المكاسب الكبيرة في المنطقة”.
وهنا نرى أن استهداف الأسد المتكرر للنقاط العسكرية التركية، كان بهدف فرض شروط تحقق ضغطاً على تركيا قبل الدخول في أي مفاوضات، وهذه ربما فكرة روسية لضبط إيقاع المفاوضات والتحكم بكل الخيوط العسكرية والسياسية، إضافة إلى فرض شراكة في الإشراف على الشمال السوري، في حال عدم الوصول إلى اتفاق يعيد كل الأراضي الخارجة عن سيطرة الأسد إليه.