بعد تأكيد تركيا تمسكها ببقاء قواتها في الشمال السوري، بدا وكأن ملف التطبيع عاد للدخول في مرحلة الجمود، كما حصل في وقت سابق من العام الماضي، عندما توقفت مساعي استعادة العلاقات بسبب إصرار سلطة الأسد على شرط الانسحاب.
وفيما تشير تقارير إلى كون موقف السلطة من الانسحاب هو مجرد حجة، لتمرير الاعتراض الإيراني على التطبيع، حيث لدى طهران حساباتها الخاصة؛ ففي كل الأحوال فقد ساد الصمت مرة أخرى، خلال الأيام القليلة الماضية، بعد فترة حافلة بالتصريحات والتحليلات.
وزارة الدفاع التركية، قالت في بيان، الخميس الفائت، إن القوات ستبقى في سوريا، لأداء مهمتها الأساسية المتمثلة في إحباط مشروع قسد الانفصالي.
جاء ذلك ردا على تصريح من بشار الأسد، يوم الأربعاء، اعتبر فيه أن محادثات التطبيع ستكون بلا جدوى ما لم تناقش مسألة الانسحاب، ووقف الدعم التركي للمعارضة السورية.
وفي تعليقه على ذلك، يرى الباحث في مركز «نما للأبحاث المعاصرة» محمد بقاعي، في تصريح لحلب اليوم، أن الموقف التركي ليس بجديد، فالأتراك لديهم مبدأ واضح في إستراتيجيتهم تجاه سوريا وهي إقامة حزام أمني محمي بشكل مباشر إما من قبل الجيش التركي وإما من قبل قوى حليفة.
وقالت وزارة الدفاع التركية، إن الرئيس رجب طيب أردوغان “أظهر إرادةً للحوار وأكّد أن القوّات موجودة في سوريا للقضاء على الهجمات الإرهابية والتهديدات ضد أراضينا”، منوهة بأن “تركيا هي البلد الذي يساهم أكثر من غيره في وحدة أراضي سوريا والعمليات عبر الحدود التي تقوم بها قدمت مساهمات كبيرة في حماية وحدة الأراضي السورية”.
لكن هذا الموقف – وفقا لبقاعي – لا يؤثر على ملف التطبيع، ورغم أنه “لا يلغي الفكرة”، إلا أن حدوث اختراقات مباشرة وتغييرات على الساحة الجغرافية لا يزال أمرا بعيدا في المدى المنظور، كما أن الأتراك واضحون في بيان فكرة أن الانسحاب من سوريا بالوقت الراهن غير وارد، لانهم يعتقدون أن أسباب وجودهم ما زالت قائمة.
ولم يقف بيان وزارة الدفاع التركية عند “القضاء على الإرهاب”، بل لفت إلى “استعادة الاستقرار السياسي”، وهو ما أكدت عليه أنقرة مرارا وربطته بالحل السياسي وفقا لقرار مجلس الأمن 2254، الأمر الذي يتجاهله الأسد ويرفضه تماما.
ويبقى الشمال السوري منطقة بالغة الأهمية، بالنسبة لتركيا، التي تجد نفسها مضطرة للدخول بقواتها إلى المنطقة، بسبب فشل السلطة، في تحقيق الاستقرار على الأرض.
ويؤكد الكاتب السوري أحمد مظهر سعدو أن المطالب التركية لا تزال مستعصية على الحل ومن الصعب جدا الوصول إليها بعد أن أصبحت سوريا على يد الأسد دولة فاشلة غير قادرة على تحقيق الأمن القومي التركي شمال شرق سوريا وغير قادرة على استقبال ثلاثة ملايين أو يزيد من السوريين هم الآن داخل الجغرافيا التركية.
وأضاف أن “الدولة الفاشلة السورية” لن يكون بوسعها الحفاظ على أمن مرور قوافل الترانزيت بين حدود تركيا و الأردن، ومن ثم فإن “تركيا ليس بإمكانها منح ماتريده عصابة الأسد دون مقابل”.
وكان لافتا خلال الأيام الماضية، لقاء زعيم حزب “الحركة القومية” التركي دولت بهتشلي مع القياديين في “الجيش الوطني السوري”، محمد جاسم (أبو عمشة) وسيف بولاد في أنقرة، لكن البقاعي، يرى أنه ليس أمرا جديدا.
ولفت إلى أنه ليس اللقاء الأول الذي يقوم به بهتشلي فقد التقى سابقا مع أحد قادة الفصائل الموجودة في الشمال السوري، وهو قائد الفيلق التاني بالجيش الوطني السوري، فهيم عيسى، وربما يعني ذلك وجود مؤشرين؛ الأول هو لطبيعة الفصائل التي تلتقي مع زعيم التيار القومي التركي، وهي “الأكثر قربا من تركيا”، أما المؤشر الآخر فيشير بالتأكيد إلى دور التيار القومي في إدارة ملف الشمال السوري.
وأضاف أن هناك تيارا قوميا يمثل بهتشلي، وربما يبحث القوميون عن التحالف مع قوى يرون أنها ضرورية لتنفيذ إستراتيجية القومية التركية في منطقة شمال سوريا.
يشار إلى أن كلا من تركيا وسلطة الأسد، قد أكدا عقد عدة لقاءات سرية سابقة بين الجانبين، لكنها اقتصرت على المسؤولين الأمنيين.
وكانت وكالة “أسوشيتد برس”، قد أكدت في تقرير سابق أن موسكو تضغط من أجل استئناف العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وسلطة الأسد.