مع تزايد المولات والمطاعم الفخمة يزداد انتشار الأطفال المشردين، والنساء بائعات علب المحارم، والمتسولون، ونابشو القمامة، في شوارع إدلب، التي باتت موطنا لتناقضات كثيرة.
ومع أن الأطفال المشردين ظاهرة اجتماعية عالمية لا تقتصر على الشمال السوري، إلا انها خطيرة، وتزداد انتشاراً، حيث يعيش هؤلاء الأطفال في ظروف قاسية دون مأوى؛ يفتقدون للأمان، والتعليم، والرعاية الصحية اللازمة لنموهم السليم عقليا ونفسيا وتربويا.
يقول أحمد أبو سليم، وهو من سكان إدلب، لحلب اليوم، إنه يحتار بين الغضب من هؤلاء الأطفال وبين الشفقة عليهم، حيث يشتم بعضهم السائقين والمارة ممن يرفضون إعطاءهم المال، عندما يرمون بأنفسهم على السيارات لمسحها دون رغبة السائق.
ويوضح أنه لا يرغب بإعطاءهم المال حتى لا يعتادوا على التسول، كما أنه يخشى من وجود أب مدمن أو أم مهملة، يرسلون أولادهم لاستعطاف الناس، متسائلا؛ أين دور الحكومة؟.
منذ إنشاءها مطلع العام 2019 كمؤسسة تتبع لوزارة الأوقاف في “حكومة الإنقاذ”، قالت “الهيئة العامة للزكاة” في إدلب إنها ترعى العديد من الفقراء والمساكين ومستحقي الزكاة.
ومع تعرضها لانتقادات واسعة بسبب أخذها للأموال بالقوة من المزارعين عند الحصاد وفي معاصر الزيتون، اعلنت الهيئة استقلاليتها وانعزالها عن الحكومة وأنها باتت مستقلة ولا تتبع لأي جهة مدنية أو عسكرية أو سياسية في المنطقة.
وفي حزيران الفائت، أصدر تجمع القضاة ورجال القانون في إدلب بياناً اتهموا فيه هيئة الزكاة بأنها غير قانونية وغير مستقلة، وبأنها مرتبطة بشكل مباشر بزعيم هيئة تحرير الشام، أبي محمد الجولاني، رغم أنها “غير تابعة لحكومة الإنقاذ أو لوزارة من وزاراتها، ولم يقرها مجلس الشورى، ولا سلطة لديه عليها”.
وأضاف البيان أنه “لا يوجد أي جهة رقابة حكومية أو حتى خاصة تراقب عملها وتدقق في حساباتها.. فهي مؤسسة لا تعتمد الشفافية بعملها، ولا تعلن عن مبالغ التحصيل، ولا تقدم كشوفا بالمبالغ الموزعة والنفقات الإدارية”.
يقول محمد أبو حسام، وهو من نازحي ريف إدلب الشرقي، إنه تقدم بطلب إلى الهيئة من أجل دفع تكلفة إجراء عملية قلب له، وحصل بالفعل على مبلغ 700 دولار أمريكي.
لكن أبا سليم يقول إنه رغم التحصيل الواسع والكبير لأموال الزكاة، إلا أنه لا أثر ملحوظا لعملية التوزيع، كما أن غياب الشفافية يضع الكثير من علامات الاستفهام، ومن أبرزها انتشار هذا الكم من الأطفال المشردين.
وتتنوع أسباب التشرد بين الفقر، والتفكك الأسري، والصراعات، مما يجعل معالجة هذه المشكلة ضرورة ملحة تتطلب تضافر الجهود المجتمعية والحكومية، لكن المجتمعات تعاني ويلات النزوح والضغوط المتنوعة.
ورغم كونه ليس السبب الوحيد، يعد الفقر في مقدمة الأسباب التي تدفع الأطفال إلى الشوارع، وذلك عندما تعجز الأسر الفقيرة عن توفير احتياجات أطفالها الأساسية مثل الطعام، والملابس، والتعليم، مما يضطر الأطفال للبحث عن طرق للبقاء على قيد الحياة بأنفسهم.
ومع تزايد الفقر، يزداد التفكك الأسري، حيث يوجد بينهما رابط مباشر، كما تؤكد الباحثة الاجتماعية السورية، وضحة العثمان، لموقع حلب اليوم، حيث تقول إن الفقر حقيقةً له دائما انعكاسات سلبية جدا، وخاصة في الظروف التي يكون فيها الإنسان بعيدا عن بيئته الاجتماعية الأولى والحاضنة الأولى التي تضم أناسا من أقاربه ومن بيئته الاجتماعية من الممكن أن يسندوه.
ويوجد هناك ربط دائما بين الفقر والضغوط الاقتصادية من جهة، وبين العنف الأسري والتفكك من جهة أخرى، وهو ما تراه الباحثة السورية صحيحا، حيث تؤكد أن الظروف القاسية جدا تنعكس بشكل سلبي على الإنسان.
وفي ظل اللجوء والنزوح تصبح هذه الظاهرة أكثر حدة، حيث تزيد الصعوبات المعيشية على رب الأسرة، الذي قد يلجأ لإظهار قوته أو سلطته وسيطرته على الأشخاص الذين هم أضعف منه، وبما أنه في مجتمعاتنا المرأة والطفل هم الفئة الأضعف فالرجل عندما يحس بالعجز فإنه قد يلجأ لإظهار سيطرته عليهم كنوع من رد الفعل، ما يفاقم التفكك الأسري، وفقا للعثمان.
وتشير البيانات الأممية والتقارير الإعلامية إلى تراجع مستمر في الوضع المعيشي للسوريين، سواء في الشمال الغربي أو الشرقي أو في دول الجوار، مع تراجع الدعم الإغاثي المقدم من الأمم المتحدة.
وتؤدي النزاعات الأسرية، والطلاق، وسوء المعاملة إلى هروب الأطفال من منازلهم بحثاً عن حياة أفضل، ولكنهم غالباً ما يواجهون مصاعب أكبر في الشوارع، بينما تترك الحروب والنزاعات المسلحة أثرها المدمر على الأطفال، حيث يفقد العديد منهم أسرهم ومنازلهم، ويجدون أنفسهم مضطرين للعيش في الشوارع أو في مخيمات اللاجئين بظروف غير إنسانية.
آثار مدمرة
يؤثر التشرد بشكل كبير على صحة الأطفال الجسدية والنفسية، فهم معرضون لأخطار العنف، والاستغلال، والإدمان على المخدرات، و بالإضافة إلى ذلك، يُحرم الأطفال المشردون من التعليم، مما يعوق فرصهم في بناء مستقبل أفضل.
كما يعانون من مشاكل صحية نتيجة سوء التغذية والافتقار إلى الرعاية الطبية، ما قد يتحول لخطر يهدد صحتهم في المستقبل.
ولا تقل مشكلة الجهل عما سبق، حيث يجب توفير برامج تعليمية مرنة تتناسب مع ظروف الأطفال المشردين وتتيح لهم فرصة العودة إلى المدرسة، فالتعليم هو الأساس الذي يمكن أن يمنح هؤلاء الأطفال مستقبلاً أفضل.
وتشير بيانات منسقو استجابة سوريا، إلى وجود نسبة كبيرة من الأطفال المتسربين من المدارس في الشمال السوري، تفوق 50% منهم، دون وجود أية جهة تهتم بالموضوع.
ويشكل هؤلاء قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه المجتمع في المستقبل، حيث يواجهون خطر الانحراف نحو الجريمة بشكل كبير.