ياسر العلاوي
تتبادل القوى المسيطرة على الأرض السورية التهم بدعم تنظيم الدولة، واستخدامه أو التعاون معه لتنفيذ أجندات في سوريا، دون الوصول حقيقة إلى إثبات بالأدلة عن ارتباط التنظيم بإحدى تلك القوى حتى الآن.
سلطة الأسد وفي خطاباتها كانت توجه الاتهامات للجيش الحر وفصائله، ثم لجهات داخلية أخرى وربما إقليمية كأبعد حد، إلّا أنّ وزارة خارجيتها اتهمت بشكل مباشر الولايات المتحدة بتمويل تنظيم الدولة وتقديم الدعم له لتنفيذ عمليات ضد قوات الأسد، كانت قبلها وسائل إعلام وصحف تابعة لها أو موالية لها نشرت في أكثر من مرة مقالات عن دعم أميركا تنظيم الدولة في سوريا، كما فعلت صحيفة تشرين التابعة لسلطة الأسد عام 2021 “مجدداً تثبت الولايات المتحدة الأمريكية تورطها حتى النخاع في صناعة تنظيم “داعش” الإرهابي، هذا التنظيم الذي سبق أن صدعت رؤوس العالم بتحالفها الدولي المزعوم لهزيمته، وتلعب واشنطن اليوم ورقة التنظيم من جديد عبر محاولات إحيائه والاستثمار به، بزج مقاتليه في مواجهة الجيش العربي السوري ولا سيما في مناطق البادية وعلى امتداد الطريق الواصل بين دير الزور وحمص”.
اليوم ترفع وسائل إعلام سلطة الأسد سقف الاتهام بشكل كبير، وتوجه أصابع اتهامها للولايات المتحدة بتجهيز عناصر التنظيم في قاعدة التنف وإرسالهم للقتال ضد قوات الأسد في مناطق مختلفة من سوريا.
صحيفة الوطن نشرت مقالاً كتبه الصحفي الموالي خالد زنكلو بعنوان “لإغلاق طرق إمداد الاحتلال الأميركي للتنظيم الإرهابي من «التنف» … الجيش يخوض معارك ضارية في البادية لملاحقة فلول «داعش»“.
المقال المنشور في الصحيفة الموالية لسلطة الأسد بتاريخ 13-6-2024 جاء فيه “المصادر بينت لـ«الوطن» أن الحملة التي انطلقت منذ أكثر من أسبوع، تستهدف بالدرجة الأولى إغلاق ممرات عبور إرهابيي داعش من «التنف» ومن «منطقة الـ 55 كيلو متراً» المحيطة بها، حيث الدعم اللوجستي الذي يقدمه الاحتلال الأميركي لهم، لتنفيذ عمليات تسلل باتجاه حواجز ونقاط انتشار وحدات الجيش العربي السوري عند أطراف بادية حمص الشرقية التي تتركز فيها أغلبية الهجمات”.
وأكد زنكلو في مقاله مرة أخرى على أن الولايات المتحدة تمد تنظيم الدولة بالمعدات والأسلحة وفق مصادره المنتمية لقوات الأسد “وحسب المصادر، تكتسي العملية أهمية كبيرة بتحييد الاحتلال الأميركي عن دعم داعش ومد خلاياه بمقومات الصمود والحياة لممارسة دوره التخريبي والإرهابي في زعزعة استقرار البادية السورية وطرق الإمداد فيها”.
العميد مهند الطلاع مؤسس جيش مغاوير الثورة -جيش سوريا الحرة حالياً- في قاعدة التنف، نفى ما تروّج له سلطة الأسد من دعاية حول الدعم الأمريكي لتنظيم الدولة، مشدداً على اتباع الأسد هذا النمط لتنفيذ أجنداته بما يتعلق بوصم الثوار او الجهات الداعمة لهم بالإرهاب للتغطية على جرائمه، وقال لموقع حلب اليوم “إن التحالف الدولي يدعم بالتدريبات والسلاح عناصر يتبعون للجيش السوري الحر لقتال التنظيم، ولم يقبل أي عنصر انتمى قبل تأسيس الجيش لأي فصيل متطرف”.
وأضاف الطلاع “أن قاعدة التنف وجدت أساساً لقتال التنظيم وقد نفذ جيش مغاوير الثورة سابقاً عدة هجمات على مناطق انتشار تنظيم الدولة، وجرت اشتباكات عنيفة بين المغاوير والتنظيم، كما أن الجيش يقدم معلومات استخباراتية فيما يخص التنظيم لمواجهة انتشاره”، مؤكداً أن “التنظيم شن هجمات بالقذائف والصواريخ وأيضاً السيارات المفخخة على القاعدة، وأن التصدي لها كان بالغ الخطورة”.
بدوره قال الصحفي السوري عمر البنية لموقع حلب اليوم “إن اتهام نظام الأسد الولايات المتحدة بتمويل تنظيم الدولة وإرسال خلايا للبادية هو اتهام سياسي، وتأكيداً منه على نظرية المؤامرة التي يتعرض لها من قبل دول عظمى بصفته عضواً بما يسمى محور المقاومة”.
وأضاف البنية أن سلطة الأسد تستهدف “بدعايتها هذه” حاضنتها الداخلية لتبرر سوء الأوضاع الاقتصادية في مناطق سيطرتها، وأيضاً موجهة للمجتمع الدولي من أجل استعطافه”.
ورغم اتفاق الصحفي السوري فراس العلاوي مع البنية بأنها اتهامات سياسية، إلّا أنه أكد على مشاركة روسيا بها وأنها المحرك لها، وفي حديثه لموقع حلب اليوم قال العلاوي “هذه الدعاية تفيد روسيا ونظام الأسد بنفس الوقت، وهي محاولة للضغط على الولايات المتحدة المرتبط وجودها بقتال التنظيم، لذا فإن روسيا ونظام الأسد يحاولان إثبات نظرية الدعم الأمريكي للتنظيم من أجل البقاء في سوريا لنفي سبب وجودها”. وأشار العلاوي إلى أن “التحالف يضم أكثر من 35 دولة وهذا يدل على أن الولايات المتحد -وإن كانت قائدة لهذا التحالف- لا تتفرد بالقرار، كما أن وقوع القاعدة على الحدود مع الأردن يدفع الأخيرة لرفض أي نشاط للتنظيم على حدودها، وبالتالي فإن فكرة دعم أمريكا للتنظيم مستبعدة بشكل كامل”.
مصدر خاص من منطقة الـ 55 نفى بشكل قاطع وجود خلايا للتنظيم في قاعدة التنف والمنطقة، وقال المصدر لموقع حلب اليوم “إن مشروع قاعدة التنف وجد أولاً لقتال تنظيم الدولة وبدرجة أقل قتال النظام، ومن غير الممكن أن يكون هناك عناصر يتبعون للتنظيم بأي شكل من الأشكال في القاعدة”.
وأضاف المصدر “تنشر مئات النقاط العسكرية التابعة للفرقة الرابعة في محيط منطقة الـ 55، وهذا يتيح لها رصد أي تحرك عسكري أو مدني يخرج من المنطقة، ولو أن هذه النقاط رصدت خروج أي عناصر من هذه المنطقة لأثبتت ذلك على الفور بمقاطع مصورة أو مقابلات مع هؤلاء العناصر في حال ألقت القبض على بعضهم، هذه النقاط أقرب لمنطقة الـ 55 من مناطق انتشار عناصر التنظيم في البادية”.
تتزامن حملات الأسد الإعلامية حول دعم الولايات المتحدة لتنظيم الدولة في سوريا، مع ما يروّج له من عمليات عسكرية قال إنها تستهدف التنظيم في البادية السورية، وأيضاً حملات مكافحة تهريب المخدرات لإيصال رسالة إلى الدول العربية والإقليمية بأن سلطة الأسد تطبق الاتفاقات المبرمة من أجل التطبيع معه.
الصحفي السوري عمر البنية شدد على علاقة سلطة الأسد بتنظيم الدولة، وكيف تمر وحدات تابعة لقوات الأسد والميليشيات التابعة له أو لإيران وروسيا في البادية، وأكد أن “نظام الأسد دفع أموال للتنظيم لتأمين مرور شحنات النفط، وأيضاً اتفق على مرافقة مجموعات من الدفاع الوطني لصهاريج النفط على طريق (الرقة – سلمية – حمص – دمشق) عند مفرق الرصافة”، مشيراً إلى أن شراكة جمعت سلطة الأسد وتنظيم الدولة بتهريب الآثار من المنطقة إلى خارج سوريا.
ونوه البنية إلى أن “المجازر التي ارتكبت في قرية المبعوجة وعقارب تبيّن التواصل بين النظام والتنظيم، عندها انسحب الدفاع الوطني بقيادة غزوان السلموني ليدخل التنظيم على الفور ويرتكب المجزرة في المبعوجة، كان للعلاقة بين الاثنين مؤشرات واضحة، فقد ترك النظام الحرية للتنظيم للدخول إلى تدمر من أجل التغطية على عمليات تهريب الآثار التي كان يقوم بها رجال الأسد وإلصاقها بالتنظيم”.
أما الصحفي فراس العلاوي فقد ذهب إلى أن سلطة الأسد تفكر في المرحلة القادمة من الصراع في سوريا، وحديثه عن دعم الولايات المتحدة خلايا تنظيم الدولة لتبرير أي هجوم قد يشنه بشكل غير معلن على درعا أو السويداء، وإلصاقه بهذه الخلايا واتهام القوات الأمريكية بالوقوف ورائه.
وقال العلاوي “خلايا التنظيم في هذه المناطق أقرب للميليشيات التابعة لإيران، وأي نشاط لهذه الخلايا سيكون بموافقة الإيرانيين وليس الأمريكان، كما أن الخطر الذي يهدد درعا والسويداء يأتي من النظام والميليشيات التابعة لإيران، وليس من التنظيم وإنما هي دعايات لنسب أي عملية عسكرية يشنها الأسد ضد المدينتين للتنظيم”.
ويستمر الأسد بإشاعة الفوضى على الأرض وبين أبناء المجتمع السوري، عن طريق استخدام أدوات مختلفة كان أهمها وسائل الإعلام، وما تقوم عليه من خبرة في توجيه الاتهامات ونشر الإشاعات، بغرض تعويم فكرة سلطة الأسد وخدمته في كل مرحلة من مراحل الثورة السورية، التي حولها الأسد بفتح الساحة السورية للتنظيمات الإرهابية وقوى دولية كثيرة، إلى منطقة صدام ومحاصصة دولية، ما يمكنه ضرب المصالح المختلفة بين تلك القوى بدعم روسي إيراني.