يعاني النازحون في شمال غرب سوريا بشكل عام وفي إدلب بشكل خاص، من ارتفاع الايجارات مع انخفاض أو انعدام مصادر الدخل دون اتخاذ أية اجراءات من الجهات المعنية، فيما يبقى مئات الألوف أو ربما الملايين عرضة لاستغلال وطمع الكثير من أصحاب العقارات.
ومع حالة الاستقرار التي أعقبت اتفاق 5 آذار عام 2020 وتوقف الحملة العسكرية الأخيرة على شمال غرب سوريا، باتت مدينة إدلب مركزا يستقطب السكان، حيث تزايدت فيها الكثافة السكانية بشكل كبير.
ولا يقتصر الأمر على المدينة حيث تزداد تلك الأسعار أيضا في الريف، ولا يجد النازحون والمهجرون بُداً من دفع مبالغ ربما لا تبدو كبيرة ولكن بالمقارنة مع مستويات الدخل وارتفاع معدلات الفقر، فانها مرهقة للكثيرين.
في حديثه لحلب اليوم، يعرب محمود عن استيائه من جشع بعض أصحاب المكاتب والسماسرة، حيث يقول إنه استأجر منزلا من صاحبه بشكل مباشر، دون اللجوء إلى وسيط، وبعد اتفاقه مع صاحب المنزل ودفعه للإيجار الشهري، فوجئ بأن صاحب المنزل يطالبه بالذهاب إلى مكتب لكتابة العقد عنده ولدفع “نصف كمسيون” لصاحب المكتب.
وتساءل محمود وهو مهجر من ريف إدلب الشرقي؛ “بأي حق يجب علي أن أدفع لصاحب المكتب في حين أنه لم يفعل شيئاً، كما أنه لا يملك المنزل؟!.. وبأي حق اضطر لإعطاءه المال؟!.. إنه استغلال واضح للنازحين الذين لا يملكون من أمرهم شيئا.. وعلينا أن ندفع كي لا نبيت في الشارع” متسائلا: “أين دور الحكومة والجهات المعنية في هذا الواقع؟ ولماذا يتم فرض تلك الشروط علينا؟”.
أما عن سبب بقاءه في مدينة إدلب رغم ارتفاع الإيجارات؛ يوضح محمود أن مهنته تملي عليه ذلك، فهو يعمل في مجال الأدوات المنزلية وقد جرب سابقا السكن والعمل في إحدى القرى غربي المدينة، الا ان حركة البيع والشراء الضعيفة دفعته للبحث عن مركز سكاني كبير مثل إدلب يستطيع معه تغطية مصاريف عائلته، ولكن لذلك ضريبة وهو تحمل تكاليف أعلى في المقابل.
ومع وجود نحو أربعة ملايين نسمة في شمال غربي سوريا؛ نسبة كبيرة منهم من المهجرين ممن تركوا أراضيهم ومحلاتهم ومصادر دخلهم والتجأوا إلى بقعة صغيرة، فإن معدلات الفقر تزداد يوما بعد يوم وفقا لما تؤكده عدة تقارير.
ويقول فريق منسقوا استجابة سوريا، إن قضية البطالة ضمن المجتمع المحلي في شمال غرب سوريا هي أحد أبرز القضايا الملحة التي تحتاج إلى حلول جذرية وخاصةً مع الآثار السلبية لها من العديد من الجوانب أبرزها هجرة الشباب وارتفاع معدلات الجريمة وزيادة مستويات الفقر بين المدنيين في المنطقة.
ووصلت معدلات البطالة بين السكان المدنيين إلى 88.74 % بشكل وسطي ( مع اعتبار أن عمال المياومة ضمن الفئات المذكورة)، وهي في أوساط النازحين أعلى منها في أوساط السكان المحليين.
يشير مراسل حلب اليوم إلى أن أسعار الإيجارات بلغت مستويات غير مسبوقة في إدلب، بالنسبة للمحال التجارية أيضاً، والتي تتراوح بين 200 و 500 دولار وسطيا، مما يعني أن الكثير من أصحاب المهن مضطرون لدفع إيجارات تفوق قدراتهم.
وعلى صاحب المهنة أن يدفع أيضا بدل إيجار للبيت، والذي لا يقل عن مئة دولار في أقل تقدير وذلك بالنسبة للمنزل الصغير والذي قد يكون بمواصفات متدنية، أما إن كان عدد أفراد عائلته يفوق أربعة أو خمسة أشخاص فإنه مضطر لدفع ربما مئة وخمسين دولارا على اقل تقدير في حال كان يرغب في السكن في بيت ضمن أقل ما يمكن من مواصفات السكن المقبول.
أما بالنسبة لمن يرغب بالسكن في منطقة جيدة وبمنزل بمواصفات ومساحة جيدة فعليه دفع ما يزيد على مئتي دولار وقد يصل السعر إلى ثلاثمئة دولار للمنزل شهريا.
وبحسبة بسيطة فإن على النازح في مدينة إدلب دفع مبلغ شهري يتراوح وسطيا ما بين 300 و800 دولار للايفاء بالإيجارات للمنزل والمحل، أي أن عليه تحقيق دخل شهري يفوق الألف دولار بكثير حتى يستطيع الاستمرار والوصول إلى الصفر الذي بات حلما للكثيرين في الشمال المحرر.
ورغم كل ذلك لا تتدخل حكومة الإنقاذ في اتخاذ أية اجراءات تحد من جشع أصحاب العقارات والبيوت، فيما تتزايد معاناة النازحين وتتزايد في مقابلها مكاسب أصحاب الأرض كما أن المعاناة تنسحب ايضا على سكان المدينة الأصليين حيث يضطر من لا يملك منهم منزلا او محلا ايضا لدفع إيجارات مرتفعة حالهم حال المهجرين، ولكن مع اقتلاع النازح من أرضه ومنزله وحرمانه من مصدر دخله تتضاعف معاناة مهجري ريف حماة الشمالي والغربي و ريف إدلب الجنوبي والشرقي و ريف حلب الغربي، دون وجود أي افق لحل ما في القريب العاجل أو على المدى المتوسط أو حتى الطويل.
يقول محمد وهو صاحب محل للقطع الإلكترونية في السوق إنه مضطر لدفع مئتين وخمسين دولار شهريا رغم أن المحل صغير وفي شارع فرعي، كما أنه يعاني من قلة الزبائن، وهو أمام خيارين أحلاهما مر، إما أن يستمر مع ضعف العمل أو أن عليه أن يدفع مبلغا لا يقل عن 400-500 دولار شهريا في حال أراد استئجار محل في موقع جيد نوعا ما وليس بالممتاز.
ويضيف محمد لحلب اليوم أنه استأجر منزلا بمواصفات غير مناسبة وبمساحة صغيرة وبمكان بعيد عن مكان عمله وبمبلغ قدره مائة دولار، ورغم أنه غير مسرور بهذا الواقع الا أنه مضطر للبقاء في هذا المنزل بسبب عدم قدرته على دفع مبالغ أكبر.
وأوصح الرجل الأربعيني أن مصروف عائلته الشهري لا يقل عن ثلاثمائة وخمسين دولارا بالحد الأدنى، وذلك دون أن يحسب الكثير من المتطلبات على المدى البعيد، ما يعني أن عليه أن يدفع سبعمئة دولار شهريا فقط ليستمر كما يقال بالعامية “بأكله وشربه”، في حين أن هناك الكثير من المصاريف الأخرى التي تزيد على هذا المبلغ، أي أن عليه أن يحقق دخلا شهريا ربما يصل إلى ألف دولار حتى يستطيع أن يعيش معيشة كريمة؛ متسائلا “هل نعيش في إسطنبول؟ أم شيكاغو؟”.