ضجت وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً بقضية خطف وتعذيب شاب سوري في لبنان، في حادثة ليست اﻷولى من نوعها، حيث وقعت عدة حالات مشابهة مؤخراً دون أي تحرك جدّي من قبل السلطات المحلية.
وقال موقع المدن اللبناني إن مشاهد تعذيب الشاب السّوريّ القاصر محمد عماد (17 سنة، مواليد بلدة محكان- دير الزور، شرقيّ سوريا)، تُروّع الشارعين اللّبنانيّ والسّوريّ على حدّ سواء، فيما ترفض السلطات المحلية التدخل.
وكان الشاب قد ظهر مؤخراً في مقطع مصور وهو شبه عارٍ وتم تقييد فمه بشريطٍ شفاف لاصق، فيما يقوم الخاطفون بصفعه وجلده وصعقه بالكهرباء وهو مُلقى على سريرٍ حديديّ، وسط غرفة متسخة ونائيّة، بينما يقف الجاني على مقربةٍ منه يوثق لحظات تعذيبه لابتزاز ذويه من أجل دفع الفدية.
وبعد خطف الشاب نشر ذووه المقطع منذ نحو العشرين يومًا، مؤكدين إحساسهم بالفجيعة والعجز عن نجدة ابنهم.
وكان الشاب قد هاجر من سوريا في رحلة لجوء نحو أوروبا، وتمّ اختطافه لدى مروره في لبنان، وابتزاز أهله وطلب فدية مالية منهم.
ويؤكد الموقع نفسه أن المعلومات الأوليّة تشير لكون العصابة لبنانيّة، وقد طلبت “فديّة ماليّة ضخمة مقارنةً بأوضاع ذويه المتعثرة”.
ودخل الضحيّة لبنان منذ نحو السّنتين عبر طرق التهريب، بسبب الوضع الأمنيّ في محافظته، وكان يعمل في شركة “دولسي” للمواد الغذائيّة، الواقعة في شارع مشفى جبل لبنان- الحدث في منطقة بعبدا، ويُقيم في المعمل المذكور.
وذكر مقربون منه أنه كان يطمح للهجرة إلى أوروبا وتحديدًا ألمانيا، بحثًا عن سُبل أفضل للعيش وتقديم طلب لجوء أمنيّ، وبحكم وضعه القانونيّ الذي يمنعه من الاستحصال على صفّة اللاجئ في لبنان عبر المفوضيّة فقد اضطر إلى التواصل مع مُهربين للدخول بصورة غير شرعيّة إلى أوروبا عبر ما يُسمى “قوارب الموت”.
وأوهم هولاء “المُهربون” عبر صفحة إعلانات (مكتب سمسار) على تطبيق “تيك توك”، الشاب محمد عماد، أنهم يقدمون خدمة التهريب عبر البحر مقابل مبلغ 7500 دولار أميركيّ للشخص الواحد، وأنها “شرعيّة” وسُتيسر أموره بالتعاون مع أحد مكاتب الأمم المتحدة.
واتفق “المهربون” مع عماد، على الالتقاء في الشارع المذكور، لتسليمهم جواز سفره وإتمام المعاملات، وفق ما أكدّ شهود عيان من أصدقاء المخطوف، إلا أن الشاب ومنذ لحظة خروجه لم يُسمع عنه خبر، وشوهد آخر مرة بالقرب من مجوهرات سمعان في المحلة ذاتها.
بعد عدّة أيام، وصل إلى أحد أقربائه، إشعار على تطبيق الـ”Messenger” التابع لحساب عماد على الفايسبوك، والرسالة (من هاتفهم) تؤكد خطف ابنهم حيث احتوت على إخطار من قبل الخاطفين بكون الشاب مُحتجزاً لديهم، وطالبوا أقربائه بمبلغ 20 ألف دولار أميركيّ للإفراج عنه، وتوعدوهم بتعذيبه وقتله في حال لم يتمّ تأمين المبلغ.
وبعد تأكيد أقربائه أنّه من الصعب تأمين مثل هذا المبلغ نسبةً لوضعهم المالي المتعثر، قام الجناة بتنفيذ تهديداتهم، وصوروا لحظات تعذيب الشاب، وأرسلوها إلى أهله الموجودين في الداخل السّوريّ وأقربائه المتواجدين في لبنان.
وتواصل ذوو الشاب مع مدير مركز “سيدار” للدراسات القانونيّة المحامي محمد صبلوح، والذي قدّم كل الأدلّة والمعطيات لقيادة الجيش، “من دون أن يحرك هؤلاء ساكنًا”، وفقاً لما أكده موقع المدن.
كما حاول مدير مركز وصول لحقوق الإنسان (ACHR) تقديم بلاغ لمديريّة قوى الأمن الداخليّ شارحًا وضع عماد القانونيّ، ومُشيرًا إلى أن هناك جريمة وقعت على الأراضي اللّبنانيّة وبالدليل القاطع، إلّا أن المديريّة “رفضت التحرك بعد التبليغ وطالبت ذويه بالتقدم ببلاغ في أقرب مخفر، متجاهلة واقع أنهم خارج الأراضي اللّبنانيّة، وأن جريمة حصلت ودليلها موجود بالصوت والصورة”.
وحاولت العائلة أيضاً التواصل مع مفوضيّة اﻷمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أجل التحرك لحل الملف، من دون أن تحظى بالتفاتٍ جديّ حسب أقوالهم.
ويقول المحامي صبلوح إنه لم يبقى أمام عائلة المخطوف سوى التفاوض مع الخاطفين أكان على حساب الفايسبوك أو عبر وكلاء لهم في وادي خالد، حيث انخفض المبلغ لحوالى الخمسة آلاف دولار، ووعدوهم بإطلاق سراحه في حال تأمينها اليوم الثلاثاء.
غياب الحسّ الأمنيّ
يؤكد الموقع أن للعصابة الخاطفة سجل طويل في العمل الإجراميّ، وأنها ليست المرة الأولى الّتي تختطف فيها سوريين، بل سبق وأن قامت بعملية خطف سيدة وابنتها البالغة من العمر أربع سنوات، وأبقت على الطفلة بعد إطلاق الوالدة، وقامت بتعذيبها بالأسلوب نفسه وعلى السرير ذاته بالصاعقة الكهربائيّة والعنف الجسديّ، وإرسال مقاطع لأهلها لحضّهم على دفع الفديّة.
ويلفت صبلوح، الذي يتابع القضيّة، إلى أن أسلوب التعذيب الموثّق، يوضح جليًّا أن الخاطفين محترفون، ويظهر جليًّا نمط التعذيب الذي تعتمده سلطة الأسد وبعض الأجهزة الأمنيّة اللّبنانيّة، وشكّك صبلوح في طبيعة الجرم قائلًا: “إلى جانب الجريمة الحاصلة هناك بُعد آخر، يجب الالتفات إليه، وهو محاولة التجييش المستمرة، لخلق الشقاق بين الشعبين السّوريّ واللّبنانيّ، فتارةً يُقتل لبناني (باسكال سليمان) وتارةً أخرى يُقتل ويُعذب سوريّ. وعندما نسأل السّلطات عن دورها، نجدها قاصرةً عن الإتيان بأي إجابة، أو اجتراح الحلول للتفلت الأمنيّ الحاصل، ملصقةً تهمته باللاجئين”.
قضية علي وليد عبد الباقي
قال التقرير إن ما يؤكد كلام صبلوح، هو وفاة اللاجئ السّوريّ علي وليد عبد الباقي (33 سنة) في منزله في البقاع، متأثرًا بجروح ناتجة عن تعذيب تعرض له من قبل “جهة مجهولة”.
وقد أشارت التقارير الحقوقيّة، إلى أن اللاجئ قد اختفى مطلع نيسان، وقامت عائلته بالإبلاغ عن ذلك، وفي 9 من نيسان الجاري، اتصل مخفر بعبدا – قضاء بعبدا، بالعائلة وأخبرهم أن “علي” لديهم وهو في حالة سيئة وطلب نقله إلى منزلهم.
عند عودته إلى المنزل، ظهرت على جسد “علي” آثار الضرب والتعذيب، وحاولت العائلة نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج، لكن رفضت المستشفيات استقباله، وطالبت العائلة المفوضية السّامية لشؤون اللاجئين-مكتب زحلة، بتقديم المساعدة في الخدمات العلاجية، لكن المكتب رفض التدخل.
وتوفي “علي” في منزله في 13 من نيسان الجاري، وأكد تقرير الطبيب الشرعي الذي كشف على جثته بعد وفاته أنه توفي نتيجة التعذيب.
وفيما لا تزال ملابسات اختفاء “علي” وتعذيبه مجهولة تطالب عائلته بفتح تحقيق جاد وشفاف للكشف عن الحقيقة ومحاسبة المسؤولين.
ولم تصدر السّلطات اللبنانية أي بيان رسمي حول حادثة وفاة “علي” حتى تاريخه، فيما وصف مدير مركز وصول، طبيعة ردود الفعل الرسميّة بالمؤسفة واستطرد قائلًا: “قمنا باتباع الأصول القانونيّة المتاحة وقدمنا كل الدلائل والمعطيات الّتي بحوزتنا للأمن الداخليّ، لكنها توافق على متابعة القضيّة، بحجة أن الأصول القانونيّة تقضي بإلزام عائلة الضحيّة بتقديم شكوى، والقانون اللّبنانيّ لا يستقبل شكوى من أشخاص دخلوا إلى لبنان بطريقة نظاميّة لكن ليس لديهم إقامة صالحة”.
وأضاف أن “السبب الرئيسي لهذا القرار المجحف يعود إلى عدم تطبيق وزارة الداخلية والبلديات قرار مجلس شورى الدولة، الذي حصر صلاحيات “تطبيق قرار الأمن العام الصادر عام 2015” برئاسة مجلس الوزراء (القرار القاضي بفرض تأشيرة دخول على السّوريّين وفرض شروط تعجيزيّة لتجديد الإقامات)، والّتي أصلًا لم يتم الإلتزام بتطبيقها بالحرف الموجود بنصوص القرار.. وبما أن نحو 90% من اللاجئين في لبنان لا يحملون أوراق إقامة قانونية (نتحدث عمن دخلوا بطريقة نظامية) فإنّ انتهاك حقوقهم مباح ومتاح تحت سقف “القانون”، بدفع وتحريض مباشر من المسؤولين والقيادة في لبنان”.