رغم حلول فصل الربيع وارتفاع درجات الحرارة نسبياً لا تزال البندورة تُباع بأسعار مرتفعة في إدلب (15 – 20 ليرة تركية) حالها حال باقي الخضروات، في انتظار استيراد كميات جديدة من تركيا.
يعتمد الشمال الغربي بدرجة كبيرة على الخضار والفواكه المستوردة، مع وجود مساحات زراعية جيدة، من أبرزها سهل الروج الممتد على مساحة 804 كيلومتر مربع، غربي محافظة إدلب.
يتمتع السهل الذي تحيط به الجبال بتربة خصبة، فقد كان مغطىً – مع سهل الغاب – لمئات السنين ببحيرة قديمة حتى تم تجفيفها قبل عام 1955 بواسطة قناة وسحب المياه إلى نهر العاصي من أجل استخدام المنطقة للأغراض الزراعية.
وفضلاً عن خصوبة التربة وتوفر مياه الري تتمتع المنطقة بقرب المياه الجوفية من سطح اﻷرض، حيث يستطيع المزارع بتكاليف بسيطة نسبياً حفر بئر لتزويد مزروعاته بالري.
تغيّر الظروف
مع الحملة العسكرية اﻷخيرة على الشمال السوري بين عامي 2019 و 2020، نزح ملايين السكان باتجاه الحدود التركية، تاركين خلفهم آلاف الهكتارات الزراعية، ومع تكدس نحو 4 ملايين نسمة في المنطقة الممتدة ما بين غرب إدلب وشرق حلب، لم تعد الطاقة اﻹنتاحية لما بقي من أراضي تكفي حاجة السكان.
وكانت وكالة الأناضول قد كشفت في تقرير سابق عام 2020، ارتفاع قيمة الواردات من المنتجات الزراعية كالخضار والفواكه التركية إلى الشمال السوري بأكثر من ثلاثة أضعاف مقارنة بعام 2019 قبل الاجتياح.
ووصلت قيمة المستوردات الزراعية في 2020 إلى 22,7 مليون دولار، بزيادة قدرها 364٪ مقارنة بعام 2019، بحسب بيانات الحكومة التركية.
يؤكد أبو سالم تاجر الخضروات في سوق الهال بمعرة مصرين شمال إدلب، لحلب اليوم أن نحو 100 ألف دولار يتم تحويلها بشكل شبه يومي للخارج، منذ ذلك الحين، مقابل الخضار والفواكه المستوردة من تركيا، بسبب وجود عجز في السوق.
ولا تزال أصناف مثل الكوسا والباذنجان والفليفلة تُباع بأسعار مرتفعة، رغم انقضاء شهر رمضان، وتحسن الظروف الجوية، ويعود ذلك – يقول أبو سالم – لضعف اﻹنتاج المحلي، فالسوق “يحكمه العرض والطلب”.
وتعرض مئات المزارعين في منطقة سهل الروج لخسائر مادية كبيرة، خلال اﻷسابيع الماضية، جراء هطول أمطار غزيرة، أدت لغرق مواسم عدة، وشملت آلاف الدونمات المزروعة بمحاصيل الكمون وحبة البركة واليانسون والعصفر.
ومع خسارة غالبية سهل الغاب غربي حماة – يشكل امتداداً مع سهل الروج – وسقوطه بيد قوات اﻷسد في الحملة اﻷخيرة، أو وقوع أجزاء منه على خطوط التماس، بقي الاعتماد اﻷكبر على غربي إدلب.
وتُعد تربة المنطقة غير مناسبة كثيراً لزراعة الحبوب بشكل عام، لكن زراعة الخضروات واﻷشجار المثمرة ناجحة فيها إلى حد بعيد، ﻷسباب تتعلق بضعف قدرة التربة على صرف المياه.
مصدر حياة سهل الروج
يعتمد انتعاش المنطقة على سد البالعة إلى حدّ كبير، حيث يوجد حاجز مائي باستطاعته تخزين ملايين المترات المكعبة من الماء القادم عبر نهر العاصي، لتغذية المنطقة بتكاليف منخفضة جداً، وهو ما يعطي الزراعة هناك ميزة كبيرة.
ومنذ توقف عمله قبل عشرة أعوام، جراء الحملة العسكرية لقوات اﻷسد على المنطقة، تراجعت الزراعة في سهل الروج لحد كبير، حيث كان يروي 10500 هكتار من أصل 13100 هكتاراً تمثل كافة مساحة السهل، ويستفيد منه أكثر من 50 ألف شخص في 20 قرية، فضلاً عن انقطاع الكهرباء الذي زاد من تكاليف الري.
ومع وجود تشققات بسيطة وتسرب المياه من بعض أجزاء السد، فإن الأمر قد يحول دون استعماله بالشكل المطلوب، وسط مخاوف لدى السكان من إمكانية انهياره وتسببه بكارثة.
وبدأت “حكومة الإنقاذ” عملية ضخ مياه نهر العاصي إلى سد البالعة التخزيني الشهر الماضي، بعد إعادة تأهيل 5 مضخات مياه للعمل في محطة عين الزرقا المجاورة من أصل 7 مضخات، وستؤمن تلك المضخات تدفقاً مستمراً لـ2700 متر مكعب في الساعة، عبر ثلاثة أقنية رئيسية وأخرى فرعية مخصصة لنقل المياه إلى سد البالعة الذي يتّسع لـ14،5 مليون متر مكعب كأحد أقصى.
ومع وجود تسرّب لمياه السد من الجهة الشرقية الشمالية، يتخوّف القائمون عليه من تعبئته بشكل كامل، لذا فإنهم يعتزمون ملأه بنسبة تتراوح بين ثلث ونصف اﻷقصى من طاقته الاستيعابية الكاملة.
وتحتاج منطقة الشمال الغربي بشكل عام إلى العديد من اﻹجراءات اﻷخرى غير مياه الري، فمع غياب “الدعم” من قبل حكومتي اﻹنقاذ والسورية المؤقتة، باتت تكاليف الزراعة مرتفعة، جراء ارتفاع أسعار المحروقات واﻷدوية واﻷسمدة، و غياب الخطط الزراعية، واتخاذ قرارات فتح وإغلاق التصدير بمنأىً عن مصلحة المزارع.