عمر حاج حسين
أبى الأحرار السوريين في صبيحة اليوم الجمعة الذي غدا “بروتوكولاً” في طقوس الثورة السورية إلا أن يقولوا كلمتهم، ويعبروا عن استمرار وسلمية مطالب ثورتهم والعودة لشعاراتها الأولى، فقد جدّد السوريون عقب صلاة الجمعة -الذي صادف (15 آذار)- المظاهرات التي تُحيي الذكرى الثالثة عشرة للثورة السورية في كل الشمال السوري المحرر ومحافظات عدّة في مناطق سيطرة سلطة الأسد، وأهمها السويداء، فضلاً عن البلدان التي تحتضن اللاجئين السوريين في المهجر.
لم تمنع المسافات المترامية بين القرى والبلدات الثائرة من جرابلس شرقي محافظة حلب إلى جسر الشغور غربي إدلب، واختلاف الفصائل المسيطرة عليها، من الالتزام بآلية إحياء الذكرى من خلال فعاليات جماهيرية تملأ الساحات الذي بات سلوكاً مميزاً بدلالاته الأخلاقية أولاً بعيداً عن اي اعتبارات سياسية أخرى، ولعل من أبرز تلك الدلالات هي استحضار ذكرى الشهداء والمعتقلين والمفقودين والوقوف عند التضحيات الكبرى التي قدمها السوريون على مذبح الحرية والكرامة، بالإضافة إلى استلهام الأمل بالمستقبل حتى تبقى جذوة الثورة حيةً في النفوس والأذهان.
الشمال السوري حياً
بعد صوت خاشع يهمس “السلام عليكم ورحمة الله” على كتف كل سوري وهو يُنهي صلاة الجمعة في الشمال السوري، خرجت صيحة واحدة داخل أسوار المساجد “الله أكبر” وظلوا يردّدونا حتى أصبحوا خارج الأسوار، ليتجمعوا ويردّدون جملاً تُتعب حناجرهم الظمأى في شهر الصيام “حاضراً” وتُحيّي الأمل بعباراتهم السلمية “باطناً” على إسقاط رأس سلطة الأسد “بشار” الذي جمعتهم في الربيع الأول لثورة الحرية والكرامة منذ 13 عاماً.
وسط مدينة إدلب وقف ما يمكن تسميته بـ”الوصّيف” حاملاً مكبر الصوت مردّداً أهازيج ثورة الكرامة أمام الجموع وهو يحمل في تعابير وجهه الكثير من الرجولة، ليُردّد وراءه الآلاف، منهم (الرجال والنساء والشيوخ والأطفال)، مهجرون منهم ونازحون، رافعين رؤوسهم وأيديهم للسماء، منحوت على أصابعهم شارة النصر والإصرار على مطالبهم المُعاد إحياؤها منذ ربيع 2011.
على ذات المشهد توحّدت باقي الجموع الجماهيرية في ساحات الحرية في إدلب وحلب، وفقاً لما وثّقته عدسات الناشطين ومراسلي قناة “حلب اليوم” أولهم، إذ خرج الآلاف من مدن وبلدات عدّة في شمال السوري المُحرر من حكم سلطة الأسد، بدءاً من “جرابلس والباب وإعزاز وقباسين وعفرين والراعي وصوران وجنديرس في ريف حلب إلى جسر الشغور وكفر تخاريم والأتارب وأريحا ومعرة مصرين وسرمدا والدانا بريف إدلب”، مردّدين عباراتهم وأهازيجهم الثورية.
على أطراف ساحة الحرية التي يتجمع وسطها مئات المتظاهرين، وقف الناشط “جميل عفان” وعلى وجهه قطرات العرق من حر الشمس وصيحاته المتواصلة المطالبة بإسقاط الأسد يقول لـ”حلب اليوم”: “ستقبى نُحيي بحناجرنا الثورة السورية حتى تحقيق مطالبنا بإسقاط الأسد وكل من ساهم في تهجير وقتل الشعب السوري، فالثورة حق، والحق لا يموت”.
يُشاطر كلام العفان المتظاهر “عبد الله جمعة” ويقول بصوت عالٍ: “الثورة السورية ولدت فكرة، وفكرتنا لن نحيز عنها ولن تموت، نحن اليوم خرجنا بمظاهرة لنُحيي ما بدأنا به ونؤكد على مطالبنا الشرعية، وها نحن اليوم متواجدون في الساحات لنقول للعالم أجمع بأننا شعب حر وأننا “خرجنا بثورة، ولن نرجع عنها”.
شوارع “فيينا” تُسقط الأسد
وثّق اللاجئ السوري “قصي سلماوي” أعلام الثورة السورية وهي ترفرف بسواعد مئات اللاجئين السوريين والداعمين لهم من الأجانب في العاصمة النمساوية “فيينا” يوم الاثنين الماضي، مردّدين عبارات تُركز على إسقاط رأس سلطة الأسد “بشار” ويُطالبون بالإفراج عن المعتقلين ومحاسبة كل من تورط بسفك دم السوريين، بمناسبة الذكرى السنوية الثالثة عشرة لانطلاق الثورة السورية.
أولى صيحات ثورة الكرامة
في منتصف شهر آذار من عام 2011، صدحت أولى صيحات الثورة السورية في دمشق ودرعا، تلاها خروج احتجاجات في جُل المحافظات مطالبة بإطلاق الحريات وإخراج المعتقلين السياسيين من السجون ورفع حالة الطوارئ، ثم مع الوقت ازداد سقف المطالب تدريجياً حتى وصل إلى إسقاط رأس سلطة الأسد “بشار” بالكامل.
وتطورت مظاهر الاحتجاجات إلى اعتصامات مفتوحة في الميادين الكبرى ببعض المدن، مع حلول شهر تموز من العام ذاته، إلا أنَّ هذه المظاهرات السلمية تعرضت للقمع على أيدي عناصر أجهزة أمن سُلطة الأسد.
ومع حلول منتصف عام 2015 استعانت سلطة الأسد بحليفتها روسيا وبدأت تدخلاً عسكرياً قُتل على إثره آلاف من المدنيين وهجّر عشرات الآلاف من المحافظات السورية باتجاه الشمال السوري وخسرت الفصائل العسكرية مناطق عديدة إلى أن انحسر وجودها في مناطق شمال غربي البلاد.
ومع حلول كل ذكرى للثورة السورية، ينزل السوريون إلى ساحات التظاهر، داخل سوريا وفي بلاد المهجر، للتأكيد على مطالبهم بإسقاط سلطة الأسد بالكامل، والعيش في بلد ينعم بالكرامة ويصون الحريات، مع محاسبة كل من تورط في سفك دماء المدنيين.