عمر حاج حسين
“والله يا عمو متنا من البرد والصوبا ما كانت تشتغل”.. بهذه العبارة وصف الطفل أحمد الأصيل (13 عاماً) حال خيمته طوال الليلة الفائتة، التي حاصرتها مياه الأمطار وتسربت إلى داخلها لتتلف الحشايا (المراتب) والمواد الغذائية.
يسكن أحمد مع عائلته في مخيم “القطري” قرب بلدة كفر لوسين شمال إدلب (50 كم)، بعد أن فروا من منزلهم منذ 5 سنوات من مدينة معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي، بعد حملة عسكرية لسلطة الأسد مدعومة بمليشيات روسية وإيرانية وأجنبية أخرى.
يتحدث أحمد مع “حلب اليوم” بعبارات تحمل هيبة رجال “الأمطار تجمعت حول خيمتنا وبدأت تحاصرنا كما يحاصرنا ضيق الحال”، ويردف حامداً شاكراً: “نحن الحمد لله ظروف الحياة أجبرتنا نكون بها الوضع هذا.. أجبرتنا الظروف.. المشاكل والحروب اللي صارت بسوريا”.
ولا يختلف وضع الطفل عن السيدة “فداء العبد الله” (45 عاماً) التي تسكن على أطراف مخيم “السامي” بريف إدلب الغربي، التي لخّصت حديثها مع حلب اليوم بعبارة واحدة “لم يعد هنالك مأوى نلجأ إليه.. إنما الشكوى إلى الله”.
تتشابه حال السيدة النازحة “فداء” مع العشرات من العوائل التي تسكن في مخيمات غربي وشمال إدلب وخاصة القريبة من الحدود السورية – التركية، فيما تجمع العوائل النازحة التي تسكن الخيام على أن برد الشتاء ومياه الأمطار هي أكثر الأمور المثيرة للقلق في كل عام، وفقاً لمراسلنا.
وناشدت السيدة “فداء” أثناء حديثها مع حلب اليوم، جميع المنظمات الإنسانية بالتحرك لمساعدة العوائل في المخيم سواء على الناحية الخدمية أوالغذائية قبيل اشتداد الرياح والأمطار.
وفقاً للدفاع المدني السوري فإن العاصفة المطرية التي تشهدها مناطق شمال غربي سوريا، تسببت ليلة أمس الخميس، في غمر جزئي لـ 13 مسكناً في مخيم “القطري” في قرية كفرلوسين شمالي إدلب، كما يؤكد الدفاع أن غزارة الأمطار تسببت أيضاً يوم أمس بتجمع مياه الأمطار بمحيط الخيام في مخيم السامي في مدينة أرمناز غربي إدلب.
ويُشير تقرير الدفاع إلى أن فرقه عملت طوال الليلة الفائتة على فتح ممرات لتصريف مياه الأمطار وإبعادها عن المخيمات، حرصاً على سلامة النازحين.
وتفتقر العديد المخيمات إلى وسائل الصرف الصحي، فيما تغيب الخدمات عن معظمها ومن أبرزها “تعبيد الطرقات بين الخيام وعدم وجود أرضية صالحة للسكن، وتمركزها في أراضٍ زراعية يستحيل تثبيت الخيام فيها بالشكل المطلوب ما يتسبب باقتلاع العديد الخيام في حال اشتداد الرياح.
وبحسب تقرير صادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا)، في تشرين الأول 2021، فإن 85 بالمئة من مخيمات الشمال السوري هي أقدم من عمرها المتوقع وأكثر عُرضة للتلف، وأقل مقاومة للظروف الجوية، موضحاً أن 76 بالمئة من النازحين يعيشون في مواقع لا يوجد بها تصريف لمياه الأمطار.
وذكر التقرير وقتئذٍ أن 594 موقعاً بحاجة إلى إصلاح الأضرار في البنية التحتية ونظام الصرف، للتخفيف من حدة الفيضانات في فصل الشتاء.
لا حلول
ألقى الناشط الإعلامي “محمود طلحة” اللوم بالدرجة الأولى على المجتمع الدولي الذي يعجز إلى اليوم عن إيجاد حل جذري للمأساة المتكررة سنوياً في مخيمات النازحين قرب الحدود السورية – التركية.
وتوقع “طلحة” عبر حديثه مع “حلب اليوم” تكرار العواصف المرجحة للحدوث في الأيام المقبلة، نتيجة تغير الدورة الشتوية الذي سببه التغير المناخي الذي نراقبه منذ سنوات.
وزاد في حديثه: “أساساً لم تعد فصول الشتاء متوقعة كما كانت من قبل، فقد أصبحت أطول مدة وأشد برودة”، ولذلك من المتوقع أن المخيمات قد تشهد كارثة أكبر مما تم تسجيلها وتوثيقها من قبل الفرق المدنية وخاصة “الدفاع المدني”، في حال عدم النظر إلى حال السكان النازحين.
ويؤكد أحدث تقرير صادر عن فريق منسقو استجابة سوريا أن أكثر من 134 ألف نازح تضرّر نتيجة الهطولات المطرية منذ بداية الشتاء الحالي، التي أدّت إلى أضرار في أكثر من 412 مخيما أي ما يعادل 22% من إجمالي المخيمات المنتشرة في المنطقة.
وصنّف التقرير المذكور الذي نشره الفريق على معرفه في “فيسبوك” الأوضاع داخل المخيمات كمنطقة كوارث نتيجة العوامل الجوية الحالية.
ما بين الموت وقلة الخيارات
في مخيمات النازحين وخاصّة تلك الواقعة على الحدود التركية، تأتي سيول الأمطار لتزيد ﻣﻌﺎﻧﺎة سكانها الذين لا يعرفون طعم الدفء طيلة فصل الشتاء، إذ فرض الحال المعيشي المتردي انحسار الخيارات أمامهم وعدم استطاعتهم للخروج من الخيمة القماشية التالفة من المطر والحر، والسكن تحت سقف إسمنتي، لذلك بات من شبه المستحيل الحصول مدفأة تعمل على المازوت الجيد، الذي وصل سعر البرميل منه إلى ما يقارب الـ 135 ﺩﻭﻻﺭﺍً.
يقول المصوّر الإعلامي “معاذ العباس” إن خيارات التدفئة تتنوع بين خيام النازحين ولكن الأكثر شيوعاً هو استخدام مدافئ الحطب البدائية، التي تفتقد أساساً للحطب وفق قوله، ويؤكد أن النازحين عموماً يستخدمون ﺍﻟﻔﺤﻢ ﺍﻟﺤﺠﺮﻱ والنايلون للتدفئة، والتي هي أساساً مصدرا للحرائق لعدم وجود نظام للمدفأة يمكنها التحكم بقدر حجم النار المشتعلة، بالإضافة إلى أنها سبباً رئيساً للعديد من الأمراض إثر انبعاثات روائح المواد التي تشتعل داخلها.
ويقول العباس لـ “حلب اليوم” بعض العائلات تضطر إلى حرق ثيابها وأثاث المنزل والحرامات الموجودة عندها لدرء البرد عنهم، عند اشتداده، وهو ما يسبب في معظم الأحيان اندلاع الحريق.