خاص | حلب اليوم
شهد القطاع الزراعي ضمن مناطق سيطرة سلطة الأسد تراجعاً كبيراً، خلال الأشهر الماضية، إذ عزف عدد كبير من الفلاحين عن زراعة أشجار الزيتون ضمن أراضيهم التي اعتادوا على استثمارها بالمحاصيل الاستراتيجية (القمح والشعير والقطن) خلال العقود الماضية من الزمن.
ما السبب؟
بحسب مراسل حلب اليوم في مدينة “حمص” فإن أسباب تراجع الزراعة في المدينة، يعود إلى أسباب عدّة أبرزها “تراجع عملية التسويق من جهة، والسعر المنخفض الذي يتم تحديده في كل عام من قبل مديرية النقل والحبوب في حمص”.
ووصف مراسلنا سعر المديرية بـ”البعيد كل البعد” عن الكلفة المالية للمحاصيل الزراعية، الأمر الذي جعل المزارعين يشعرون بالضياع ويبدؤون بالعمل جلياً بالاعتماد على مواسم الأشجار بدلاً من المزروعات الموسمية.
يُشير مراسلنا إلى إن نحو 35% من مساحة الأراضي الزراعية المتواجدة في قرى (السعن – المكرمية – عزّ الدين- الفرحانية – ومدن تلبيسة والرستن) بريف حمص الشمالي، باتت تشهد عمليات تشجير متتالية لأشجار الزيتون بالدرجة الأولى، وغراس اللوز والفستق الحلبي بالدرجة الثانية.
خمس سنوات من الخسارة!
نقل مراسل “حلب اليوم” عن المزارع “عبد الغني.ق” من سكان قرية السعن قوله: إن “الأعوام الخمسة الماضية شهدت وقوع الكثير من المزارعين بخسارات مالية لثلاثة أسباب؛ أولها: “إجبار الفلاحين من قبل مديرية إكثار البذار على زراعة القمح في حمص بشكل متلاحق مقابل تسليفهم البذار اللازم لحين حصاد الموسم”.
والأمر الثاني وفقاً لـ”عبد الغني” هي الأسمدة الفاسدة التي تسببت في إتلاف المحاصيل نظراً لانتهاء صلاحيتها وتغليفها بتاريخ جديد من قبل التجار المتعاقدين مع مديرية الزراعة في حمص.
وأرجع المزارع “عبد الغني” الأمر الثالث إلى الأسعار المنخفضة التي حدّدتها مديرية النقل والحبوب في مدينة حمص لمادة القمح، وملاحقة الفلاحين أمنياً ممن قرروا تسويق مواسمهم ضمن السوق الحرة للحصول على أسعار أفضل.
قطع المياه
يقول المزارع البالغ من “العمر 52 عاماً” لـ”حلب اليوم”، إن مديرية الموارد المائية تعهدت العام الماضي بإمداد الأراضي الزراعية بمياه الري من خلال استمرار عملية ضخّ المياه ضمن (القناة الأمية)، والتي تعتبر المنهل الرئيسي لشبكة أقنية الري المغذية لأراضي ريف حمص الشمالي.
وتابع قائلاً: “هذا التعهد دفعنا لتسليم موسم القمح لمديرية نقل الحبوب، والتفكير بتعويض الخسارة من خلال استغلال مياه الري بالموسم الصيفي، إلا أن الخسارة تتالت بعدما أقدم الفلاحين على زراعة مواسمهم الصيفية ليتفاجؤوا بقطع مياه الري من قبل مديرية الموارد المائية بحجة انخفاض منسوب مياه بحيرة قطينة المغذية لقناة الأمية”.
الفلاحون يبيعون أرضيهم!
بدوره، أكّد الحاج عمر من أهالي مدينة “المكرمية” وقوع العديد من الفلاحين بخسارات مالية متلاحقة، الأمر الذي أجبر البعض منهم على بيع قطع من أراضيهم لسدّ الديون التي استلفوها إبان انتظار خروج الموسم؛ الذي لم يكفي لاستعادة رأس المال المبذول.
واعتاد الأهالي ضمن مناطق سيطرة سلطة الأسد على استلاف الأموال وتثبيتها بما يتوافق مع سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية التي تشهد انهياراً متتالياً أمام باقي العملات الأجنبية.
وأشار الحاج عمر إلى أن ما زاد بالأمر صعوبة هو مسألة الحصول على المازوت المدعوم لحراثة الأراضي الزراعية، وكذلك الأسمدة الصالحة، بالإضافة للبذار الغير مغشوش “بحسب وصفه”، ما دفع شريحة كبيرة من المزارعين للإقلاع عن المواسم الاستراتيجية (القمح والشعير) واستبدالها بغراس الأشجار المثمرة كالزيتون وغيرها من الأشجار التي لا تحتاج سوى لعناية الفلاح لحين اكتمال نموها.
وأوضح أن توجه المزارعين لهذا الغراس، جاء بهدف الهرب من الخسارة التي يعيشونها في زراعاتهم الموسمية، التي ستؤدي في نهاية المطاف لخسارة أراضيهم التي تعتبر باب رزقهم الوحيد، ومخرجاً لسداد ديون العجز التي تتراكم عليهم عاماً بعد أخر.
موسم القمح مريض!
وبحسب الإحصائيات الرسمية الصادرة عن مديرية زراعة حمص فقد بلغ إنتاج الريف الشمالي من مادة القمح خلال الموسم الماضي لعام 2023 نحو 40 ألف طن من القمح، إلا أن نسبة النصف منه 20 ألف طن كانت قد أصيبت بمرض فطري (صدأ القمح) بسبب رداءة نوع البذار المستخدم، فضلاً عن عدم كفاءة الأسمدة التي تم استجرارها للجمعيات الفلاحية من قبل التجار المتعاقد معهم، ما أدّى لانخفاض أسعار القمح بنسب متفاوتة كلٌ بحسب جودة انتاجه الأمر الذي انعكس سلباً على المزارعين وأوقعهم بخسارات فادحة على الصعيد المادي.
تجدر الإشارة إلى أن اللجنة الاقتصادية التابعة لسلطة الأسد أعلنت منتصف الشهر الجاري (كانون الأول) عن رفع أسعار سماد اليوريا المخصّص للزراعة، لمبلغ ثمانية ملايين وتسعمائة ألف ليرة سورية، بدلاً من ثمانية ملايين ليرة ضمن مؤسساتها بمعدل 445 ألف ليرة للكيس الواحد، بالوقت الذي تراوح سعره ضمن السوق الحرة ما بين 600-700 ألف ليرة وسط عجز الكثير من المزارعين من الحصول عليه.
ويحتاج كل دنم ارض إلى كيس واحد من السماد، ما يعني أن الأرض التي تبلغ مساحتها 10 دنمات يحتاج مالكها لدفع قرابة سبعة ملايين للأسمدة فقط الأمر الذي ساهم بدوره بعزوفهم عن زراعة المواسم واستبدالها بالأشجار المثمرة.