نضال العبدو – حلب اليوم
منذ أن استقرت اﻷوضاع نسبياً في شمال غربي سوريا عقب الاجتياح العسكري الواسع نهاية عام 2019 وبداية عام 2020، بدأت سوق العقارات في مدينة إدلب بالانتعاش، حيث دفعت قبل ذلك الحملة العسكرية لقوات اﻷسد والميليشيات اﻹيرانية تحت غطاء جوي روسي بالملايين نحو الشمال للجوء إلى ما تبقى من المُحرّر هرباً من اﻵلة العسكرية.
ومع انهيار خطوط دفاع الفصائل في تلك اﻵونة وتقدّم القوات الغازية بشكل سريع، عمد السكان إلى الفرار بعيداً عن المنطقة، حيث توجّه أغلبهم إلى الحدود السورية – التركية شمال إدلب، وإلى عفرين وأعزاز والباب بريف حلب.
وعقب توقيع اتفاق 5 آذار بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين والذي سبقه دخول قوات تركية كبيرة، توقف زحف قوات اﻷسد مع القوات الروسية واﻹيرانية، ليلتقط نحو 4 ملايين من السكان أنفاسهم.
يقول “محمد .س” النازح من ريف مدينة سراقب شرقي إدلب لـ”حلب اليوم” إنه عاد مع عائلته من حارم المطلة على الحدود شمالي المحافظة حيث كان يسكن مع عائلته المكونة من 7 أفراد وعائلة أخيه المكونة من 5 أفراد في مستودع غير صالح للسكن، متوجهاً نحو مدينة إدلب.
وأوضح أنهم اضطروا في شهر شباط من عام 2020 للنزوح حتى أبعد نقطة ممكنة في الشمال، وكان عليهم القبول بأي مأوى تحت ضغط الوضع الذي كان قائماً حينها، إلا أنه عاد بعد “وقف إطلاق النار” إلى مركز المحافظة ليستأجر منزلاً مستقلاً ﻷفراد أسرته ويبحث عن مكتب ليمارس مهنته في تجارة السيارات.
محمد واحدٌ من كثيرين وجدوا في مدينة إدلب الخيار اﻷقل صعوبة، نظراً لموقعها وكثافة سكانها، حيث تضاعف عددهم بشكل كبير خلال السنوات الثلاثة الماضية.
وخلق ذلك طلباً متزايداً على المنازل والمكاتب والمحال التجارية، مما أدى لارتفاع كبير في بدل اﻹيجار، ما أرهق كاهل النازحين، والذين تركوا خلفهم أراضيهم وبيوتهم ومصادر دخلهم، وسط تحديات وصعوبات متصاعدة وارتفاع مستمر للأسعار وتزايد معدلات البطالة والفقر.
يبحث “عبد الحميد .ع” منذ نحو شهرين عن منزل مناسب للسكن، ويقول إنه وجد العديد منها لكن المشكلة في أسعار بدل اﻹيجار التي وصفها بغير المنطقية، والتي لا تتناسب مع دخله، حيث يُضطر لدفع بدل إيجار كبير أيضاً للمحل الذي يعمل فيه ببيع اﻷدوات المنزلية.
لكنّ الظاهرة اللافتة اليوم هي طرح المساكن الجديدة للبيع بشكل واسع، حيث نشطت حركة العمارة منذ مطلع عام 2021، ويجري عرض الغالبية العظمى من البيوت اليوم للبيع.
يقول صاحب أحد المكاتب العقارية في إدلب لـ”حلب اليوم” إن ما يدفع أصحاب المشاريع السكنية للبيع هو ارتفاع أسعارها، حيث يجد معظمهم اليوم فرصةً مواتيةً ويفضّلون البيع على اﻹيجار، ﻷن بدل اﻹيجار لن يجلب ربحاً وافياً مهما غلا، كما يرى الكثيرون.
وذكر على سبيل المثال أنه توسط في بيع منزل (نصف قبو) على أطراف منطقة الضبيط بمبلغ يفوق الـ30 ألف دولار أمريكي، موضحاً أن سعره قبل هذه اﻷزمة لم يكن ليتجاوز الـ10 آلاف، وبالتالي فإنها فرصة أمام المستثمرين.
وتقوم في المدينة مشاريع فردية تتمثل في بعض البنايات المتفرقة، لكنّ هناك كتلاً كبيرة، أبرزها الحي الجديد الذي يتم إنشاؤه في “الحارة الشمالية” والمشروع السكني الجديد قرب كلية الطب شمال غربي المدينة.
ونظراً لكون معظم النازحين غير قادرين على الشراء، فإن ذلك يعني زيادة معاناتهم في رحلة البحث عن السكن المناسب، حيث أصبحت اﻷفضلية المطلقة لمن يستطيع دفع عشرات آلاف الدولارات ليؤمن لنفسه سكناً، كما أن مشتري المنازل بقصد التجارة باتوا يطلبون بدائل إيجارات أعلى لتعويض الأثمان المرتفعة التي دفعوها.
كما تضاعفت أسعار المحال التجارية بشكل غير مسبوق، ليتجاوز بعضها حاجز الـ 100 ألف دولار أمريكي في وسط المدينة، فيما غلت أيضاً اﻷراضي الزراعية على أطرافها.
وبقدر ما خلق هذا الواقع الجديد ربحاً لبعض المستثمرين فإنه زاد من معاناة شرائح واسعة لا تشمل فقط النازحين، وإنما السكان الأصليين بالمنطقة.