نضال العبدو – حلب اليوم
بينما تؤكد الولايات المتحدة في موقف مشترك مع دول غربية رفضها التام للتطبيع العربي مع اﻷسد، وتحذّر من التعرض للعقوبات المفروضة عليه، تواصل الدول العربية مساعيها لاستعادة علاقاتها الكاملة معه، مقابل شروط يشكّك مراقبون في قدرته على تنفيذها.
وفي تطوّر لافت وافقت كل من قطر والكويت على إعادته للجامعة العربية، بعد تمسك الدولتين الخليجيتين لسنوات بالرفض القاطع، إلا أنّ الدوحة أكدت أن موافقتها على مطلب معظم دول الجامعة وحرصها على عدم الوقوف كعقبة في طريق مسعاها لا يعني التطبيع.
ووقع ثمانون سياسياً وفناناً وكاتباً من العرب والسوريين، على بيان مشترك، اليوم الإثنين، وصفوا خلاله أن تطبيع العلاقات بين الدول العربية وسلطة الأسد بـ”الكارثة السياسية”.
أما مصر فقد أكدت على لسان وزير خارجيتها أن مسعى التطبيع مرهون بشروط، أبرزها ما يتعلق بالحل السياسي وإعادة اللاجئين وإنهاء ملفي الميليشيات اﻷجنبية والمخدرات.
لكن التطور المفاجئ واﻷبرز؛ كان من الجبهة الجنوبية، حيث شنّت مقاتلات أردنية غارات على “مواقع ﻹرهابيين وتجار مخدرات” كما وصفتها وسائل إعلام محلية، مع رفض رسمي للتعليق، وصمت من قبل إيران وسلطة اﻷسد.
يرى “تليد صائب” عضو اللجنة الدستورية السورية في إفادته لـ”حلب اليوم” أن ما قامت به عمّان كان (قرصة أذن) غايتها الضغط على سلطة اﻷسد، فقد “عانت اﻷردن كثيراً من محاولات إغراقها بمخدراته وكبتاغونه و أسلحته، وجعلها أيضاً بوابة لعبور هذه الآفات باتجاه دول الجوار الخليجي”، حيث باتت مضطرة لأن “تدافع عن نفسها ضد هذا الهجوم الخطير على أراضيها”.
ويضيف “صائب” أن اختيار الأردن للضربات في أقرب المناطق إليها بدرعا، مع هدف محدد ودقيق، “ربما يكون انذاراً قد يتطور فيما بعد ليشمل مناطق أخرى أبعد من درعا”، وبالتأكيد فان هذه الخطوة “ستحظى بمباركة دول الخليج وربما الشعب السوري نفسه الذي يعلم أن هذه التجارة هي شريان دخل اقتصادي جديد للأسد وشبيحته وأن التاجر الذي قتل وعائلته ماهو إلا موزع صغير لدى مافيا الأسد”.
واعتبر مراقبون أن توقيت الضربة الذي تزامن مع تصويت أعضاء الجامعة العربية على عودة سلطة اﻷسد، قد يدلّ على تفاهمات معينة “من تحت الطاولة”، ربما تتكشف معالمها لاحقاً، لكن عضو اللجنة الدستورية اعتبر أن اﻷمر قد يكون مصادفة ﻷن الأردن أحبط بنفس يوم الغارة محاولة تهريب أسلحة ومخدرات وملايين الحبوب إلى أراضيه.
وفي المقابل لم يستبعد أن يكون توقيتاً مقصوداً “لأنهم يعلمون أن الأسد الذي يستقتل للعودة إلى الجامعة العربية – وإن ادّعى عدم مبالاته – لن يجرؤ على معاتبتها على غارتها بل وربما سيدعي مباركته لها خاصةً وأن القتلى من غير عائلته وشبيحته المقربين”.
وكانت مجموعة من المعارضين السوريين قد وقعوا على رسالة مشتركة إلى الدول العربية دعوا فيها إلى مراجعة سياساتها الرامية للتطبيع مع سلطة اﻷسد، وفي بيان حمل توقيع خمسة عشر شخصيةً سورية في العشرين من الشهر الماضي؛ منهم برهان غليون ومعاذ الخطيب ورياض حجاب وجمال سليمان وأسعد مصطفى ومروان قبلان، أشار الموقعون إلى أن السبب الرئيس للأزمة هو تعنت سلطة اﻷسد.
كما أوضحوا أن اﻷخير لن يستطيع الحدّ من إنتاج المخدرات، وخاصة “الكبتاغون”، بعد أن تحولت سوريا إلى (narco-state)، ولا يمكنه السيطرة على أمراء الحرب الذين تحولوا إلى زعماء مافيات، وأن الدول العربية مهما سعت إلى إغراء اﻷسد فإنه “لم يعد يملك وسائل ضبط حدوده مع دول الجوار، بعد ما أصابه من فساد وترهل وإنهاك، كما لا يمكنه التغلب على العقوبات الغربية المفروضة عليه، و”لن يكون لعودته إلى الجامعة العربية أية آثار إيجابية لا على أمن الدول العربية ولا على أحوال السوريين”.
وفي تصريح للخارجية الأمريكية اعتبرت أمس أن الهدف من التحرك العربي هو ” الضغط على الأسد”، لكنها قالت إنها لا تؤيد هذه الرؤية، كما حذّر البيت اﻷبيض أمس الدول العربية من أن العقوبات مستمرة، وأعلن الكونغرس أيضاً عن رفضه لمسعى الجامعة العربية.
كلّ ما سبق لم يقترن بأي تحرك جدي من واشنطن، وهو ما يفسره “صائب” بأن “الإدارة الامريكية عرجاء .. وبكماء وعمياء ومقعدة أيضاً .. وتكاد تصريحاتها تكون تبريراً لضعفها وعجزها”، وبالرغم من أن “التحرك العربي نحو الأسد قد يكون فعلاً للضغط عليه للابتعاد عن إيران و لمنع تقسيم سوريا.. ولكن من يعرف الأسد يعرف أنه كأبيه مراوغ وماكر وكاذب لا يوثق به، وزد على ذلك أنه أضعف منه و أكثر استهتاراً.. وبالتالي فالادارة الأمريكية التي تعرفه جيداً متأكدة أن وعوده لن تتحقق وأنه لن يجرؤ على الطلب من ايران تخفيف (وليس سحب) وجود قواتها في الأراضي السورية والأمر أكثر صعوبة عليه فيما يتعلق بروسيا”.
ورآى أن “الإدارة الأمريكية التي لم تتدخل بالشأن السوري بشكل جاد منذ بداية رئاسة بايدن ما تزال على موقفها، وتطلق تصريحات تبريرية فقط تاركةً الحبل على الغارب لكل الأطراف أن تفعل ما تشاء في كل الملفات وليس الملف السوري وحده”.
وحول التغير في موقفي قطر والكويت أشار المعارض السوري إلى أن الدولتين عُرفتا بمواقفهما الداعمة للشعب السوري إنسانياً منذ بداية ثورته، “لكن يبدو أن تفاهمات جرت بين هاتين الدولتين والدول العربية التي تريد عودة الأسد للجامعة، خصوصاً أن هدف هذه الدول هو منع تقسيم سوريا ومحاولة استردادها من يد إيران والروس، فسكتت عن معارضة عودة النظام للجامعة، في محاولة لانجاح هذه المساعي وإعادة الملف السوري للعرب الذين فقدوه لفترة”.
ورغم أن الشعب السوري قد لا يوافق على ذلك إلا أنه و”بكل الأحوال ربما ستكون هذه العودة محاولة من العرب لإنقاذ وإحياء وتطبيق القرار 2254 الذي رفضه اﻷسد وما يزال يرفضه علناً”.
وبحسب البيان الصادر من جدة منتصف الشهر الماضي، فإن هناك مطالب على اﻷسد تنفيذها، تنتهي كلها إلى إضعاف نفوذ إيران، بينما تعزز الرياض علاقاتها معها بعد قطيعة طويلة، وهو ما يجعل المشهد أكثر تعقيداً.
وتبرز اﻷسئلة هنا حول مدى قدرة اﻷسد على القيام بشيء ما، بعد فقدانه للسيطرة على كافة مفاصل البلاد، لصالح روسيا وإيران وميليشياتها، لكن الدول العربية تبدو واثقة من أن شيئاً ما سيحصل على هذا الصعيد.
وحول هذا الشأن يرى “صائب” أن الدول العربية “لم تقم بهذه الخطوة إلا بعد الحصول على وعود وضمانات بتنفيذ هذه الوعود، وربما منها الحل السياسي وفتح وإنهاء ملف المعتقلين السياسيين والانقتاح على المعارضة السورية (الرسمية)، ولكننا كسوريين نعلم جيداً أنه لن ينفذ أياً من وعوده التي تمس جيبه وليس سيادته فحسب”.
ويؤكد المعارض السوري أن اﻷسد سيواصل الكذب والمراوغة، مستذكراً ما قاله الأمير “بندر بن سلطان” في إحدى مقابلاته أن “الملك “عبد الله” قال له: أنت كاذب, كاذب … وتركه وغادر الاجتماع وطلب من مدير مكتبه أن يرافقه للمطار ( بمعنى قال له كاذب وطرده)”.
وبشأن رؤية الأسد للأحداث فقد اعتبر “صائب” أن اﻷسد “خسر كرسيه منذ اللحظة الأولى لاندلاع الثورة، وكل يوم يبقى فيه على كرسيه يعتبره مكسباً جديداً، والوقت بالنسبة للأسد يعني المزيد من السلطة والمزيد من الثروة والمزيد من بيع سوريا .. ولا مانع لديه من المراوغة لكسب المزيد من الوقت”.
وفي الختام تبقى نتائج الحراك الحالي رهن التطورات المقبلة، كما أن المساعي التركية للتطبيع ستلقي بظلالها بكل تأكيد على الملف، وتلك المساعي أيضاً ما تزال مفتوحة على كافة الاحتمالات، خصوصاً مع وجود حدث مفصلي بعد أيام قليلة يتمثل في انتخابات الرئاسة.