أكدت صحيفة “هآرتس” اﻹسرائيلية أن الجهود الدبلوماسية التي تقوم بها إيران هذه اﻷيام، تُكسبها مكانة جديدة في الشرق الأوسط، بينما تستمر إسرائيل في قصف أهداف بسوريا مع تعداد الخسائر العسكرية، معتبرةً أن ذلك لن يوقف نفوذ طهران المتنامي، فيما قد تؤدي التطورات اﻷخيرة والتصالح مع الرياض ﻹلغاء الغارات في سوريا.
واعتبرت الصحيفة أن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الإيرانيين والسعوديين، يوجب على طهران الآن تنسيق سياساتها مع الخصوم السابقين، “لكن ليس من الواضح ما إذا كانت إيران مستعدة لدفع هذا الثمن”.
وأشارت إلى أنه بعد أقل من يوم من اختتام وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبد اللهيان” زيارته التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة لبيروت، أفادت الأنباء بأن إسرائيل نفذت هجوماً صاروخياً على مخازن أسلحة وذخيرة تابعة لميليشيا “حزب الله” بالقرب من مدينة حمص السورية.
وليس من الواضح – وفقاً للصحيفة – ما هي الضرورة الملحة في هجوم الأحد سوى الرغبة في إرسال رسالة عنيفة إلى إيران بعد يوم واحد فقط من قيام وزير الخارجية الإيراني بجولة على الحدود الإسرائيلية.
واعتبرت الصحيفة العبرية أن أهمية الحرب التي تُجريها إسرائيل وفق إستراتيجية مابين الحربين؛ تأتي من المفهوم الغريب الذي يفترض أن الحرب القادمة محتمة، و”إلى أن تأتي ندير حروباً صغيرة ربما تشعل الحرب الكبرى”.
وبينما “تحصي إسرائيل الصواريخ التي تطلقها ومخازن السلاح التي تدمرها تجني إيران مكاسب سياسية سيكون من الصعب تدميرها بالصواريخ”، وذلك بحسب الصحيفة التي رأت أن زيارة وزير الخارجية الإيراني تأتي في إطار استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران اﻷمر الذي “هز كل المنطقة”.
وأوضحت أن الهدف المعلن للزيارة هو الدفع قدماً بحل سياسي للأزمة الاقتصادية الشديدة في لبنان والتوصل إلى تعيين رئيس جديد للبنان بعد سبعة أشهر لم يكن فيها رئيساً للدولة.
وتقف إيران على مفترق طرق لاتخاذ قرارات جوهرية يمليها استئناف العلاقات مع الرياض والتقارب بين السعودية ودول عربية من جهة وسلطة اﻷسد من جهة أخرى، و”من أجل الحفاظ على مكانتها فالمطلوب من إيران تنسيق مواقفها مع مواقف الدول التي كانت حتى فترة متأخرة من الأعداء اللدودين لها”.
وذكر “عبد اللهيان” في المؤتمر الصحافي الذي أجراه في بيروت أنه حصل على دعوة من وزير الخارجية السعودي “فيصل بن فرحان” لزيارة الرياض كما دعاه لزيارة طهران، ولفتت “هآرتس” إلى أنّ التقارب السياسي بين السعودية وإيران وقبل ذلك مع الإمارات يشمل أيضاً رزمة تحديات سياسية سيكون على إيران مواجهتها.
وأشارت الصحيفة إلى مسألة الصراعات الداخلية في لبنان بين من معارضي “حزب الله” ومن بينهم الأحزاب المسيحية وحزب المستقبل السني القوي؛ الذي يريد ترشيح “نواف سلام” للرئاسة وبين “حزب الله” و”حركة أمل” و”تيار المردة” الذي يريد ترشيح “سليمان فرنجية” وتعرض عليه الولايات المتحدة والسعودية والإمارات، فيما تريد فرنسا تعيين رئيس حكومة غير مقرب من “حزب الله”.
وفي خضم ذلك كله اكتفى وزير خارجية إيران بصيغة دبلوماسية غير ملزمة أوضح فيها بأن بلاده ستؤيد كل شخص يتفق عليه الشعب في لبنان؛ بينما تدير إيران حواراً مباشراً مع فرنسا حول هذا الأمر.
ونقلت “هآرتس” عن “مصادر عربية” أنّ “عبد اللهيان” أرسل لوزير خارجية فرنسا رسالة أكد فيها أن “رئيس لبنان سينتخبه لبنان وليس السعودية أو إيران أو الولايات المتحدة”، مؤكداً أن “السعودية التي تم إشراكها في مجموعة العمل التي شكلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمناقشة مستقبل لبنان ما زالت حتى الآن مصممة على موقفها وتعارض تعيين فرنجية”.
ولا يرتبط الاتفاق بين الرياض وطهران بمستقبل لبنان الاقتصادي فقط، بل بـ”شرعية الأسد” أيضاً، والتي “تمر عبر الرياض”، حيث تكمن هنا “مصلحة إيرانية حيوية لتوضيح من هو صاحب البيت في دمشق لا سيما بعد أن قلصت روسيا نشاطاتها السياسية للعثور على حل للحرب في سوريا عقب الحرب في أوكرانيا”.
وزار وزير خارجية السعودية سوريا الشهر الماضي، وذلك للمرة الأولى بعد 12 سنة، بينما “تخشى إيران من أن تصبح السعودية راعية للأسد في سوريا”، وقد عقدت قمة لدول الخليج ومصر لمناقشة عودة اﻷسد إلى الجامعة العربية “رغم معارضة الولايات المتحدة الشديدة والعلنية”.
وترى الدبلوماسية السعودية – وفقاً للصحيفة – أن “الشرعية العربية للأسد يمكن أن تؤدي إلى شرعية دولية حتى لو لم تكن الولايات المتحدة شريكة في ذلك، وبهذا قد يختفي التمايز الاستراتيجي بين محور إيران والمحور العربي”، بينما تمنح العلاقات الجديدة إيران مكانة إقليمية جديدة.
وحول انعكاس ذلك على إسرائيل فقد ذكرت “هآرتس” أنه “يمكن أن تكون التداعيات الفورية تقليص حرية عملها العسكري في سوريا وربما حتى إلغاؤها المطلق إذا ما تحققت الخطوات التي تقودها السعودية وتحولت سوريا من منطقة نيران مفتوحة لكل الجهات إلى دولة ذات سيادة برعاية الرياض، كما ستوافق تركيا أيضاً على الانسحاب منها”.
وأوضحت أن هناك نقاشات تجري حول ذلك مؤخراً، وأنه “يمكن التوقع بأن الترخيص الذي تعطيه روسيا لإسرائيل للعمل كما تشاء في سوريا سيعاد اختباره، وقد تضطر إسرائيل للعودة إلى قواعد اللعب القديمة والأقل راحة التي بحسبها ستكون جبهتها الساخنة مباشرة أمام لبنان وليس في ساحة اللعب المريحة في سوريا، والتي يمكنها فيها تجاوز ميزان ردعها أمام حزب الله”.