مقال رأي - الدكتور كمال عبدو دكتور في كلية العلوم السياسية في جامعة الشمال الخاصة في سرمدا بريف إدلب، مختص في التاريخ الحديث والمعاصر
قال وزير الخارجية التركي إن لقاء موسكو القادم على مستوى وزراء الخارجية التركي – السوري ، سيمهد للقاء أردوغان برأس النظام السوري بشار الأسد . في تراجع واضح عن كل الثوابت التركية التي تبنتها أنقرة في تعاملها مع الملف السوري بعد عام ٢٠١١ فمن إسقاط النظام ، إلى الصلاة في المسجد الأموي ، إلى الخطوط الحمراء التي تم لعقها بكل سهولة.
لتعلن أنقرة اليوم رغبتها التقرب من نظام دمشق بأي وسيلة كانت متناسية حتى الإهانات الشخصية التي وجهها بشار الأسد للرئيس التركي أردوغان وفي أكثر من مناسبة.
أنقرة اليوم تريد إصلاح علاقاتها المتوترة بمحيطها الإقليمي مهما كان الثمن . فالتضخم وتهاوي الليرة التركية بات في مستويات قياسية، وعلاقاتها مع الولايات المتحدة في أدنى مراحلها، والعقوبات الغربية باتت تضغط وبقوة على الاقتصاد التركي ، وباتت استدارة أنقرة نحو دمشق مطلب إيراني – روسي – عربي يتماهى مع الرأي العام التركي الذي أججته وسائل الإعلام التركية منذ سقوط حلب في نهاية عام ٢٠١٦ م.
كان سقوط حلب علامة فارقة في التعامل الدولي مع الملف السوري وخاصة تعامل أنقرة التي تخلت عن إسقاط النظام إلى محاولة تأمين الحدود مؤقتاً عبر عمليات عديدة أطلقتها في الشمال السوري بالتعاون مع الفصائل التابعة لها، ومن ثم التفاوض مع النظام مع مراعاة الحقائق الجديدة على الأرض التي باتت أمراً واقعاً في الشمال السوري ، وهو نفس الموقف الذي أعلنته موسكو كشرط مسبق لأي مفاوضات مقبلة مع أوكرانيا وهو ما ترفضه كييف بشدة.
أنقرة اليوم ليست أنقرة عام ٢٠١١ ، وكما قال وزير الخارجية التركي لوفد من الحكومة المؤقتة وهيئة التفاوض والإئتلاف ” ١١ عاماً كانت طويلة ، والوقائع تغيرت ، ويجب أن تدركوا ذلك وأن تكونوا أكثر عقلانية ” والمقصود بالعقلانية هنا هي ” تناسي الخلاف البسيط مع بشار الأسد والتصالح معه ”
أن تكون ثائراً فهذا يعني أنك مجنون ، وأن تكون عقلانياً يعني أن تتنازل عن كامل دمك وأرضك وعرضك وأن تهتف بحياة بشار الأسد إرضاء لأنقرة وطهران وموسكو وكل عواصم العرب.
إن كان الأمر كذلك فمرحباً بالجنون في هذا الزمن الساقط.