خليل آغا – مدير عام قناة حلب اليوم
رحل أخي وصديقي وزميلي مصطفى العبد الله عن هذه الدنيا الفانية، واسأل الله الكريم أن يدخله جنته العالية مع النبيين والشهداء والصديقين.
عملنا معا كإخوة لسنين، كنت أودعه أسرارا لا أودعها أحدا غيره، وكنت أناقش معه قضايا لا أناقشها مع غيره.
أستطيع أن ألخص ما أعرفه عن مصطفى بأنه كان إنساناً مليئاً بالإنسانية، رحيماً كريماً، كان يحمل قضية أمته وكان يعرف نفسه بأنه ثائر صاحب قضية، ولذلك تأخر زواجه.
وخلال عدة سنين كان يحلم بالحج الى بيت الله الحرام، وأكرمه الله بذلك، وفي الحج اتصل بوالديه وأخبرهم برغبته بالزواج بمجرد عودته من الحج.
عندما عاد من الحج مرورا بتركيا، طلبت منه المكوث في عنتاب لعدة أيام قبل الدخول الى سوريا، وأمضينا أياما طويلة معا، كانت مليئة بالنقاشات في قضايا الثورة السورية وذكريات الريف الغربي لحلب الذي أمضيت فيه أنا أيضا جزءا من حياتي مع عائلتي، ثم أخبرني أن أهله ينتظرونه بشوق شديد وأنه يريد أن يتزوج، فذهبت معه إلى الريحانية ودخل من باب الهوى إلى سوريا.
تزوج مصطفى بمن اختارها لتكون شريكة حياته، وأنجبت له ابنتين روح وايلول ملؤوا عليه حياته، وكان يقول لي أولويتي الأولى في الحياة زوجتي وابنتاي ثم عملي وقضيتي كثائر وليس لي اهتمام بشيء بعد ذلك.
عندما كنت أدخل إلى سوريا لمتابعة عمل القناة في الداخل كنت أمضي وقتي كله معه، وفي زياراتي معه لأي مكان كنت أرى أن كل الناس يعرفونه ويحبونه، بل كنت أرى أن أهلنا في الداخل يرون أن قناة حلب اليوم هي مصطفى العبد الله، وأن مصطفى العبد الله هو قناة حلب اليوم، لذلك كنت أعرف نفسي في كل زيارة بعبارة “أنا أعمل مع مصطفى العبد الله” وأحيانا كنت أضيف مازحا “أنا أعرف نفسي بمصطفى لأنه معرفة وبالمعرفة تعرف النكرات”.
من أشهر البرامج التي عمل بها مصطفى برنامج جولات وقد كان رحمه الله يحبه كثيرا، وكنت معجبا كثيرا بنهمه للثقافة وحبه ودماثته مع الناس، فقد كان يسأل بكثرة ويجمع المعلومات التاريخية عن كل مكان وكل شبر يزوره، وكان يقاطع المعلومات ويتحرى الصواب، ليكون مايقوله في منتهى الدقة، كان واعيا مثقفا ومخلصا وصادقا.
وقد كان مميزا في احترامه للناس وتقديره لكبيرهم وصغيرهم فقيرهم وغنيهم، كان دمثا يمزح أحيانا لكن بما لا يثقل على أحد.
بعد وفاة صديقه أحمد حاج موسى أسمعني مصطفى رسالة صوتية من أم أحمد حاج موسى التي تقيم في تركيا في حين تقيم زوجة أحمد حاج موسى وأولاده داخل سوريا، كانت الرسالة تقول فيها أن أحمد كان دائما يقول لها عن مصطفى هذا صديقي الذي أعول عليه في أي مشكلة، وتطلب من مصطفى أن يعتني بأسرة أحمد وأولاده، وقد كان ذلك منذ عدة أيام فقط، وقد أمضينا ساعات نناقش كيف يمكننا مساعدة عائلة أحمد.
اليوم صباحا وقبل وفاته بدقائق كنت أناقش معه عبر الهاتف تغطية وقفة لنقابة المحامين الأحرار بحلب، ثم خرج من المكتب بسيارته لتتوقف سيارته وقلبه على بعد أمتار فقط من مقر القناة باعزاز، ليأتيني خبر وفاته بعد اسعافه الى المشفى الوطني باعزاز بعد ساعة ونصف من مكالمتي معه تقريبا.
كان خبرا صاعقا على نفسي وعقلي، وماأعانني عليه إلا يقيني وإيماني بالله وبأن “كل نفس ذائقة الموت”.
لقد كان مصطفى كالأب الرحيم لموظفي مكتب اعزاز.
وكان رحمه الله أخا مقربا وغاليا على قلبي.
إنا لله وإنا اليه راجعون.
اللهم لا تحرمنا أجره ولاتفتننا بعده، واغفر لنا وله، وتقبله في عليين واحشره في زمرة المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.