نشرت وكالة “ناسا” اﻷمريكية ﻷبحاث الفضاء واﻷقمار الصناعية، صوراً تظهر حجم الشرخ الكبير في القشرة اﻷرضية الناجم عن الزلزال اﻷخير الذي ضرب تركيا وسوريا، مؤكدةً أنه اﻷقوى منذ نحو قرن من الزمن.
وقالت الوكالة في تقرير نشرته على موقعها الرسمي، إن الزلازل التي بلغت قوتها 7.8 و 7.5 درجة وتسببت في دمار واسع النطاق في كلا البلدين، نجمت عن حدثين رئيسيين؛ حيث انبثق الزلزال الأولي عن صدع على عمق 18 كيلومتراً تحت سطح الأرض.
وكان العمق الضحل لمركز الزلزال سبباً في أنه أحدث هزة عنيفة أثرت على مئات الكيلومترات فوق سطح اﻷرض، فيما أعقب الزلزال الأول هزة أخرى حدثت بدرجة قدرها 7.5 على مقياس ريختر بعد حوالي تسع ساعات، بالإضافة إلى مئات الهزات الارتدادية الأصغر.
وبدأ العلماء في وكالات الفضاء حول العالم – بما في ذلك وكالة ناسا – بمعالجة وتحليل بيانات الأقمار الصناعية ذات الصلة بالحدث عقب وقوعه، بحسب ما يؤكده “إريك فيلدنج”، عالم الجيوفيزياء في مختبر الدفع النفاث التابع للوكالة.
وقال “فيلدنج”: “كانت هذه زلازل كبيرة جداً وقوية، تمزقت القشرة اﻷرضية حتى السطح على مدى سلسلة طويلة من الصدوع”، وقد أدى ذلك إلى حدوث هزات قوية للغاية على مساحة كبيرة جداً أصابت العديد من المدن والبلدات المليئة بالسكان.
وكان طول الصدع وضخامة الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة مشابهاً لزلزال 1906 الذي دمر “سان فرانسيسكو”، بحسب عالم الجيوفيزياء اﻷمريكي.
وتُظهر الخريطة الأولية للضرر أجزاءاً من مدن “تورك أوغلو” و”كهرمان مرعش” و”نور داغي”، حيث تمثل وحدات البكسل ذات اللون الأحمر الداكن المناطق التي يحتمل أنها تعرضت لأضرار جسيمة في المباني والمنازل والبنية التحتية أو تغيّرات في المناظر الطبيعية، بينما تعرضت المناطق البرتقالية والصفراء لأضرار متوسطة أو جزئية.
ويبلغ عرض كل بكسل حوالي 30 متراً مربعاً (بحجم ملعب البيسبول تقريباً)، حيث أنشأ مرصد الأرض (جاكسا) في سنغافورة الخريطة بالتعاون مع مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة “ناسا” ومعهد “كاليفورنيا” للتكنولوجيا من خلال معالجة البيانات التي تم جمعها بواسطة أداة الرادار PALSAR-2 على القمر الصناعي المتقدم لرصد الأرض التابع لوكالة استكشاف الفضاء اليابانية (JAXA) & ( ALOS-2) في 8 فبراير 2023؛ مقدمةً من Sentinel Asia.
ويحمل القمر الصناعي راداراً ذا فتحة اصطناعية ترسل نبضات من الموجات الدقيقة باتجاه سطح الأرض وتستقبل انعكاسات تلك الموجات لرسم خريطة للمناظر الطبيعية، بما في ذلك المباني.
ومن خلال مقارنة بيانات 8 فبراير بالملاحظات التي قام بها نفس القمر الصناعي قبل الزلزال (في 7 أبريل 2021 و 6 أبريل 2022) تتبع العلماء التغييرات وبدأوا في تحديد المناطق التي من المحتمل أن تكون قد تضررت.
وأوضح التقرير أن الخريطة لا تغطي سوى الجزء المركزي من المنطقة المتضررة بسبب الرقعة الضيقة التي يبلغ طولها 70 كيلومتراً من بيانات الحزمة الدقيقة ALOS-2 المستخدمة، ولكنها تشمل بؤرتي الزلزال الرئيسي الذي بلغت قوته 7.8 درجة والتوابع الارتدادية بقوة 7.5 درجة.
وقال “فيلدينغ”: “لاحظ أن الفواصل الزمنية بين عمليات الاستحواذ على ALOS-2 تصل إلى عام واحد، لذلك قد تكون دقة الخريطة البديلة للضرر أقل في مناطق الغطاء النباتي، مثل الجبال، بسبب التغيرات الموسمية”.
ونوّه بأن بعض المناطق التي تم وضع علامة عليها على أنها متضررة في المناطق المزروعة، قد تكون تضررت أو لا، حيث ما يزال أعضاء برنامج الكوارث في العلوم التطبيقية لعلوم الأرض التابعة لـ”ناسا”، بالإضافة إلى المتعاونين الوطنيين والدوليين، في طور مشاركة خريطة الضرر والبيانات المستخدمة لإنشائها مع منظمات مثل وزارة الخارجية الأمريكية.
كما ستتم مشاركة الخريطة مع لجنة “كاليفورنيا” للسلامة الزلزالية، ومنظمة “مياموتو” العالمية للإغاثة من الكوارث، والبنك الدولي.
ويشارك فريق الباحثين في دعوات التنسيق المستمرة التي تستضيفها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لتقييم احتياجات أصحاب المصلحة في المنطقة وتقديم الخبرة العلمية لدعم تقييم المخاطر وجهود التعافي.
من جانبها قالت “شانا ماكلين”، مديرة البرنامج: “نحن نراقب هذا الحدث عن كثب؛ فبالإضافة لرسم خرائط الأضرار من الأقمار الصناعية، نستخدم تلك الأقمار لتتبع مخاطر الانهيارات الأرضية المتزايدة وانقطاع التيار الكهربائي والطقس الذي قد يشكل تحديات لجهود الاستجابة”.
وأوضحت أنه “مع توفر بيانات جديدة، ينشر الفريق صوراً قريبة من الوقت الفعلي ومنتجات البيانات المتعلقة بالزلزال على بوابة رسم الخرائط الخاصة به”.
يُذكر أن البحث الذي أعدته “ناسا” اعتمد في تشكيل الصور على بيانات من هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية وبيانات من وكالة استكشاف الفضاء اليابانية ALOS-2، ومن مرصد “جاكسا” في مختبر سنغافورة للاستشعار عن بعد.