في السادس من الشهر الجاري، كشفت رسالة من نواب في مجلس الشيوخ اﻷمريكي، عن دورٍ محوري للإمارات العربية المتحدة بقيادة الرئيس “محمد بن زايد”، في محاولة دفع دول المنطقة لتطبيع العلاقات مع نظام اﻷسد، حيث كانت “أبو ظبي” في مقدمة موكب التطبيع، وقامت منذ عام 2018 بإعادة فتح سفارتها في دمشق، وسعت لتنشيط علاقاتها المالية والتجارية مع اﻷسد.
وتشي تصريحات سابقة لوزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” باتفاق وجهات النظر بين بلاده واﻹمارات حول هذه القضية، حيث حرص على التأكيد في زيارته الماضية لـ”أبو ظبي” في تشرين اﻷول الفائت، على ضرورة “عودة سوريا لمحيطها العربي”، وهو ما كان قد أدلى به في زيارة أخرى سبقتها بأشهر، وهو أيضاً ما أعلنه مسؤولون إماراتيون.
وحاولت “أبو ظبي” وبقوة دفع القمة العربية اﻷخيرة في الجزائر، نهاية العام الماضي، إلى أن تكون قمة لعودة اﻷسد نحو ما أسمته “المحيط العربي”، لكنها اصطدمت بمواقف رافضة كانت قطر في مقدمتها.
ونقلت جريدة “الشرق اﻷوسط” السعودية عن مصادر خاصة، في تقرير نشرته مطلع الشهر الجاري، أن اﻹمارات تبذل جهوداً مستمرة، لترتيب مشاركة وزير خارجيتها “عبد الله بن زايد” في اللقاء التركية المرتقبة مع نظام اﻷسد والروس، لتصبح رباعية.
كما عرضت الإمارات – وفق الصحيفة نفسها – استضافة قمة تجمع “بشار اﻷسد” بالرئيسين التركي والروسي، فيما قد يشارك فيها “مسؤول إماراتي رفيع” في حال عقدت بموسكو.
وكان “الأسد” قد زار الإمارات منتصف العام الماضي والتقى بالرئيس الإماراتي، قبل أن يزور وزير خارجية اﻷخير “عبد الله بن زايد” دمشق، في تشرين الثاني الماضي، ثمّ في كانون الثاني الحالي.
وبالعودة للرسالة اﻷمريكية فقد أكد أعضاء مجلس الشيوخ رفضهم للموقفين التركي واﻹماراتي في السعي لتطبيع العلاقات مع نظام اﻷسد، بعد يومين فقط من تأكيد وزارة الخارجية الأميركية أن سياسات واشنطن تجاه النظام لم تتغير، وأنها لا تدعم البلدان الأخرى في تطبيع علاقاتها معه.
وقالت لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس: إن “التواصل الدبلوماسي الأخير بين تركيا والإمارات مع الأسد، سيؤدي للفشل في تعزيز الأمن الإقليمي وتقويض جهود محاسبة النظام”، مشيرةً إلى تعليق للصحفي اﻷمريكي المختص بالشؤون السورية واﻹيرانية “تشارلز ليستر”؛ قال فيها إن ما يجري حالياً هو نتيجة جهود تتزعمها اﻹمارات جنباً إلى جنب مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في المنطقة.
وأوضح “ليستر” أن اﻹمارات سعت في اﻵونة اﻷخيرة إلى الدفع بالعلاقات بين اﻷردن ونظام اﻷسد نحو التطبيع، لكنّها اليوم تُركّز جهودها على تركيا، بعد أن تراجع اندفاع “عمّان” نحو النظام.
وسعت اﻹمارات مؤخراً إلى تطبيع علاقاتها مع تركيا، بعد توتّر شديد عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، والتي اتهمت وسائل إعلام تركية “أبو ظبي” بدعمها، وشهدت نهاية العام الماضي توقيع اتفاقيات اقتصادية ضخمة بين الجانبين.
لماذا التطبيع؟
أكد تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي“، منذ أيام، تحت عنوان “لماذا تلعب اﻹمارات لعبة طويلة في سوريا؟”، أن “أبو ظبي تستخدم الثغرات” لتعزيز العلاقات مع النظام، بينما “تخفف الولايات المتحدة موقفها من الأسد”.
وربط التقرير بين عملية “إعادة اﻹعمار” المرتقبة، وبين مسعى اﻹمارات، مرجحاً أن تكون “في قلب العملية بعد الصراع”، ومعتبراً أنها تحاول استخدام العلاقات مع اﻷسد “كورقة مساومة لتعزيز مكانتها كقوة وسطى إقليمية”.
وتتلخص الرؤية اﻹماراتية في أن تكون مشاركاً فاعلاً في المشهد، بدلاً من أن تكون مجرد متفرج سلبي في سوريا، وفقاً للتقرير نفسه، والذي أكد على أن “الأسد مجرد أداة يمكن للإماراتيين الاستفادة منها لوضع أنفسهم في موقع الوسيط العربي الرائد في سوريا ما بعد الثورة”.
وتعتمد إدارة الدولة الخليجية على تطوير وإنضاج “شبكات معقدة وسرية عبر جميع المجالات المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بجهاز صنع القرار الإستراتيجي”، بما يجعل من الإمارات العربية المتحدة عقدة رئيسية للتأثير الإقليمي، وقد “قدمت سوريا فرصة مثيرة للاهتمام للملكية الخليجية حيث بدأت اﻷمور تنقلب لصالح الأسد المنبوذ عالمياً”، وفقاً للدكتور “أندرياس كريج”.
ويرى الخبير البريطاني “كريج” وهو أستاذ مشارك في قسم الدراسات الدفاعية في مركز “كينجز كوليدج” بلندن ومؤلف كتاب “النظام الاجتماعي والسياسي والأمن في العالم العربي”، أن “أبو ظبي” تستغل الفراغ الإستراتيجي لتقديم يد الدعم للنظام، حيث “وجدت حليفاً أيديولوجياً في الأسد”، كما يرى أن “حاكم الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، يخوض حملة معادية ضد الإسلاميين والثورة” في سوريا.
وكان تقرير سابق لـ”ميدل إيست آي” في 2020 قد أكد أن “بن زايد” دفع بقوة باتجاه اجتياح إدلب، ومول حملة نظام اﻷسد العسكرية المشتركة مع الروس واﻹيرانيين.
ويحافظ وكلاء اﻷسد الرئيسيون على علاقات وثيقة مع الإمارات، كملاذ آمن لأموالهم، وكان قد ظهر العديد منهم في “منتدى الاستثمار الإماراتي – السوري” الذي استضافته أبوظبي في 2019.
وبدأت التجارة الثنائية في النمو حيث تمكن رجال الأعمال والشركات التابع لوكلاء اﻷسد من استخدام مكانة دبي كمركز مالي للوصول إلى الأسواق العالمية.
وعلى المستوى الإستراتيجي، أعادت “أبوظبي” ترتيب علاقاتها الأمنية مع النظام، حيث قدمت لضباط مخابرات اﻷسد دورات تدريبية في الإمارات، لكنّ هذا “الارتباط الإستراتيجي العلني”، انتهى مع تنفيذ واشنطن لعقوبات قانون “قيصر” في 2020.
ويشير “كوليج” إلى أن اﻹماراتيين يستغلون حالة عدم الوضوح وعدم الحسم في السياسة اﻷمريكية، مؤكداً أن بمقدور واشنطن أن تمنع جهود “أبو ظبي” في حال أرادت ذلك.
وفي الختام فإن فشل محاولة التطبيع اﻷردنية في مهدها، العام الماضي، والخلافات الكبرى والجوهرية مع تركيا حالياً، تشير إلى أن الجهود اﻹماراتية – حتى اﻵن على اﻷقل- لا تعدو كونها حملة علاقات عامة، ما لم تؤدّ إلى نتائج سياسية ملموسة، وهو ما يبدو بعيداً في ظل عجز النظام عن تقديم نتائج ملموسة لمتطلبات أنقرة اﻷمنية، ورفض اﻷخيرة القاطع للانسحاب، واستحالة حلّ ملفات سوريا بدون تحقيق الانتقال السياسي.