لم يعد لدى السوريين في مناطق سيطرة النظام إلا “الدعاء”؛ هكذا قال رئيس “جمعية الحلويات” التابعة لحكومة النظام، في إجابته على الحلول الممكنة إزاء إغلاق المخابز ﻷبوابها في العاصمة دمشق، بينما يرفض نظام اﻷسد للمرة اﻷولى إعطاء وعود حول موعد نهاية اﻷزمة.
ورغم اﻹعلان عن وصول ناقلة نفط إيرانية، إلا أن واقع الحال في مناطق سيطرة اﻷسد لم يتغيّر، بينما يتّخذ اﻷخير إجراءات لتقليل اﻷنشطة المختلفة وساعات الدوام، وسط توقعات بإمكانية توقف مرافق حيوية جداً خلال فترة قريبة.
هل تختلف هذه اﻷزمة عن سابقاتها؟
يرى “يوسف شعبو” الخبير الاقتصادي السوري في إفادته لـ”حلب اليوم”، أن هناك فرقاً بين اﻷزمة الحالية، واﻷزمات الخانقة التي مرت سابقاً، فالنظام “يعترف هذه المرة بعجزه وبأن الوضع ليس مؤقتاً وبأنه لا يستطيع فعل شيء”، فهو “أدرك أن وعوده لم يعد لها أثر والسوريون وصلوا لمرحلة من اليأس لم تعد تفلح معها الوعود”.
من جانبه؛ يرى الدكتور “عبد الحكيم المصري” وزير المالية والاقتصاد بالحكومة السورية المؤقتة، أن هناك فرقاً جوهرياً في اﻷزمة هذه المرة، ففي اﻷزمات السابقة كانت إيران هي من تتوقف عن دعم النظام أما اليوم فهي لا تستطيع إيصال النفط إليه، والاختلاف اﻷساسي في أن الداعمَين اﻷساسيّين للنظام غارقان بمشاكلهما.
ولفت “شعبو” إلى أن النظام لجأ لخصخصة القطاع العام من أجل تأمين المحروقات، في إشارة إلى قيام مجموعة “قاطرجي” بتزويد مناطق سيطرة النظام بالنفط، من منقطة شرقي الفرات، ولكن بسعر مضاعف ما “سيؤدي لغلاء كبير في اﻷسعار مع ضعف القدرة الشرائية الضعيفة أصلاً لدى السوريين”.
وتوقع الخبير السوري مزيداً من الانهيار في سعر الصرف، مع اقترابه من حاجز الـ6000 للدولار الواحد، و”مشاكل اقتصادية جمة”، فيما باتت اﻷسعار بمناطق سيطرة النظام، وخاصةً دمشق، مرتفعةً جداً، وأعلى من مثيلاتها في دول مجاورة، وفي العالم، بحسب ما نقله موقع “أثر برس” الموالي، أمس اﻷربعاء، عن مسؤول بحكومة النظام.
كما أعرب “شعبو” عن تخوّفه من القادم اﻷكثر سوءًا، لافتاً إلى أن “الوضع مع اﻷسف من سيء إلى أسوأ ومن المرجح أن يزداد سوءاً خلال السنوات القادمة”، مع ازدياد الفقر وانعدام وسائل التدفئة والبرد.
هل أفلس النظام؟ أم أن العقوبات هي السبب؟
أشار الدكتور “المصري” إلى أن “اﻷزمة ليست جديدة فمنذ الثمانينيات كذب حافظ اﻷسد على السوريين عبر الترويج لكون اﻷزمة ناتجة عن عقوبات ومؤامرة وتبين أن ذلك غير صحيح، واليوم يتكرر المشهد”.
وكان نظام اﻷسد قد ألقى باللوم على الولايات المتحدة لاحتجازها ناقلة نفط إيرانية في اليونان، متحدثاً عن “مؤامرة” و”عقوبات”، ولكن مع مضي أسبوع كامل (حتى اليوم الجمعة) على اﻹفراج عن الناقلة وتفريغ حمولتها، لم يتغيّر شيء على أرض الواقع.
يؤكد وزير المالية أن النظام يتعذّر بقانون قيصر ولكن “اﻷزمة المالية وضعف الرواتب وعدم وجود ناتج محلي أمور موجودة قبل القانون”، والمشكلة الحقيقية هي أنه “لم تعد لديه أموال ولا أحد يبيعه النفط لعدم وجود المال”.
وكشف موقع “أثر برس”، في تقرير نشره خلال شهر آب/ آغسطس الماضي، أن نظام اﻷسد يستورد النفط من إيران بالدين، والذي يتراكم على الخزينة العامة للدولة السورية، فيما يرفع أسعاره داخلياً بشكل مستمر على حساب السوريين بدعوى غلاء اﻷسعار العالمي.
وأكد المصدر نفسه أن حكومة اﻷسد تستقدم النفط بخطّين ائتمانيّين؛ اﻷول “عام” وهو بمنزلة دين على “الحكومة السورية” والثاني “خاص” تتمّ تسوية أموره المالية بين المستوردين والحكومة اﻹيرانية.
وأوضح “شعبو” أن قضية المحروقات ليست جديدة ولكن خلال آخر عامين زاد الوضع سوءًا، فلجأ النظام إلى تخفيف الدعم عبر تخفيض الكميات والشرائح واستبعاد أشخاص، أما العقوبات فهي “لا تشمل الجوانب المدنية كالغذاء والدواء والمحروقات، بل فقط التصنيع العسكري والعمليات الحربية”.
وتكمن المشكلة الحقيقية في “تخلي حلفاء النظام عنه” تحت ضغط أزماتهم الداخلية، فقد “كان هناك خط ائتماني روسي – إيراني ودعم متقطع للنظام”، ومع غلاء المحروقات عالمياً واﻷزمات التي عصفت بإيران وروسيا، “أدارتا ظهرهما للنظام وتوقفتا عن دعمه كنظام بينما لا تزال مصالحهما موجودة”.
وأكد الخبير الاقتصادي أن “الحقيقة هي أن اﻷسد بات عاجزاً عن تأمين أي شيء للمواطنين وبات وضعه مكشوفاً على حقيقته”، فمع رفع إيران وروسيا يدهما عنه اقتصادياً “كُشف على حقيقته من ناحية الخدمات”.
من جانبه تسائل الوزير “المصري”: “هل قانون قيصر دمّر البنية التحتية؟”، لافتاً إلى أن اﻷزمات كانت موجودة قبله ولكنه ربما زاد من حدتها، “فاﻷسد هو من دمر البلاد وأفقدها اﻹنتاج وتسبب بالعجز التجاري”.
وأضاف أن النظام ليس لديه احتياطي من العملة الصعبة أو الذهب للشراء، والحديث عن احتجاز أمريكا لناقلات النفط هو “شماعة يعلق عليها أسباب فشله أمام المؤيدين”، وأن “سبب اﻷزمة الحقيقي هو وجود هذا النظام في الحكم”.
ورغم أن هناك أزمة عالمية في الوقود بعد غزو أوكرانيا، ولكن المشكلة الجذرية – وفقاً للمصري – هي “افتقاد النظام للمال لشراء كافة السلع بما في ذلك الطحين وحليب اﻷطفال فالنظام المجرم هو السبب وراء هجرة الشباب والناس والمنتجين”.
كما رآى أيضاً أن “اﻷسد كان يعتمد على دعم روسيا وإيران ولكن أزمة المظاهرات بإيران والحرب الروسية على أوكرانيا منعتهما من مواصلة الدعم”.
هل اﻹفلاس يمكن أن يسقط النظام؟
أرسل أحد الممثلين الموالين للنظام رسالةً مصورةً لبشار اﻷسد تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي منذ أيام، ناشده فيها لـ”التدخل” مؤكداً أن الناس وصلت إلى مرحلة غير مسبوقة، وتعاني من وضع لا يُحتمل.
ومنذ مطلع العام الحالي أغلقت عشرات المعامل أبوابها في حماة وحلب ودمشق، كما توقف عدد كبير من المداجن عن العمل، وهاجر عدد غير معروف ممن تبقى من التجار وأصحاب رؤوس اﻷموال إلى خارج البلاد، مع تراجع عدد ساعات وصل الكهرباء إلى الصفر أحياناً في اليوم.
كما يشتكي موالون من “الجوع” بالمعنى الحرفي وليس المجازي، معبرين عن حالة من السخط، واليأس، وتؤكد اﻷرقام تزايد اﻹقبال على المهدئات النفسية واﻷدوية المضادة للاكتئاب وارتفاع معدلات الانتحار.
ورغم أن اﻷزمة الجديدة ستزيد الوضع سوءاً، وقد تسبب توقف المشافي والمنشآت الحيوية وغيرها، ورغم أن “النظام بات عاجزاً من الناحية المادية والعملياتية”، لكنّ “شعبو” يرى أن كلّ ما سبق “لا يدل على أنه وصل إلى اﻹفلاس بل لديه القدرة على الاستمرار لسنوات”.
قد تكون “الدولة أفلست كدولة” – بحسب الخبير السوري – لكن “النظام يستطيع الاستمرار لسنوات ما لم تحدث تطورات سياسية أو عسكرية على اﻷرض”، ففي هكذا أوضاع “تستطيع اﻷنظمة الشمولية الاستمرار وتمنح ميليشياتها وأعوانها مزيداً من السلطات خوفاً من تحركها ضدّها، ما يعني أن هناك فئات محسوبة على النظام ستستفيد من اﻷزمة”.
وشاركه “المصري” الرأي مشيراَ إلى أن “النظام ليست لديه أدوات لكنه لا يعترف بالواقع منذ البداية”، فمنذ عام 2011، “قال وليد المعلم عندما سُئل عن الموقف من اﻷزمة: أي أزمة؟ هل توجد أزمة؟”!.
وأكد أن صادرات النظام اليوم لا تتجاوز 500 مليون دولار خلال العام الماضي بينما وارداته هي ما بين 5 – 6 مليار دولار، وهذا عجز تجاري كبير، أي أن “النظام فاقد لكل شيء ويعتمد على دعم حلفاءه”.
وفي النهاية فإن الحل كما يرى الوزير السوري، هو “إعادة سوريا ﻷهلها وعودة أبنائها اﻷحرار”، وتحقيق الحل السياسيي فـ”اﻷسد وزمرته المجرمة القذرة هم السبب”، و”لا حل إلا بأن يتركوا البلد ﻷهلها”.