أثارت التحركات اﻷخيرة لمسؤولين في الأمم المتحدة تجاه نظام اﻷسد اتهامات للدول الغربية والمنظمة الدولية بالسعي لتطبيع العلاقات معه، فيما يرى البعض أن تلك التحركات لا ترقى إلى هذا المستوى.
وغادرت مقررة الأمم المتحدة “ألينا دوهان” دمشق يوم الخميس الفائت، بعد قضائها مدة أسبوعين في مناطق سيطرة النظام، ولقائها بمسؤولين من نظام اﻷسد، وعقدها اجتماعاً في “مجلس الشعب” بعيداً عن وسائل اﻹعلام، وختمت زيارتها بالدعوة لرفع العقوبات المفروضة على النظام، بحجة تأثيرها على الوضع اﻹنساني في سوريا.
وستقدّم “دوهان” تقريرها إلى مجلس حقوق اﻹنسان واﻷمم المتحدة، بعد مناقشات مع المعنيين، وذلك خلال اﻷشهر القادمة.
جاء ذلك بعد أيام من زيارة وفد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية للعاصمة السورية دمشق، ولقاءه نهايةَ الشهر الماضي، بعدد من مسؤولي النظام، وعلى رأسهم “أسماء اﻷسد”، لبحث “تقديم الدعم للدولة السورية في مواجهة مرض السرطان”.
وأثارت زيارة عن “أحمد المنظري”، المدير الإقليمي لـ”منظمة الصحة العالمية”، إلى دمشق ولقاؤه بـ”بشار اﻷسد”، استياءً في أوساط المعارضة، حيث أكد أن المنظمة تنسق مع سلطات النظام لاحتواء تفشي “الكوليرا”، كما سلّم المساعدات المخصصة للشمال الشرقي والغربي إلى النظام.
وفي آب/ آغسطس الماضي، أثارت زيارة وفد من بعثة الاتحاد اﻷوروبي إلى مناطق سيطرة النظام، موجةً من الانتقادات اللاذعة، حيث تمّ تقديم دعم لمختلف مشاريع البنى التحتية، وهو ما اعتبره الموفدون أمراً “إنسانياً” رافضين أن يكون له “أبعاد سياسية”.
هل لهذه الزيارات علاقة بالتطبيع؟
اعتبر “فضل عبد الغني” مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في إفادته لـ”حلب اليوم” أن “الخطاب الذي تتخذه بعض المنابر اﻹعلامية المعارضة حول تطبيع اﻷمم المتحدة والمجتمع الدولي مع النظام يحمل طابع المبالغة، ويصب في صالح نظام اﻷسد”.
وكانت “الشبكة السورية” و”منسقوا استجابة سوريا” قد رفضا زيارة “دوهان” اﻷخيرة إلى دمشق ومناطق أخرى بسوريا، كما رفضا تصريحاتها حول ضرورة رفع العقوبات عن النظام.
لكنّ “عبد الغني” يرى أن اﻷمر لا يرقى إلى التطبيع حيث أنه “لم يزر النظام أيُّ من المسؤولين الغربيين ولا من مسؤولي المنظمات البارزين”، وأن أغلب الإجراءات في هذا اﻹطار “روتينية”، منوهاً بأن النظام هو الذي يروّج لذلك عبر إعلامه.
وكانت الخارجية الألمانية، قد رفضت دعوة المقررة الخاصة للأمم المتحدة لرفع العقوبات عن النظام، موضحةً أنها “تشكك في المنهجية التي توصلت فيها السيدة دوهان إلى استنتاجاتها”.
وأعلن الاتحاد اﻷوروبي قبل يومين عن إدخاله أسماءً جديدة من المرتبطين مع نظام اﻷسد في قائمة عقوباته، بعد أيام من تأكيده على ضرورة تحقيق “الحل السياسي” في سوريا.
ولفت “عبد الغني” إلى أن المقررة التي ذهبت مؤخراً إلى دمشق هي “عبارة عن موظفة خبيرة وليست مسؤولة في اﻷمم المتحدة ومهمتها تنحصر في تقديم تقرير”، مؤكداً أن الشبكة لا تدعو للتقليل من حجم هذه التحركات، ولكنها في المقابل لا تؤيد “تضخيمها” فهو “يصب في صالح النظام”.
وأوضح أن “دوهان” ستقدم تقريرها لـ”مجلس حقوق اﻹنسان” وأن كافة قرارات اﻷخير كانت ضدّ النظام، لذا فإنه لا يتوقع تجاوباً معها في هذا اﻹطار، كما أشار إلى أن “سياسة الاتحاد اﻷوروبي واضحة وتؤكد أنه لا تطبيع مع النظام”، وذلك على الرغم من بعض التحركات التي قد تأتي في إطار “الضرورة”.
تراجع الدعم اﻹنساني للشمال الغربي
ربط فريق “منسقوا استجابة سوريا” في بيان سابق، بين التراجع الكبير في المساعدات اﻹغاثية المقدمة لشمال غربي سوريا، وبين تزايد ما أسماها جهود “التطبيع” مع نظام اﻷسد، محذراً من تبعات ذلك على ملايين النازحين.
لكنّ مدير “الشبكة السورية” اعتبر أن تراجع المساعدات المقدمة لشمال غربي سوريا، هو “ملف منفصل تماماً” عما يسمّى بمساعي التطبيع.
وتشير التقارير إلى تراجع حادّ في المساعدات العابرة للحدود، مع اقتراب موعد انتهاء التفويض الممنوح من المجلس الدولي لتمديد آلية عمل معبر “باب الهوى” اﻹنساني، شمالي إدلب.
وفيما تركّز الولايات المتحدة على دعم شرق الفرات “إنسانياً”، فإن القوافل اﻹغاثية العابرة إلى إدلب تتناقص بشكل مستمر، تمهيداً لتحويل دخولها إلى مناطق سيطرة “اﻷسد”، أي “عبر خطوط التماس”، وهو ما يحذّر “منسقوا الاستجابة” من أنه سيمنح النظام إمكانية التحكم بتلك المساعدات.
واعتبر “عبد الغني” أن بعض التحركات من المنظمات اﻷممية قد يكون مداناً، لكن “بعضها نتفهّمه ﻷنهم يتعاملون مع النظام كسلطة أمر واقع”.
وأضاف: “ما نخاطب به المنظمات الأممية هو أن عليهم أن يتذكروا أن هذا النظام أجرم بحق المدنيين وأن عليهم عدم التعامل معه، وإذا كان من الممكن عدم مقابلة مسؤوليه فهذا هو اﻷولى”.
وأكد في مداخلة سابقة مع “حلب اليوم” صحة التقارير حول تورط جهات داخلية من اﻷمم المتحدة في ملفات فساد مع مسؤولين بنظام اﻷسد، دون أن تقوم اﻷمم المتحدة بالتحقيق في ذلك، لافتاً إلى وجوب تسليط الضوء على المسألة.
وفي 2019 أكد “جو ويلسون” عضو الكونغرس الأمريكي عن ولاية “ساوث كارولينا”، أن الأمم المتحدة موّلت أحد أبرز داعمي النظام وهو “سامر فوز”، المُدرج على قائمة العقوبات، موضحاً أن هذا يُظهر فقط جزءاً من جبل الجليد فيما يتعلق بعمل الأمم المتحدة في سوريا.
وفي النهاية فإن المجتمع الدولي يؤكد أن الحل السياسي وفق القرارات الدولية بما يتضمّن انتقال السلطة وإجراء انتخابات نزيهة هو الحلّ الوحيد الكفيل بإنهاء المعاناة اﻹنسانية، وأن مجرّد إعادة العلاقات مع نظام اﻷسد بشكلٍ طبيعيّ ليس كفيلاً بحلّ مشكلات البلاد وآثارها على المنطقة والعالم.