تتصاعد مشاعر الخوف في نفوس اللاجئين السوريين بدول الجوار من إمكانية انطلاق برامج ﻹعادتهم قسراً إلى مدنهم وقراهم التي ما يزال نظام اﻷسد يسيطر عليها، على الرغم من تحذيرات اﻷمم المتحدة و”هيومن رايتس ووتش” و”العفو” الدولية.
ويوجد في تركيا ما يقرب من أربعة ملايين سوري، بينما تجاوز عددهم في لبنان – حسبما أعلنه المدير العام للأمن اللبناني منذ يومين – المليوني شخص، ويوجد في اﻷردن نحو 800 ألف؛ وفقاً لتقديرات الحكومة.
وتتركّز اﻷنظار في الوقت الحالي على لبنان، التي يعيش فيها اللاجئون حالةً من عدم اليقين بخصوص مستقبلهم، مع استمرار التضييق عليهم، في بيئة طاردة ومحرّضة – وفقاً لـ”هيومن رايتس” – وخيرَتِهم ما بين البقاء أو العودة إلى سلطة نظام اﻷسد.
وغادرت أول دفعة من اللاجئين السوريين لبنان (100 عائلة) إلى ديارهم بموجب “خطة جديدة” يوم الأربعاء الفائت، وذلك بتنسيق بين مدير اﻷمن اللواء “عباس إبراهيم” ومخابرات نظام اﻷسد.
وتقتضي “الخطة” المزعومة تقديم قوائم للنظام بأسماء الراغبين بالعودة، لتقوم أجهزة أمن “اﻷسد” بدراستها وتحديد من يمكن السماح له بالعودة إلى منزله، دون التعرّض له، بحسب تأكيدات حكومة تصريف اﻷعمال.
ويؤكد تقرير لوكالة “رويترز” نشرته منذ أيام أن “قليلين فقط من اللاجئين في المخيمات المتهالكة بسهل البقاع في وسط البلاد أبدوا استعداداً لتسجيل أنفسهم”.
وتقول منظمات حقوقية إن البرنامج قد لا يكون “طوعياً”، كما تدّعي بيروت، حيث تتم ممارسة ضغوط على السوريين، أقر بها اللواء “إبراهيم” يوم الخميس الفائت، حيث أكد أن 42% من نزلاء السجون هم سوريون، وأن هناك منهم من هو على صلة بـ”ملفات إرهاب” أو “مشاكل قضائية وثأرية”، موضحاً أن من يعمل بلا إقامة أو إجازة عمل هو أيضاً معرّض للسجن والملاحقة.
يقول أحد اللاجئين السوريين في لبنان (عبد الكريم . ح) وهو أب خمسيني لـ6 أولاد، في حديثه لـ”حلب اليوم” إنه بات في حالة من الحيرة والقلق اليومي، فالحياة في لبنان تزداد صعوبةً وقساوةً، فيما ينتظره السجن في أقبية المخابرات حالة عودته لبلدته.
كلّ ما يطمح له “عبد الكريم” هو أن يستطيع الهجرة إلى أوروبا، لكنّ ذلك بات مكلفاً جداً اﻵن، وهو إلى جانب مئات آلاف الرجال يبحثون عمن يستدينون منه مبلغاً يعتبر كبيراً بالنسبة للسوريين.
تقول السورية “منال” البالغة من العمر 29 عاماً، لوكالة “رويترز” إنها تعيش حياة صعبة في مخيم سهل البقاع، متسائلةً بلهجتها العامية: “كيف بدنا نروح وفيه حرب؟”.
وكان جهاز الأمن العام في لبنان قد استلم ملف اللاجئين منذ عام 2018، وقام منذ ذلك الحين بإعادة نحو 400 ألف فروا من بلادهم، تحت خطر التصفية واﻹخفاء القسري.
وبحسب ادعاءات “بيروت” فقد بحث اﻷمن اللبناني مع أمن النظام ما إذا كان هؤلاء الأفراد قد صدرت بحقهم أية أوامر اعتقال، قبل أن يوفر لهم النقل عبر الحدود، وهو ما أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين رفضه.
ولكنّ اللواء “عباس إبراهيم” كشف في حديثه للصحفيين يوم الخميس الماضي، أن 7 دول أوروبية اطلعت على تفاصيل خطة لبنان، وأنها لم تبدِ أي اعتراض، وأن حكومة تصريف اﻷعمال لا تقوم بشيء يخالف اﻹرادة الدولية.
ويؤكد “إبراهيم” هنا بشكلٍ غير مباشر، أن ما يجري على اﻷرض وداخل اﻷبواب المغلقة، مختلف عنا يتم التصريح به.
من جانبها أصدرت منظمة “العفو” الدولية، تقريراً مفصلاً عن حالات وقصص مأساوية لعائدين إلى مناطق سيطرة اﻷسد، موضحةً أن اﻷمر غير ممكن ما لم يتم تحقيق حلّ سياسي حقيقي.
وقالت “ديانا سمعان”، الباحثة في الشؤون السورية لدى المنظمة إن “سوريا ليست آمنة للعودة”، وإنه ليس من المرجح أن يكون لدى اللاجئين الذين يبدون رغبتهم في العودة معلومات دقيقة عن الأمن وتوافر الخدمات في بلداتهم.
وأوضحت “منال” أن مسقط رأسها في محافظة “دير الزور” بأقصى شرق سوريا، مقسم إلى مناطق بين الفصائل المتحاربة، مثله مثل معظم أنحاء البلاد، ويشن مقاتلون من تنظيم “الدولة” هجمات كر وفر هناك، بينما تسيطر قوات “قسد” المدعومة من الولايات المتحدة على بعض المناطق وتسيطر الميليشيات التابعة للنظام على مناطق أخرى.
وأضافت أنها فقدت ولديها في غارة جوية هناك منذ عدة سنوات، وفرّت إلى لبنان مع ابنتيها، وتكسب ما يزيد قليلاً عن دولارين في اليوم من حرفة فرز الحطب لبيعه للمواقد، وقالت: “أفضل نعيش بالذل من إنه أخسر ناس أكثر بحياتي، أنا مش مستعدة أخسر بناتي للحرب”.
وخلصت منظمة “العفو” إلى أن من عادوا سابقاً تعرضوا لانتهاكات حقوقية من بينها الاحتجاز والتعذيب والاغتصاب والإخفاء القسري.
اللاجئون في تركيا
تقوم الحكومة التركية بنموذج يراه السوريون أفضل حالاً من “الخطة اللبنانية”، وإن كانوا يبدون اعتراضهم على ما يحصل، حيث تحوّلت تركيا أيضاً إلى بيئة ضاغطة على اللاجئ السوري بسبب جملة القوانين واﻹجراءات الصعبة التي اتخذتها وزارة الداخلية مؤخراً.
ومع تزايد أسباب الترحيل ووصول عدد المعادين إلى بلادهم في الشمال السوري، بسبب “تجاوز القانون” إلى أكثر من نصف مليون، تعمل الحكومة على تشجيع العودة الطوعية من خلال تقديم إغراءات.
ويوضح وزير الداخلية “سليمان صويلو” أنه قد يصبح بإمكان السوري تملّك بيت مجهّزٍ من الطوب، من بين مئات آلاف البيوت التي تبنيها بلاده في شمال غربي البلاد، في حال قرّر هذا اللاجئ العودة طوعاً وبتنسيق مع الحكومة.
يقول “فاروق أحمد” وهو مواطن سوري مقيم في ولاية “غازي عنتاب” جنوبي تركيا، في حديث سابق لـ”حلب اليوم” حول المعوّقات التي تواجه السوريين في ملف استئجار المنازل، إن الأمر بات صعباً بالفعل.
ولفت إلى أن الحكومة وضعت قائمة تحدّثها دائرة الهجرة كلّ حين، وقبل استئجار أي منزل ينبغي التأكيد على إمكانية تثبيت عنوان السكن لدى دائرة النفوس والهجرة، أي أن يكون ضمن المناطق المسموح للسوريين والأجانب السكن فيها، كما ينبغي التأكد من أن العنوان الذي يود المستأجر السوري الانتقال إليه غير محظور، كما يُضاف غلاء أسعار الإيجارات إلى قائمة المعاناة حيث يصل البيت المؤلف من غرفة واحدة صغيرة قرب جامعة “غازي عنتاب”، وهي منطقة معروفة إلى 2500 ليرة تركية، أي تقريباً نصف راتب من يعمل وفق قرار “أجور الحد الأدنى للعمال”، والذي يبلغ 5200 ليرة تركية.
كما أشار “أحمد” إلى عدم توفر البيوت حيث العرض قليل والطلب كثير جداً و”من يحظى على بيت يكون في ألف نعمة”، و”للأسف فإن الكثير من المؤجرين عندما تقول له أنا سوري يقول لك أنا آسف لا أؤجر سوريين، وكثيراً من نحاول إقناعهم وأن ليس كل السوريين سيئين كما الأتراك، يقول في نهاية الحديث دعنا نفكر”، وتساءل “فاروق”: “لا أعرف إذا كانت تصح تسمية ذلك بالعنصرية”.
وتهدف تركيا إلى بناء 100 ألف منزل بحلول نهاية العام الجاري، على أن تليها مساكن أخرى خلال العام القادم، وقد وصل عدد المنازل التي سُلّمت لسكّانها إلى نحو 60 ألف منزل، في 259 نقطة، بحسب ما أعلنه وزير الداخلية التركي “سليمان صويلو”، في حزيران/ يونيو الماضي.
ويدعو الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” المجتمع الدولي إلى دعم مشروع بلاده ﻹنشاء التجمعات السكنية ﻹيواء النازحين في شمال سوريا، ضمن “المناطق اﻵمنة”.
وكانت مسؤولة في حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، قد أعلنت الشهر الماضي عن توقعات باستكمال عودة السوريين نهاية عام 2023 المقبل، فيما يعتبر بعض المراقبين أن هناك علاقةً ما بين تصريحات وإجراءات الحكومة، وبين ملف الانتخابات المرتقبة.
اللاجئون في اﻷردن
تطالب عمّان بدعمها في استضافة السوريين بشكلٍ مستمر، غير أنهم لم يشتكوا من إجراءات تضييقية، كما أن الحكومة اﻷردنية لم تتحدّث عن إعادتهم في الوقت الحالي.
وكان النظام قد افتتح معبر “نصيب” عقب سيطرته على محافظة “درعا” في أجواء احتفالية لاستقبال “الراغبين بالعودة لحضن الوطن”، لكنّه فشل في استقطاب السوريين، وسط تشكيك في رغبته بعودتهم.
وتتلقى الحكومة اﻷردنية معونات دولية لـ”دعم المجتمعات المضيفة للاجئين”، وسط حالة من الركود والثبات المستمرة في الملف.
وفي النهاية تتقاطع الآراء السياسية والحقوقية واﻹنسانية عند ضرورة إيجاد حل سياسي يتضمن انتقالاً جوهرياً للسلطة بما يكفل انتهاء الحرب، من أجل أن تصبح قضية العودة الطوعية آمنة وممكنة.