بقي أسبوع واحد على موعد بدء تنفيذ الخطة التي وضعتها حكومة تصريف الأعمال اللبنانية لإعادة اللاجئين السوريين، إلى مناطق سيطرة اﻷسد، مما يجعل أكثر من مليون ونصف المليون إنسان في حالة من القلق والرعب، خصوصاً مع الانتهاكات الفظيعة التي وقعت بحق من عادوا “طوعًا”.
وتمّ تحديد أسماء الدفعة الأولى التي ستغادر البلاد متجهة إلى سوريا في الأيام المقبلة، حيث تقوم خطة السلطات اللبنانية على إعادة 15 ألف لاجئ شهرياً، إلا أن عدد العائلات التي سجلت أسماءها بلغ كما يقول وزير المهاجرين “عصام شرف الدين”، 460 عائلة من بلدة عرسال، 30 عائلة من مدينة يبرود، 49 عائلة من قرية جراجير، 47 عائلة من مدينة قارة، 212 عائلة من قرية المشرفة (فليطة)، 56 عائلة من قريتي رأس المعرة ورأس العين، 44 عائلة من قرية السحل، 22 عائلة من قرية الصخرة (بيوتها مسواة بالأرض بالتالي هذه العائلات تحتاج إلى مركز إيواء)، إضافة الى 235 سيارة سورية.
وأكد لموقع “الحرة” أنه قام بتسليم اﻷسماء إلى “المديرية العامة للأمن العام اللبناني، الاثنين، وبدورها أرسلتها إلى وزارة الإدارة المحلية السورية، في انتظار انطلاق القافلة الأولى”.
سوء الأوضاع يدفع بالسوريين إلى قوارب الموت
تتوالى الانتهاكات بحق السوريين في لبنان، وبدوافع عنصرية، حيث يتم تحميلهم مسؤولية أزمات البلاد الاقتصادية والمعيشية، وهو ما يقوله مسؤولو الحكومة وأجهزة اﻹعلام.
وتعرض ثلاثة سوريين أمس ﻹطلاق نار من قبل مجهولين في قضاء الهرمل، بعد رفضهم الخضوع لمحاولة سلب وابتزاز، فيما يستمر التعذيب والاحتجاز التعسفي بحق السوريين في المراكز اﻷمنية.
وقالت “هيومن رايتس ووتش“، و”المفكّرة القانونية”، و”منظمة العفو الدولية”، و”منّا لحقوق الإنسان” أمس الأول الاثنين إن على السلطات القضائية اللبنانية إحالة التحقيق مع عناصر وضباط قوى الأمن المدعى عليهم بتعذيب لاجئ سوري والتسبب بوفاته من القضاء العسكري، غير العادل بطبيعته، إلى القضاء الجزائي العادي، حيث كان شاب سوري قد توفّي جراء التعذيب في مركز تابع لقوات اﻷمن منذ شهر، وتحدثت الحكومة عن “فتح تحقيق”.
وأفادت تقارير المنظمات عن قيام عناصر من أحد أجهزة الاستخبارات اللبنانية، “المديرية العامة لأمن الدولة” (أمن الدولة)، بتعذيب بشار عبد السعود (30 عامًا) بعد توقيفه في 30 آب 2022، حيث توفي متأثرا بجراحه في 31 آب، وظهرت آثار الكدمات على جثته.
وأوضحت “هيومن رايتس” أن معظم القضاة في المحاكم العسكرية هم ضباط من الأجهزة العسكرية والأمنية، يعيّنهم وزير الدفاع، ولا يُشترط عليهم حيازة شهادة في القانون أو تدريب قانوني، كما لا يمكن للمنظمات الحقوقية والإعلام متابعة المحاكمات العسكرية إلا بإذن مسبق من القاضي الذي يرأس الجلسات، ما يجعل محاكمة الجناة غير عادلة.
وكانت النيابة العامة التمييزية أحالت شكاوى سابقة بشأن جرائم التعذيب إلى القضاء العسكري خلافاً للقانون، منها الشكوى المقدّمة من قبل الممثل زياد عيتاني في تشرين الأوّل 2018 ضد عناصر في أمن الدولة، وشكاوى التعذيب المقدّمة من قبل 17 متظاهراً في كانون الأوّل 2019 على خلفية الاحتجاجات التي عمّت لبنان، فيما وافق المدعي العام العسكري والمدعي العام التمييزي في أبريل/نيسان 2019 على نقل شكوى عيتاني إلى القضاء العدلي تبعاً لطلبه، لم يتم الإدعاء على أحد في هذه القضايا لغاية اليوم.
وتؤكد “ديانا سمعان”، نائبة مديرة الشرق الأوسط بالإنابة في منظمة العفو الدولية أن “الإفلات من العقاب على التعذيب ما يزال شائعاً”.
أمام هذا الواقع المرير والتهديدات التي تواجه اللاجئين باﻹعادة لحكم اﻷسد، ونتيجة للانهيار الاقتصادي الذي شهدته البلاد خلال عامي 2021 و2022، يقومون بركوب القوارب، في رحلة محفوفة بالمخاطر إلى أوروبا، حيث نشطت مؤخراً حركة اللجوء في صفوفهم بشكل لافت.
وتختزل حادثة غرق مركب اللجوء بالقرب من الشواطئ السورية، الخميس الماضي القضية، بما فيها من مشاهد الرعب لضحايا الغرق حيث وصلت حصيلة الوفيات إلى ما يقرب من 100 شخص.
ويسلط تقرير لقناة “الجزيرة” الضوء على ازدياد وتيرة الهجرة غير النظامية للسوريين عبر السواحل اللبنانية إلى أوروبا تزامنا مع إعلان السلطات اللبنانية نيتها افتتاح 17 مركزا لترحيلهم في كافة أرجاء البلاد، إلى جانب تدهور الأوضاع المعيشية في البلدين معاً.
ويصرّ كثير منهم على الهجرة إلى أوروبا رغم المخاطر الجمّة التي تنطوي عليها والكثير من قصص الموت اليومية في طريقها.
وبموازاة دفعات اللاجئين الخارجين من مناطق سيطرة النظام، توجد موجات مماثلة من لبنان، حيث يخشى اللاجؤون “إعادتهم قسراً إلى سوريا مع ما يمكن أن يسببه ذلك من اعتقالات أمنية، وعدم توفر بنى تحتية في معظم المناطق التي هُجروا منها قبل أعوام” كما يقول “سيمون مهنا” المحامي والناشط في قضايا اللاجئين بلبنان.
وكانت السلطات اللبنانية أعلنت إحباطها عدة محاولات هجرة غير نظامية خلال الشهور القليلة الماضية بعضها عبر الحدود السورية اللبنانية، وأخرى من الشواطئ اللبنانية إلى الدول الأوروبية.
وكان الجيش اللبناني أوقف في 22 آب الماضي، حافلة تقل سوريين متجهين بطريقة غير نظامية إلى لبنان عبر منطقة “وادي خالد” المتاخمة لمدينة حمص.
ويتجاوز طول الحدود بين البلدين بهذه المنطقة 16 كيلومتراً، مما يسهل عمليات تهريب السلع والبشر، وكشفت التحقيقات أن هذه العمليات تتم بإدارة مهرّبين سوريين ولبنانين من خلال معابر ترابية تصل بين المنطقتين، ويسيّرون فيها رحلات يومية من وإلى الأراضي اللبنانية بمبالغ لا تتجاوز 100 دولار للفرد.
كما تنشط حركة تهريب البشر من الأراضي السورية إلى لبنان عبر معبري “جوسية” و”تلكلخ” الرسميين، وهما من أبرز البوابات التي تسلكها قوافل تهريب البشر باتجاه لبنان.
هل تخلّت اﻷمم المتحدة عن رفضها للخطة؟
قالت المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان “بولا باراتشينا” لموقع “بي بي سي“، حول القضية: إن معظم اللاجئين السوريين يأملون بالعودة في نهاية المطاف إلى سوريا لكنّ قرارهم بالعودة يستند إلى عوامل مختلفة، حيث “لا يزالون قلقين بشأن مجموع العوامل المختلفة المرتبطة بالوضع في سوريا”.
ونوهت بأنه “في الوقت الحالي، لا تسهل المفوضية ولا تشجع العودة الطوعية للاجئين إلى سوريا على نطاق واسع”، لكنّ المفوضية “قد تقدم دعمًا محدودًا ، مثل الخدمة الاستشارية”.
ودعت “باراتشينا” إلى “احترام حق الإنسان الأساسي في العودة بحرية وطوعية إلى بلده في الوقت الذي يختاره بنفسه”.
وحول موقف المفوضية من خطة الحكومة اللبنانية قالت المتحدثة: “ستواصل المفوضية دعم الاحتياجات من أجل الحفاظ على الطبيعة الطوعية والآمنة والكريمة للعودة، مع مبدأ عدم إعادة اللاجئين إلى البلدان التي قد يتعرضون فيها للاضطهاد المحتمل”، مضيفةً أنهم “سيواصلون التعاون البناء والحوار مع الحكومة”، في إشارة إلى أن “الحكومة اللبنانية لم تشارك خطة لعودة اللاجئين السوريين مع المفوضية في الوقت الحالي”.
ويبقى مستقبل الخطة غامضًا مع عدم وجود مؤشرات على رغبة فعلية وحقيقية لدى النظام باستقبال اللاجئين وإعادتهم، حيث يشير مراقبون لاستخدام اﻷسد لملايين السوريين في الدول المجاورة كورقة ضغط مستمرة لا يرغب في إلقائها.