أثار قرار حركة “حماس” الفلسطينية بإعادة العلاقات مع النظام جدلاً في أوساط عدّة، واستياءً في أوساط المعارضة السورية، بعد عشرة أعوام من القطيعة بين الحركة والنظام، وإغلاق مكاتبها في دمشق، احتجاجاً على جرائمه بحق السوريين.
ورغم إعلان الحركة منذ أسابيع عن رغبتها بعودة العلاقات، وتأكيدها بعد ذلك – منذ أيام – على التطبيع، يبقى التجاهل سيّد الموقف في ردّة فعل نظام اﻷسد، بل يواصل إعلامه مهاجمة الحركة بشكلٍ لاذع، ويعيّرها بـ”أصولها اﻹخوانية”.
ونشرت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام اليوم الخميس، مقالاً بعنوان “عودة حماس.. الإخوانية أم المقاومِة”، معتبرةً أنه “ما ارتكبته بعض قيادات حماس خلال الحرب الفاشية العدوانية على سوريا هو خيانة، وطعنة في الظهر لن تُنسى”، في تكرار لنفس المصطلحات التي دأب إعلام النظام على استخدامها ضدّ “حماس”.
وقال المقال إن “الإخوانية” فازت في “مقاربة ما جرى في سوريا على المقاومة وقضية فلسطين، ودخلت قيادات حمساوية، وأوساط إعلامية تابعة لها، في جوقة الحرب الإعلامية الشرسة على القيادة السورية، والجيش العربي السوري، والشعب السوري، متساوقة مع ما كانت تطرحه قطر وتركيا، وغيرها من الأنظمة، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، التي كانت وما زالت تحارب سوريا من أجل عيون إسرائيل”.
ولا يبدو أن النظام مستعدّ لاستقبال قياديّي “حماس” الذين ينتظرون “الإذن” للوصول إلى دمشق، حيث قال “مصدر بارز” في الحركة لموقع Middle East Eye إن إيران وحزب الله بذلوا جهودًا مضنية لاستعادة العلاقات مع النظام على مدى الأشهر والسنوات الماضية، لكنّ اﻷخير يفرض شرطين من أجل أن يعيد الاتصال بـ”حماس”؛ اﻷول هو اعتذارٌ عن موقفها من الثورة السورية، والثاني منع بعض الشخصيات من دخول البلاد مرة أخرى، أبرزها “خالد مشعل” رئيس المكتب السياسي.
وأوضح المصدر أن “حماس رفضت بشكل قاطع الاعتذار، وتم الاتفاق على إصدار بيان يؤكد دعم “القيادة السورية”، وهذا ما عبّر عنه البيان الأخير”، مرجّحاً أن يزور وفد من الحركة دمشق في الأيام المقبلة برئاسة “موسى أبو مرزوق” أو “خليل الحية” و”ليس رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية في هذه المرحلة”.
وبحسب المصدر نفسه، فإن “حماس” لا تتوقع عودة قيادتها إلى الإقامة في سوريا بسبب “الوضع الأمني” نتيجة “القصف الإسرائيلي” وعدم الاستقرار في مناطق مختلفة من سوريا التي “لم تعد كما كانت من قبل” فضلاً عن الوضع الأمني الصعب.
وكانت “حماس” قد وقفت على الحياد في بداية الثورة منذ عام 2011، لكنّها أعربت في النهاية عن دعمها للمعارضة السورية في عام 2012 وقطعت العلاقات مع الأسد، إلا أنها لم تُقدّم دعماً يُذكر سوى الموقف السياسي، والتزمت بعد ذلك الصمت التام لمدة عشرة أعوام، مع إدانتها خلال الفترة اﻷخيرة للغارات اﻹسرائيلية في سوريا.
بالعودة إلى موقف النظام فإن إعلامه يرى أنه لا يمكن نسيان الموقف السابق لـ”حماس”، وما يعتبره “تخليها عن القضية الفلسطينية” و”الانجرار وراء المشروع التركي واﻷمريكي”.
لكنّ التوبيخ يُوجّه في الغالب إلى “بعض القيادات الفلسطينية في حماس”، حيث يبدو أن هناك “تسامحاً” في الموقف مع بعض الشخصيات، وتشدّداً مع شخصيات أخرى داخل الحركة، ومن أبرزها “مشعل”.
ويرى النظام أن توجهات القيادة السياسية لـ”حماس” والمتمثّلة بـ”خالد مشعل” تختلف عن موقف القيادات الميدانية والعسكرية التي كانت تعارضها، نظراً ﻷنها كانت تتلقى السلاح من طهران.
ويبقى موقف حماس مُحرجاً للغاية بعد إحجام نظام اﻷسد عن إصدار أي رد فعل رسمي على بيانها الأخير، والذي “أُقر بالإجماع” بعد “نقاش طويل”.
وبررت “حماس” قرارها في بيان رسمي بأنه “يخدم مصلحة الأمة العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، لا سيما في ظل التطورات الإقليمية والدولية المتصاعدة بشأن القضية الفلسطينية”، معربةً عن “التطلع إلى اليوم الذي تستعيد فيه سوريا موقعها الريادي في الأمة العربية والإسلامية، وتدعم حماس كل الجهود المخلصة الهادفة إلى تحقيق السلام والاستقرار والازدهار في سوريا”.
وقال “مصدر مطلع داخل حماس” إن قرار إعادة العلاقات مع النظام وافق عليه جميع أعضاء المكتب السياسي العام باستثناء “عضو واحد” لم يذكر اسمه،
وأكد نائب رئيس حركة حماس في قطاع غزة “خليل الحية”، في حديث لصحيفة “الأخبار” اللبنانية في حزيران/ يونيو الماضي أنه تم اتخاذ القرار بعد “نقاش داخلي وخارجي” شارك فيه القادة، وبجهود من “حسن نصر الله” الذي ناقش معه المسألة في لبنان.
وكان المجلس اﻹسلامي السوري قد انتقد خطوة الحركة بشدّة، رافضاً دعوةً من اﻷخيرة لعقد لقاء بين الطرفين في “إسطنبول” معتبراً أنه “لا جدوى من اللقاء” طالما أن حماس مصرة على “مصافحة المجرمين”.
وأثارت أيضاً تلك الخطوة انتقادات واسعة في صفوف العديد من الكتاب والمثقفين الفلسطينيين الذين رآوا أنها أقدمت على صفقة خاسرة، وارتكبت خطأً أخلاقياً وسياسياً على حدّ سواء.
وتبقى الحركة في انتظار إذن من مرتكبي جرائم الحرب واﻹبادة الجماعية في دمشق، لعقد لقاء مشروط يُستثنى منه أشخاص ويُقبل فيه أشخاص آخرون، فيما تتجاهل “حماس” اﻹجابة على اﻷسئلة حول الفائدة التي ستجنيها من مصالحة نظام اﻷسد.