بعد سنوات من انحسار سيطرة “تنظيم الدولة” وتحوّله إلى جيوب وخلايا، لا تزال آثار الفترة التي حكم خلالها منطقة شرق الفرات حاضرةً حتى اليوم، وبقوّة.
وتمثّل عشيرة “الشعيطات” في منطقة شمال شرقي سوريا، أبرز الجهات التي دخلت في صراع مباشر مع التنظيم، وما تزال تصرّ على ملاحقة خلاياه، وتتعاون مع التحالف الدولي بقيادة واشنطن ومع “قسد”، للتخلّص من خطر إمكانية عودته، حيث تؤكد ذلك مصادر متقاطعة.
ويقول “عبد السلام الحسين” مدير موقع “نهر ميديا” المختص بنقل أخبار المنطقة الشرقية، في إفادته لـ”حلب اليوم”، إنه يوجد بالفعل تعاون بين العشائر العربية مثل الشعيطات والتحالف الدولي، لافتاً إلى أن تاريخه يعود إلى عام 2017، عندما كانت مجموعات عسكرية من أبناء الشعيطات تقاتل ضمن صفوف قوات سوريا الديمقراطية “قسد” ضد تنظيم “الدولة” بريف الحسكة والرقة وجميعهم كانوا عناصر سابقين بالجيش الحر.
وأكدت وكالة “رويترز” في تقرير نشرته أمس الأول الثلاثاء، على دور العشائر في مساعدة الجيش الأمريكي باستهداف “ماهر العقال”، زعيم التنظيم، بضربة طائرة مُسيرة بشمال سوريا منذ نحو ثلاثة أشهر.
وكانت وزارة الدفاع الأمريكية أعلنت أنها قتلت زعيم التنظيم “العقال” في سوريا، خلال شهر تموز الماضي، وهو خليفة “البغدادي”.
الثأر هو الدافع الوحيد
في واحدة من أكبر المذابح في سوريا، قتل تنظيم “الدولة” المئات من أبناء عشيرة “الشعيطات” معظمهم قضوا ذبحاً بالسكاكين، في 2014، وتشير تقديرات إلى أن عدد الضحايا كان أكثر من 900 من أفراد القبيلة، في ثلاث بلدات بريف دير الزور، بسبب رفضهم الخضوع للتنظيم.
وبحسب “رويترز”، فإن الولايات المتحدة تلجأ إلى مساعدة “رجال العشائر التواقين للثأر من الفظائع التي ارتكبها التنظيم عندما سيطر على مساحات شاسعة من سوريا والعراق”، حيث كان هدف تلك المجموعات العشائرية طرده والعودة لقراهم.
ويولي التحالف الدولي عشيرة “الشعيطات” اهتماماً أكثر من باقي العشائر بسبب عداوته للتنظيم، وفقاً لما يؤكّده التقرير.
ويشير “الحسين” إلى أنه من المعروف أن تنظيم “الدولة”، هو العدو الأول لـ”الشعيطات” بسبب “جرائمه لتي ارتكبها بحقهم ومن مصلحة الشعيطات التعاون مع التحالف للقضاء على فلول التنظيم” في شرق الفرات.
ولفت إلى أن حالة الثأر لا تزال قائمة حتى اليوم، لأننا نتحدث عن مجتمع عشائري وقعت فيه مجزرة كبيرة من قبل التنظيم، باﻹضافة إلى ندرة وجود عناصر من عشيرة الشعيطات ضمن خلايا التنظيم، وندرة تنفيذ تلك الخلايا ﻷي عمليات في منطقة الشعيطات بريف “دير الزور”، وهذا كله يعني أن”العلاقة لا تزال سيئة بين التنظيم وأهالي العشيرة”.
ونقلت “رويترز” عن “أحد الأشخاص الذين تعقبوا العقّال” قوله إنه مع استمرار “تعطش عشيرة الشعيطات للثأر بعد ثماني سنوات من قيام التنظيم بذبح المئات من أبنائها، قام رجال من العشيرة في سوريا بزرع جهاز تتبع على الدراجة النارية التي كان يركبها العقال عندما قُتل”.
وقال رجل العشيرة، الذي “أكد ضابط مخابرات غربي بالمنطقة روايته”، إن أقارب من العشيرة كانوا على اتصال بأسرة زعيم تنظيم “الدولة”، ويراقبونه سراً منذ شهور في شمال سوريا.
وأضاف “الشخص الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية” لـ”رويترز” عبر الهاتف من سوريا: “انتقمت بالدم لأبناء عشيرتي الذين صلبهم التنظيم وأعدمهم وقطع رؤوسهم بلا رحمة، هدأت النار في قلوبنا”.
من جهته؛ قال “مسؤول عسكري أمريكي” إن الاستهداف استند بالكامل تقريباً على معلومات استخباراتية بشرية في عملية “العقال”، متحدّثاً عن “شبكة عميقة في المنطقة”.
وبينما “تقول أربعة مصادر مطلعة على عملية جمع المعلومات الاستخباراتية إن الأموال تُدفع في بعض الأحيان مقابل المعلومات، فإن العديد من المخبرين مدفوعون بالثأر من الفظائع التي ارتكبتها الجماعة في ذروة قوتها”.
كيف هي العلاقة بين العشائر العربية وقسد؟
يرى “عبد السلام الحسين” في إفادته لـ”حلب اليوم” أن علاقة العشائر العربية بـ”قسد” علاقة معقدة لأن هناك أطرافاً كثيرةً تحاول تأجيج الخلاف بين الطرفين من بينهم “نظام الأسد وشخصيات عشائرية مؤيد لتركيا”، مشيراً إلى أن “قسد” أساءت التعاطي مع ملف العشائر من خلال “عدم ضبط الوضع الأمني وإنشاء مجلس خاص يهتم بعشائر المنطقة”، مما أدى لنشوب مشاكل بين “قسد” وعشائر عربية بدير الزور بين الحين واﻵخر.
كما أن “قسد” عاجزة عن “ضبط عمليات القتل تحت مسمى الثأر” في دير الزور، أما بالنسبة لباقي المحافظات فالعلاقات بين العشائر و”قسد” هي أفضل حالاً رغم أن الجميع يعاني من نفس المشاكل، وفقاً لـ”الحسين”.
وكانت عدّة قرى بريفي دير الزور والرقة شهدت توتّرات ومواجهات بين اﻷهالي و”قسد” على مدى الأسابيع واﻷشهر الماضية، فيما عاشت “منبج” شرقي حلب، أحداثاً دامية منذ أكثر من عام.
“الشعيطات” متحمّسة لمتابعة فلول تنظيم الدولة أكثر من قسد!
تواجه “قسد” اتهامات من جهات محلية بالتراخي وعدم الجدية في محاربة التنظيم، وذكرت تقارير سابقة أن قياديي “سوريا الديمقراطية” أطلقوا سراح قياديين وعناصر في التنظيم من السجون لقاء اﻷموال.
ويرى “الحسين” أنه لدى “قسد” رغبة في محاربة خلايا تنظيم الدولة بالمنطقة، ولكن التحالف الدولي هو فقط من يأخذ اﻷمر على محمل الجدّ، أما بالنسبة لـ”قسد” فإن “أغلب عملياتها ضد التنظيم غير ناجحة وغالباً ما تؤدي لسرقة منازل واعتقال أشخاص مدنيين بتهمة التواصل مع التنظيم”، بينما “عمليات التحالف أعلى أداءً بكثير وفعالة”.
وما يزال مئات المقاتلين من “الدولة” في مناطق مقفرة، وجيوب بالبادية السورية تتوسط مناطق سيطرة التحالف و”قسد” من جهة، ومناطق سيطرة النظام والروس واﻹيرانيين من جهة أخرى.
وتتحدّث المصادر اﻷمريكية عن “شبكات قبلية تمولها الولايات المتحدة” كانت قد “اخترقت الخلايا النائمة للتنظيم وجمعت بيانات عن مجندين جدد من بينهم رجال عشائر في بعض الحالات”، و”ينتمي العديد من الجواسيس إلى عشيرة الشعيطات” وفقاً لمصادر استخباراتية غربية.
وتتخوّف بعض العشائر التي حاربت التنظيم تحت لواء التحالف من انتقامه، حيث تتوجّس بشدّة من وجود خلاياه، بخلاف “قسد” التي يتحصّن قادتها في مقرّات وبحماية دولية.
وقال الزعيم العشائري الشيخ “بشير دندال” إن هجمات الكر والفر على نقاط التفتيش التابعة لـ”قوات سوريا الديمقراطية” زادت في الأشهر الأخيرة، كما تسببت في خسائر فادحة في صفوف الميليشيات الموالية لإيران حول تدمر.
وأعرب “دندال” عن خوفه من عودة ظهور تنظيم “الدولة”، فينا أكد “عبد الله عمر” من “الشعيطات” وهو البالغ من العمر 32 عاماً، أن الخوف من عودة التنظيم هو ما دفعه إلى الإبلاغ عن أقاربه في بلدة “أبو حمام” على ضفاف نهر الفرات جنوبي “البصيرة”.
وقال “عمر”: “أبلغت التحالف عن حوالي خمسة أشخاص، بينهم اثنان من أبناء عشيرتي اكتشفنا أنهما كانا مع التنظيم، يديران نقاط تفتيش ويحرقان المنازل.. لا يمكننا النوم بسلام في الليل لأننا نعلم أنهم ما زالوا هناك ينتظرون الوقت المناسب للثأر وقتل من نجوا من مذابحهم”.
ويرى “الحسين” أنه لا يوجد موقف موحد لدى العشائر العربية تجاه “قسد” والتحالف وتنظيم الدولة، فهناك جهات تفضل وجود التحالف الدولي و”قسد” على وجود التنظيم وسيطرته على المنطقة، ومع ذلك فإن “جميع الأطراف تحاول أن تنشئ تجمعات داخل تلك العشائر من أجل “كسب حاضنة شعبية سواء التنظيم أو قسد أو النظام أو حتى تركيا”.
ولا يبدو أن وجود التنظيم في المنطقة وبالتالي الصراع بينه وبين العشائر؛ أمر يمكن إزالته قريباً، حيث حذّرت صحيفة “وول ستريت جورنال” في مقال نشرته اﻷسبوع الماضي من أنه يستعد للعودة في العراق والمناطق الحدودية، وشبّهته بالزئبق، الذي يصعب حصره والقضاء عليه، فيما أعلنت الأمم المتحدة في تقرير نشرته خلال نيسان الماضي أن إمكانية عودة التنظيم في سوريا أيضاً قائمة، وبقوة.