شهد قطاع السياحة في سوريا منذ عام 2011 تدهوراً كبيراً، وباتت الواردات من هذه القطاع الاستراتيجي شبه معدومة، فيما سعى النظام للترويج للسياحة الدينية بشكل أكبر خاصة في ظل استقدامه للميليشيات الطائفية من لبنان والعراق وإيران.
السياحة قبل الثورة وبعدها
تشير الإحصائيات الرسمية إلى أنه في عام 2010 دخل 8.5 مليون سائح إلى سوريا، وقدرت عائدات هذا القطاع في هذا العام بـ30.8 مليار ليرة سورية (8.4 مليار دولار)، أي 14 بالمائة من الاقتصاد، فيما بلغ عدد العاملين بهذا القطاع 259 ألف موظف.
وكانت السياحة تعتمد على السياح العرب والأجانب والسياحة الداخلية والسياحة الدينية.
وبعد تهور الوضع الأمني في معظم المدن السورية ولجوء النظام إلى الحل العسكري لقمع المظاهرات المطالبة بالحرية.
وانخفض عدد السياح الأجانب بأكثر من 76 في المئة في الربع الأول من 2012، فيما انخفض عدد العاملين في مجال السياحة بنسبة “الثلثين تقريباً” في تلك الفترة، وفقاً لليونسكو.
وفي نفس العام قالت حكومة النظام إن معدل إشغال الفنادق في البلاد قد انخفض من 90 بالمئة في العام السابق إلى 15 بالمئة.
وازداد قطاع السياحة تدهورا عاماً بعد عام على إثر العمليات العسكرية التي باتت تشمل معظم الأراضي السورية.
وبلغت خسائر القطاع السياحي بين عامي 2011 و2019 حوالي 50 مليار دولار، بحسب وزير السياحة في حكومة النظام، محمد مارتيني.
السياحة عام 2019
في نهاية عام 2019 قالت وزارة السياحة في حكومة النظام إن عدد القادمين العرب والأجانب، ازداد بمقدار 46 بالمئة لغاية شهر تشرين الأول مقارنة مع الفترة الزمنية نفسها من عام 2018، حيث بلغ عدد القادمين 2.1 مليون، منهم 1.9 مليون عربي أغلبهم من الجنسية (اللبنانية والأردنية والعراقية والبحرينية).
وشككت عدة مصادر بهذه الأرقام، حيث أوردت صحيفة “DAILY BEAST“، شهادات لعمال في قطاع السياحة وأشخاص زاروا سوريا خلال عامي 2018 و2019.
ونقلت الصحيفة عن عامل في قطاع السياحة يدعى أيوب أن الأرقام الحكومة حول أعداد السياح مبالغ فيها، لأن الحكومة تحصي أي شخص يعبر الحدود على أنه سائح.
السياحة المظلمة
نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريراً عام 2019 تحدث عن انتشار ما يسمى بـ “السياحة المظلمة” أو “السياحة السوداء”.
وقالت الصحيفة إن حفنة من شركات السياحة ومدوني السفر بدأوا في القيام برحلات مخصصة إلى البلاد للاختلاط بالسكان المحليين وفي نفس الوقت المرور بالمناطق المدمرة، وزيارة المواقع الأثرية المدمرة.
وحسب الصحيفة فإن أغلب هذه الرحلات كانت تتركَّز في محيط مدينة دمشق وقلعة الحصن في ريف حمص، بالإضافة إلى أطلال تدمر الأثرية في الصحراء الشرقية، حيث تُعد زيارة الأماكن المرتبطة بالدمار وقضاء الإجازات في البلدان التي لا تزال عملياً في حالة حرب، ظاهرةً جديدةً نسبياً، يُطلق عليها اسم “السياحة المُظلمة أو السوداء” وفقاً للصحيفة.
ورأى بكري الأبيض الذي كان يدير شركة سياحية صغيرة في دمشق قبل اندلاع الانتفاضة السورية في 2011، أن الترويج للسياحة في سوريا يعتبر تطبيعا مع النظام.
وقال للصحيفة: “ما تقوم به الشركات السياحية الآن له هدف واحد فقط: التطبيع مع النظام، إنهم يفعلون ذلك لكي يظهروا للعالم أن سوريا آمنة وجيدة وأن الحرب قد انتهت”.
وأضاف: “هذه الرحلات تبرئ النظام وتنسي العالم الفظائع التي ارتكبها في حق السوريين، مؤلم أن ترى السياح قادمين إلى بلدك فيما أنت لا يمكنك العودة إلى وطنك، والنظام صادر بيتك”.
السياحة الدينية
في الوقت الذي حاول فيه إعلام النظام الترويج لعودة الحركة السياحية إلى العاصمة دمشق، أكد نشطاء من داخل العاصمة أنّ الحركة السياحية الدينية هي من أنشط حركات السياحة، حيث يقصد دمشق يومياً مئات الزوار “الشيعة” لزيارة الأضرحة في دمشق القديمة والسيدة زينب.
وفي عام 2018 قالت مديرية السياحة في حكومة النظام، إن حوالي 125 ألف سائح، زار سوريا خلال، وذلك بقصد السياحة الدينية.
وحسب مدير السياحة، طارق كريشاتي فإن أعداد السيّاح “الدينيين” في سوريا ازداد بنسبة 50% عام 2018 عن عام 2017.
وقال “كريشاتي” أنّ منطقة السيدة زينب، والتي يقصدها سيّاح من إيران والعراق ولبنان، للسياحة الدينية، تضّم 60 فندقاً، بالإضافة إلى 5 فنادق قيد الإنشاء.
وتزايد المدّ الإيراني والعراقي واللبناني، بصبغة طائفية في دمشق منذ انطلاق الثورة السورية، خاصة مع استقدام النظام الآلاف من عناصر الميليشيات الطائفية للقتال إلى جانبه.
سوريا المدمرة
وسط الدمار الذي خلفته الحرب في سوريا خلال 10 سنوات وغياب الأمن وتقطع أوصال البلد والتدهور الاقتصادي وفقدان الخدمات، فإن سوريا تفتقر في الوقت الراهن لأي نوع من أنواع الجذب السياحي، الأمر الذي يجعل مستقبل السياحة في هذا البلد يبدو قاتماً.
وتقدّر “لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا” كلفة إعادة الإعمار في سوريا بنحو 400 مليار دولار، علمًا أن قطاع الإسكان يستحوذ على 65 في المئة منها بحسب البيانات الصادرة عن “صندوق النقد الدولي”.