أكدت صحيفة “واشنطن بوست”، أن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، قدم هدية ضخمة في رأس السنة الجديدة لنظام بشار الأسد، وتنظيم الدولة، والكرملين وطهران، من خلال قراره الذي اتخذه بسحب القوات الأمريكية من سوريا.
وقالت الصحيفة في تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني يوم أمس الأربعاء، إن “ترامب” ضمن عبر قراره هذا، قلب المكاسب العسكرية الأمريكية هناك، وإلغاء أي نفوذ لوزير الخارجية “مايك بومبيو” ومبعوثه الخاص لسوريا، “جيمس جيفري”، للدفع لتحقيق التسوية الدبلوماسية التي تلاقي أهداف الإدارة نفسها لطرد “تنظيم الدولة” وإيران خارجاً.
ووفق تقرير الصحيفة، فإن “ترامب”، وقع في الفخ نفسه الذي وقع فيه الرئيس “باراك أوباما”، حينما سحب كل القوات الأمريكية من العراق عام 2011، وبالتالي يضمن قراره واقعياً تلاشي الأمن أكثر، وهجوم “تنظيم الدولة” وإيران مجدداً، وأن الولايات المتحدة ستضطر للعودة إلى سوريا بكلفة عسكرية أكبر، وبظروف أصعب من التي كانت ستكون لو بقيت.
وبحسب الصحيفة فإن كل مايتعلق بهذا القرار “الزئبقي”، يوقع المصالح القومية الأمريكية كما حددها “ترامب” بنفسه بالخطر، حيث أن “تنظيم الدولة” لم ينتهي بعد في سوريا.
وكان البنتاغون ذكر قبل ستة أشهر فقط، بأن بقاء 20 ألف إلى 30 ألف مقاتل فاعل في سوريا والعراق، فيما تعهد مستشار الأمن القومي “جون بولتن” قبل 3 أشهر، بأن الولايات المتحدة ستبقى في سوريا حتى يتم طرد آخر مقاتل إيراني منها.
وأفادت واشنطن بوست، إلا أن التنظيم قد لا يسيطر على مناطق واسعة من الأراضي السورية، ولكن مقاتليه يختبؤن بجيوب خارج نطاق الحكم في الشرق، وفي الأزقة الخلفية لإدلب.
وأوضحت الصحيفة أنه عند انسحاب أمريكا، سيقوم “تنظيم الدولة” بثلاث خطوات: سيعلن النصر على الكفرة الأمريكيين، سيطلق فوراً حملة تجنيد صاخبة في أنحاء الشرق الأوسط وجنوب آسيا. سيصب مقاتلين جدداً في شرقي سوريا. وسيخرج من الظلال ليستعيد الأراضي في شرقي سوريا من قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من الولايات المتحدة، والتي ليس بإمكانها الاحتفاظ بالرقة أو أي منطقة أخرى تم إخلاؤها دون استمرار المساعدة الأمريكية.
وتابعت الصحيفة قائلة إن إيران ستندفع إلى المنطقة التي ستتخلى عنها الولايات المتحدة. ومن الأرجح أن تكون طهران قد أعطت أوامرها بالفعل لعشرات الآلاف من مقاتلي ميليشيا “حزب الله” الذين تسيطر عليهم في غربي وجنوبي سوريا للاتجاه شرقاً.
وأشارت واشنطن بوست إلى أن إيران ستكسب أيضاً السيطرة على حقول النفط الكبرى في دير الزور التي تحميها القوات الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية، مما سيسمح لها بتمويل استيلائها على الأرض، وستحتفل موسكو بعد أعوام من التظاهر بالتفاوض، على حل دبلوماسي للقضية السورية مع واشنطن، بإمكان الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، تجاهل مناشدات مبعوثي “ترامب”، لأن الولايات المتحدة لا تملك قواماً عسكرياُ في اللعبة لدعم دبلوماسيتها.
ويرى تقرير الصحيفة بأن الكرملين سيستمر بما خطط له طويلاً، وهو إحكام السيطرة على باقي أنحاء سوريا لصالح الأسد حتى عام 2021، ومن ثم تزوير انتخابات لرئيس صوري جديد، وأن موسكو قد تسعى بدلاً من توسيع وجودها العسكري على الأرض في سوريا، بتوسيع دعمها الضمني للقوات المدعومة من قبل إيران، والتي تخدم بالفعل كالشرطة المحلية الفعلية في غربي سوريا. ربما ستسمح لطهران بمشاركة ما يزيد عن حقول نفط دير الزور، وربما قد يعود كل ذلك المال لموسكو.
وتضيف الصحيفة الأمريكية، أنه سيجري القتال بينتنظيم الدولة وسوريا الديمقراطية، لكسب الأراضي، مهيئة لجولة أخرى من إراقة الدماء ومن شحنات الأسلحة الإيرانية إلى سوريا.
وبالمقابل سيقود هذا إلى قلق إسرائيل ولرد فعل حركي. ستعين حينها موسكو نفسها كحافظة للسلام و القوة الوحيدة القادرة على عقد الاتفاقيات الاستراتيجية مع إسرائيل والأردن وتركيا وغيرهم. أثناء ذلك، “بوتين” سيكون قد حقق حلمه القديم بتجديد الهيمنة التي تتلو الحقبة السوفيتية في قلب الشرق الأوسط، على الأقل إلى حين يندفع “تنظيم الدولة” من جديد.
وختمت “الواشنطن بوست” تقريرها بالتأكيد على أنه كما ماتت الدبلوماسية الأمريكية موتاً محزناً آخر مع تغريدة “ترامب”. فقد حقق المبعوث الخاص “جيفري” نجاحات في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك مساعدة تخفيف التوتر بين تركيا وروسيا حول إدلب في شهر أيلول. وقد كان “جيفري” مستعداً للعب دور القابلة التي ستساعد على ولادة مسار سياسي جديد لسوريا، مع توقع الفشل المرجح للجهود الروسية للتفاوض على دستور جديد بحلول 31 كانون الأول.
وفي حال انسحبت الولايات المتحدة، لن يشارك أصدقاء واشنطن السوريون حتى في الاتجاه الدبلوماسي الذي تقوده الولايات المتحدة. سيكونون مشغولين بالدفاع عن أنفسهم من “تنظيم الدولة” وإيران. وفق تقرير الصحيفة.