تحولت مباراة كروية روتينية بين ناديي الكرامة والوحدة، إلى قضية رأي عام واسعة، تسببت في احتجاجات شعبية وأعادت فتح ملفات تتعلق بالعدالة الانتقالية وتطهير مؤسسات الدولة من فلول الأسد ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات.
واندلعت الأزمة بعد أن أصدر الاتحاد السوري لكرة القدم، أمس الأربعاء، قرارًا بتغريم نادي الكرامة ماليًا بقيمة مليون ونصف مليون ليرة سورية، بسبب هتافات أطلقها جمهور النادي الحمصي ضد لاعب الوحدة ميلاد حمد عند دخوله أرض الملعب في الدقيقة 67 من المباراة.
ولا تزال القضية تلقى تفاعلا واسعا بين السوريين، على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا مع استمرار فرض “العقوبات” على الجمهور بدعوى أنها “غير قابلة للطعن”.
وكان حمد قد دعا في منشور زمن النظام البائد إلى “حرق محافظة إدلب وتحويلها إلى رماد”، في تصريحات استفزازية لم تتم محاسبته عليها حتى اليوم، فيما تم اتخاذ إجراءات بحق الجمهور بسبب هتافهم: “يلعن روحك يا ميلاد، قال بدو إدلب رماد”.
قرار اتحادي “نهائي”
بعد رفع مراقب المباراة تقريرًا عن الحادثة، عقدت لجنة الانضباط والأخلاق التابعة للاتحاد السوري لكرة القدم جلستها رقم (01)، وأصدرت قرارها الذي استند إلى المادة (9-1-25) من لوائح الانضباط، ووصف الاتحاد القرار بأنه “نهائي وغير قابل للطعن أو الاستئناف”، مما يعني إغلاق الباب رسميًا أمام أي محاولة لتعديله أو إلغائه.
وفي تبريرها لذلك؛ قالت اللجنة إن أسباب عدم قابلية الطعن “مستمدة من القوانين العامة للطعن في القرارات الإدارية أو الرياضية”، ومن “طبيعة القرار النهائي”، و”الاختصاص الحصري للهيئة”، و”استناد القرار لسلطة تقديرية”.
ردود الفعل الغاضبة: من الشارع الحمصي إلى المؤسسات
أثار القرار موجة غضب عارمة، تحولت إلى احتجاجات شعبية في شوارع حمص، واعتبرت قطاعات واسعة أن العقوبة مجحفة وغير عادلة، لأنها عاقبت الجمهور على رد فعل تجاه تصريحات مسيئة لم يحاسب عليها اللاعب رسميًا من قبل الدولة.
وحول موقف نادي الكرامة الرسمي فقد أصدر مجلس إدارة النادي بيانًا رسميًا اعتبر فيه أن القرار “تجاهل السياق الكامل للأحداث”، وشدد على أن الهتافات جاءت “رفضاً لتصريحات سابقة للاعب دعا فيها إلى حرق محافظة إدلب”، وطالب النادي بإلغاء العقوبة وتقديم اعتذار رسمي من الاتحاد.
رد فعل جماهيري منظم
تخطى الغضب إطار نادي الكرامة، حيث نشرت جماهير كروية سورية أخرى “بيانًا رقم (1)” موجهًا للاتحاد، وطالب البيان، الذي وُقع بـ “جماهير الكرة السورية”، باعتذار رسمي من الاتحاد عن القرار، وهدد بـ “أن هذا الاتحاد لا يمثلنا” في حال عدم الاستجابة.
وفي محاولة لاحتواء الأزمة المتصاعدة، اتخذ نادي الوحدة، الفريق الذي يلعب في صفوفه ميلاد حمد، قرارًا حاسمًا، حيث أعلنت إدارة النادي إيقاف اللاعب عن المشاركة مع الفريق بشكل نهائي، وإحالة القضية إلى لجنة الانضباط التابعة للاتحاد السوري لكرة القدم للنظر في تصريحاته السابقة.
ويُعتبر هذا القرار محاولة لامتصاص الغضب العام وتصويب سهم النقد نحو اللاعب باعتباره الطرف المثير للأزمة في أساسها، وليس الجمهور الذي كان رده لاحقًا، وغقا لمتابعين.
لكن هذه الأزمة التي حدثت في وقت حساس بمدينة حمص وعموم البلاد، جددت النقاش الذي لم يتوقف أساسا، حول ضرورة محاسبة كافة مرتكبي الانتهاكات بكل أشكالها.





