في خطوة دبلوماسية مفصلية، عادت الجمهورية العربية السورية رسميًا إلى عضوية “الاتحاد من أجل المتوسط” بعد انقطاع دام 14 عامًا، وقد جاءت العودة من خلال مشاركة سورية فاعلة في أعمال “المنتدى الإقليمي العاشر” للاتحاد، الذي عُقد مؤخرًا في مدينة برشلونة الإسبانية.
ومثل سوريا في المنتدى، الذي تزامن مع الذكرى الثلاثين لإطلاق “عملية برشلونة”، مدير إدارة الشؤون الأوروبية بوزارة الخارجية والمغتربين، محمد براء شكري، وجاءت هذه المشاركة كأول حضور لسوريا على المستوى الوزاري ضمن إطار الاتحاد منذ استعادة عضويتها الكاملة.
من التعليق إلى العودة: رحلة دبلوماسية طويلة
علّق النظام البائد عضوية البلاد في الاتحاد أواخر عام 2011، وذلك ردا على العقوبات الأوروبية التي فُرضت آنذاك، واستمر هذا التعليق لأكثر من 13 عامًا، غابت خلالها سوريا تمامًا عن أنشطة المنظمة الإقليمية.
وشهد عام 2025 تحولاًتدريجيًا، حيث بدأت دمشق خطوات مكثفة لإعادة تفعيل عضويتها. في حزيران/يونيو 2025، حضر ممثل سوري أول اجتماع رسمي ضمن إطار الاتحاد منذ 2011. تلا ذلك في تموز/يوليو 2025، تصويت الأعضاء بالأغلبية على إنهاء تعليق العضوية وإعادة سوريا كدولة عضو كاملة الأهلية، وهو القرار الذي رحبت به الخارجية السورية ووصفته بـ”الخطوة الإيجابية”.
ميثاق جديد وشراكة متجددة
يرى تقرير لموقع “ميدل إيست آي” أن عودة سوريا إلى القاعة لم تكن مجرد حضور شكلي، بل شارك وفدها بشكل فعّال في إطلاق “ميثاق المتوسط الجديد”، الذي يُشكّل إطارًا استراتيجيًا مُحدّثًا للتعاون بين دول الاتحاد الأوروبي ودول الضفة الجنوبية والشرقية للمتوسط.
يركز هذا الميثاق على إعادة صياغة العلاقة بين ضفتي المتوسط على أساس “شراكة متوازنة ومسؤوليات مشتركة” في مجالات حيوية مثل التنمية والطاقة والمناخ والهجرة والربط الاقتصادي.
وأوضحت المداخلات السورية خلال المنتدى رؤية دمشق التي تتجاوز البعد الرمزي للعودة، لتركز على الجانب العملي والتنموي. وطالبت سوريا بأن يكون الميثاق الجديد “استجابة عملية لاحتياجات دول الجنوب”.
كما حدد الوفد السوري قطاعات واضحة يسعى لفتح مسارات تعاون ملموسة فيها، تشمل التعليم، الاقتصاد، الطاقة، والنقل، وربطت دمشق بشكل صريح بين هذه العودة ودعم “جهود التعافي وإعادة الإعمار” في سوريا، وتعزيز الاستقرار في عموم حوض المتوسط.
دلالات سياسية ودعم إقليمي
وفقا للتقرير فإن عودة سوريا إلى الاتحاد تحمل دلالات سياسية بارزة، تعكس تحولاً في النهج الإقليمي والدولي، فمن ناحية، تُظهر رغبة من جانب بعض الأطراف الأوروبية والإقليمية في اختبار قنوات جديدة للتعامل مع دمشق بعد سنوات من القطيعة، ومن ناحية أخرى، تمنح سوريا منصة لإعادة تشكيل خطابها الدبلوماسي وتعزيز حضورها في الملفات الإقليمية متعددة الأطراف، كالطاقة والمناخ وإدارة الهجرة.
وقد حظيت الخطوة بترحيب رسمي من الاتحاد الذي وصفها بـ”استعادة لدور سوريا في الحوار الإقليمي وفرصة لتعزيز التعاون الشامل في المنطقة”. كما أعرب وزراء خارجية الدول الأعضاء في البيان الختامي للمنتدى عن دعمهم “لجهود الحكومة السورية في إعادة بناء البلاد على أسس تضمن الأمن والاستقرار والوحدة والسيادة”.
بوابة لإعادة الإعمار
يُعدّ “الاتحاد من أجل المتوسط”، الذي يضم 43 دولة، منصةً رئيسية للحوار والتعاون المشروع بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط. وبالتالي، فإن عودة سوريا إليه تفتح آفاقًا اقتصادية واعدة، حيث توفر لها منصة لعرض أولوياتها الوطنية وفتح قنوات تعاون فعالة في مجالات الاستثمار والبنية التحتية والنقل.
من شأن هذا الانخراط أن يُسرّع جهود إعادة الإعمار، ويسهّل حصول دمشق على دعم مالي وتقني من شركاء دوليين وإقليميين، مما يعزز قدرة البلاد على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة بعد سنوات طويلة من الصراع والعزلة، وفقا للموقع.
وبهذا، تتحول المشاركة من مجرد خطوة دبلوماسية إلى أداة عملية محتملة لدعم التعافي الداخلي وإعادة ربط سوريا بشبكات التعاون الإقليمي.






