في كشف هو الأكبر من نوعه، أعلنت وزارة الموارد الطبيعية الصينية، عن أول رواسب للذهب “كبيرة للغاية ومنخفضة المستوى” في مقاطعة لياونينغ بشمال شرقي البلاد، في خطوة من شأنها تعزيز مكانة البلاد كقوة عالمية في سوق المعدن النفيس.
ووفقاً للبيان الرسمي للوزارة، أمس الجمعة، تشير التقديرات الأولية إلى أن رواسب “دادونغقو” تحتوي على احتياطيات هائلة تبلغ 2.586 مليار طن من الذهب الخام. ويقدر إجمالي موارد الذهب القابلة للاستخراج بنحو 1444.49 طن، بمتوسط تركيز يبلغ 0.56 غرام لكل طن، وهو ما يصنفها كرواسب منخفضة المستوى لكنها ضخمة الحجم وقابلة للاستغلال اقتصادياً.
تداعيات استراتيجية واقتصادية
وصفت الوزارة هذا الاكتشاف بأنه “تاريخي”، مؤكدة أنه سيعزز بشكل كبير الاحتياطي الاستراتيجي للبلاد من الذهب. ومن المتوقع أن يخلق هذا الاكتشاف “قاعدة عالمية المستوى” لإنتاج الذهب، مما سيدعم خطط التنشيط الاقتصادي الشامل والتنمية عالية الجودة في منطقة شمال شرق الصين، وهي منطقة صناعية تقليدية تسعى الحكومة لإحيائها.
ويضع هذا الاكتشاف الصين في موقع متميز على الخريطة العالمية لإنتاج الذهب. وبمقارنة بسيطة، فإن حجم الاحتياطي المُكتشف (أكثر من 1400 طن) يقترب من إجمالي الإنتاج السنوي للذهب على مستوى العالم، والذي بلغ حوالي 3000 طن في عام 2024.
تعزيز الاحتياطيات الرسمية وسط تراجع الاستهلاك
يأتي الإعلان عن هذا الاكتشاف في وقت تواصل فيه الصين تعزيز احتياطياتها الرسمية من الذهب. فبحسب بيانات بنك الشعب الصيني (البنك المركزي)، ارتفعت احتياطيات البلاد من الذهب إلى 74.09 مليون أونصة بنهاية أكتوبر الماضي، مسجلة زيادة للشهر الثاني عشر على التوالي، وبلغت القيمة الإجمالية لهذه الاحتياطيات حوالي 297.21 مليار دولار.
وفي المقابل، شهد الاستهلاك المحلي من الذهب تراجعاً بنسبة 8% خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025، ليصل إلى 683 طناً مترياً، وفقاً للجمعية الصينية للذهب، كما أظهرت بيانات الجمعية ارتفاعاً طفيفاً في الإنتاج المحلي من المواد الخام بنسبة 1.4% على أساس سنوي ليصل إلى 272 طناً.
ليس مجرد اكتشاف
يرى مراقبون أن هذا الاكتشاف لا يعزز فقط من الأمن الاقتصادي للصين، بل يعكس أيضاً استراتيجية طويلة الأمد لتعزيز الاعتماد على الذهب كأحد ركائز الاحتياطي النقدي، وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي، فضلاً عن دفع عجلة التنمية الإقليمية في مناطقها الأقل نمواً.
ويحمل تداعيات اقتصادية محتملة على أسعار الذهب والدولار، لكن طبيعة هذه التأثيرات ومداها سيعتمدان على استراتيجية بكين المستقبلية في إدارة هذا المورد الثمين، فزيادة المعروض قد تضغط على الأسعار لكن لا يوجد تأثير مباشر ملحوظ حتى الآن سوى العامل النفسي.
ويسهم ذلك في تعزيز مكانة اليوان كمنافس للدولار، عبر دعم الغطاء الذهبي للعملة الصينية والدفع نحو نظام نقدي دولي جديد متعدد الأقطاب.
وتتجاوز أهمية هذا الاكتشاف مجرد كونه إضافة كمية، فهو يعزز مساعي الصين الإستراتيجية لبناء نظام مالي عالمي بديل، حيث يمكن أن يؤثر على هيمنة الدولار من خلال تعزيز الاستقلال المالي وزيادة قدرة الصين على بناء منظومة نقدية موازية، ويقلل من الاعتماد على الدولار في التجارة والاحتياطيات.
وهذا يتماشى مع استراتيجية بيجين طويلة الأمد التي تشمل إطلاق “اليوان الرقمي” وعقود الطاقة المقومة باليوان .
ومع تزايد احتياطيات الذهب، يكتسب اليوان غطاءً حقيقياً يمكن أن تدعمه به بكين، مما يزيد من ثقة العالم به كعملة احتياطي بديلة، وبعض التحليلات تشير إلى أن الصين قد تسعى حتى لتأسيس بورصة ذهب خاصة بها لتسعير الذهب باليوان وليس بالدولار، مما يمثل تحولاً جذرياً في قواعد اللعبة المالية العالمية.






