يصف مراقبون زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن بالتاريخية، حيث تشير إلى تحول سوريا من مجرد طرف في الأزمات الإقليمية، إلى “شريك أساسي في صناعة الحلول” بالمنطقة، عبر السعي لعقد “شراكة استراتيجية مع واشنطن”.
وتؤكد الحكومة السورية أنها تسعى في علاقاتها الدولية لتحقيق المصالح المتبادلة مع كافة الدول مبنيةً على الاحترام الكامل لسيادة سوريا، بما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون في مجالات الأمن والاقتصاد والتنمية، حيث سعت دمشق لإعادة بناء العلاقات من جديد على تلك الأسس مع روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وقد وصل الشرع إلى الولايات المتحدة، أمس السبت، في زيارة رسمية، بعد يوم من إزالة واشنطن اسمه من قوائم الإرهاب حيث من المقرر أن يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتشير تقارير لتوقيع اتفاقية لانضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة.
وحول مدى إمكانية أن تتحول سوريا لشريك أساسي في صناعة الحلول للأزمات الإقليمية، بدلا من التبعية؛ يقول المحلل السياسي السوري حسام نجار لحلب اليوم، إن “زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن تحديداً أخذت صدى واسعاً على كافة الأصعدة، فالبعض كان سعيداً بها وأخرون مستغربون ومصدومون منها، فهذا التحول الكبير في الموقف الأمريكي من الدولة السورية بشكل عام ومن الرئيس الشرع بشكل خاص يحمل في طياته خططاً جديدة وأفاقاً متنوعة على صعيد المنطقة برمتها، ويتساءل البعض عن عراب هذه التسويات، لكن السؤال الأكثر أهمية هل سوريا قادرة على أن تكون فاعلة في حلول شرق أوسطية طالما استعصت على العديد من الدول؟.. هناك تبدأ الحكاية”.
ويشير نجار إلى أن “الموقع الجيوسياسي لسوريا يجعلها مؤهلة لتكون العمود الفقري في أي تحركات مصيرية في المنطقة وخاصة إن كان هناك توافق على دورها الاستراتيجي هذا، يضاف له وجود قيادة حكيمة تستطيع تغليب مصالح الشعب على باقي المصالح دون الإضرار بها، ومن هناك نعتقد أن لدى سوريا هذه القدرة”، على المشاركة في صناعة الحلول.
التحالف الدولي
أجرى الرئيس السوري أول زيارة له إلى الولايات المتحدة للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك لكن زيارته إلى واشنطن اليوم هي الأولى لرئيس سوري منذ استقلال البلاد عام 1946، وسط توقعات بالانضمام إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
يأتي ذلك بالتزامن مع شن حملة عمليات استباقية على مستوى سوريا ضد خلايا تنظيم الدولة، وكان المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا قد أعلن يوم أمس السبت تنفيذ 61 مداهمة وإلقاء القبض على 71 فرداً ومصادرة متفجرات وأسلحة في كل من حلب وإدلب وحماة وحمص ودير الزور والبادية، وأيضا الرقة ودمشق وريفها.
ونقلت وكالة رويترز في وقت سابق عن “ستة مصادر مطلعة” أن واشنطن تستعد لنشر قوات في قاعدة جوية في دمشق للمساعدة في إتاحة تنفيذ اتفاق أمني تتوسط فيه الولايات المتحدة بين سوريا وإسرائيل.
ولفت إلى أن “بناء الشراكات بين الدول يعتمد على التعاون المستمر وفق المصالح لكل منهما، والندية في الشراكة ضرورة وليست شراكة التبعية، وتنبع من احترام متبادل وفق سيادة كل دولة وعدم طغيان أحدهما على الأخر، فهذا يفتح طرقاً وآفاقاً واسعة في كل المجالات وخاصة الاقتصادية التي هي عصب المجتمعات وقوتها، وإن كان البلدان يتمتعان بقوة من خلال عناصر عديدة تمكنهما من السير لسنوات طويلة في هذه الشراكة”.
وقال وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني خلال لقائه مع ممثلي المنظمات السورية في العاصمة الأمريكية واشنطن إن عام 2026 سيكون عام التنمية لسوريا، لافتاً إلى أن الحكومة ستربط عمل المنظمات السورية في واشنطن بعملية إعادة بناء سوريا وأن الوزارة تعمل بشكل مستمر وجبار، وبطريقة مختلفة عن عمل وزارة خارجية أي دولة أخرى.
وجاءت تصريحات الوزير الشيباني خلال لقاء جمعه مع الشرع وعدد من ممثلي المنظمات السورية في العاصمة واشنطن، لبحث القضايا المتعلقة بالجالية السورية ونشاطها في الولايات المتحدة.
من جانبه أشار الشرع إلى أن الفرصة المتاحة أمام السوريين اليوم هي فرصة نادرة ينبغي استثمارها، مؤكداً أن العقوبات المفروضة على سوريا في مراحلها الأخيرة، ودعا إلى مواصلة العمل حتى رفعها بالكامل.
ومضى نجار بالقول إن سوريا “حاولت في فترة ماضية دخول التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة بدعم من السعودية والأردن وتم رفض الطلبات عدة مرات، وكان الهدف منه التأكيد على دور سوريا في محاربة التنظيم خاصة والإرهاب عامة، وقطع الطريق على تنظيم قسد وادعاءاته المستمرة أنه حجر الزاوية في محاربة داعش، وأن العالم كله وفي مقدمته أمريكا تعتمد عليه في هذا، لذلك عمدت الدولة السورية من خلال المعلومات الاستخباراتية بالبدء بعملية البحث والملاحقة قبل تحديد موعد الزيارة”.
وأضاف أن “هيئة تحرير الشام عندما كانت في إدلب سبق أن تعاونت مع التحالف في ملاحقة قادة التنظيم، لذلك فالعمليات الجديدة التي تمت هي تأكيد للجميع بما فيها التحالف وأمريكا على قدرة الدولة السورية في السير بهذه الخطوات، يضاف له أنها قادرة على أن تكون فاعلاً ومحركاً أساسياً من خلال معرفة الأرض والتضاريس وطرق الاختباء لعناصر التنظيم، فالدولة السورية تهيأ الجو قبل اللقاء المرتقب”.
ومن المرتقب أن يلتقي الشرع بترامب في العاشر من الشهر الجاري، الموافق ليوم غد الاثنين، في البيت الأبيض.






