ينظر مراقبون إلى زيارة الرئيس أحمد الشرع المرتقبة إلى واشنطن بوصفها تحولاً استراتيجياً في موقف سوريا، من دولةٍ معزولة إلى شريكٍ محتمل في توازنات الشرق الأوسط مع الحرص على الانتقال من مرحلة الصراع إلى مرحلة بناء الدولة والانفتاح وإعادة الإعمار.
ويرى ساسة وإعلاميون أمريكيون أن الزيارة قد تفتح الباب أمام تعاون اقتصادي وأمني مع واشنطن، ما يُعد خطوة نحو إعادة إدماج سوريا في النظام الدولي، حيث تشير الصحف الكبرى مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز، إلى الترحيب بالزيارة بما قد يدل على تغير النظرة الأميركية لسوريا ودورها الإقليمي والدولي.
يقول الخبير الاقتصادي الدكتور فراس شعبو في إفادته لحلب اليوم، إن الزيارة سوف تكون نقطة تحوّل مفصلية وبوابة للاستفادة من الانفتاح السياسي الذي حصل والتحوّل إلى إصلاح مؤسساتي واقتصادي حقيقي داخل سوريا من خلال إعادة دمج سوريا في النظام المالي والسياسي والاقتصادي الدولي.
من جانبه وصف المحلل السياسي أحمد المسالمة، الزيارة بأنها تحول استراتيجي في طبيعة العلاقات السورية الأمريكية متوقعاً أنها ستكون ذات تأثير كبير جداً على العلاقة في المنطقة والإقليم وعلى عودة سوريا إلى مكانتها الطبيعية بين دول العالم وخصوصاً في الواقع الإقليمي الذي تغير في منطقة الشرق الأوسط.
تحول سوريا إلى أرض الفرص والاستثمارات
ينظر الأمريكيون للحكومة السورية الجديدة على أنها رمز لاستقرار الدولة بعد الفوضى، ما قد يفتح الباب أمام “التحول من اقتصاد العقوبات إلى اقتصاد الفرص”، حيث تشير تقارير إعلامية أمريكية لرغبة الولايات المتحدة في الدخول بالعقود الاستثمارية طويلة الأجل التي تخلق مصالح مشتركة في سوريا.
وترجح وسائل إعلام أمريكية أن تُمهّد الزيارة لتأسيس شراكات في مجالات الطاقة، والبنية التحتية، والتكنولوجيا الزراعية، بالإضافة إلى الأبعاد الأمنية والإقليمية وتحول سوريا إلى عامل استقرار بالشرق الأوسط.
ولكن هذا الدمج “لا يأتي من خلال بيانات سياسية أو وعود إعلامية بل يأتي عندما يصبح الاقتصاد السوري فعلاً قابلاً للثقة وجاذباً للاستثمارات من خلال شبكات النفوذ، لذلك نشاهد اليوم نوعاً من التحول في الخطاب الحكومي الذي أصبح يتحدث عن بناء الدولة، وعن الانفتاح الاقتصادي، وعن دور سوريا في تحقيق توازنات في المنطقة، وإمكانية الشراكة بدلاً من المواجهة”، وفق شعبو.
ويوضح أن ذلك “لا يبدأ من المال فقط، بل يحتاج إلى استقرار سياسي نسبي وإلى قواعد اقتصادية واضحة وإلى ضمانات لحماية الاستثمارات من النفوذ السياسي بشكل أساسي وإذا استطاعت دمشق أن تبرهن لواشنطن وجود تغيير حقيقي فإننا نطور ملحوظ في بدء التعافي الاقتصادي وقيام مناطق اقتصادية مشتركة ومشاريع طاقة ونقل مع عدة دول وأهمها الولايات المتحدة الأمريكية وعودة الشركات الدولية إلى قطاعات حيوية مثل الغاز والكهرباء والاتصالات والصحة”.
أما عن التغيير الحقيقي المطلوب لإقناع واشنطن والدول المستثمرة، فيرى الخبير الاقتصادي السوري أنه يكون بتحسين الشفافية والرقابة على الإنفاق والحوكمة وإصلاح المؤسسات المالية والمصرفية بشكل أساسي وتقديم ضمانات للاستثمارات الأجنبية والمحلية واستقرار تشريعات وعدم تغيير القوانين حسب المزاج العام.
من جانبه اعتبر المسالمة أن “الأهم هو رفع قانون قيصر الذي يعيق التنمية وإعادة الإعمار في سوريا”. ورجح أن هذه الزيارة ستفتح الأبواب أمام تعاون اقتصادي كبير بداية من رفع العقوبات ومن ثم إدخال الاستثمارات إلى سوريا ومنها انفتاح الاقتصاد السوري وانفتاح الدولة السورية أمام العالم بعد رفع العقوبات، فهي “خطوة كبيرة جداً تتمثل بدمج الدولة السورية ودمج سوريا الجديدة بالمحور العالمي والمحور الإقليمي وهو بداية انفتاح اقتصادي استثماري كبير”.
العودة للمكانة الطبيعية
يصف المحلل السياسي تلك الزيارة بأنها “خطوة سياسية واسعة تخطوها الدولة السورية الجديدة في توازن القوى الموجودة في منطقة الشرق الأوسط. حيث ستمهد إلى مسارات طويلة الأمد واتفاقيات استراتيجية أو تعاون استراتيجي طويل الأمد وليس لفترة قصيرة فسوريا أثبتت وجودها في التحركات الدبلوماسية الكبيرة والآن تبعد عن الشؤون الداخلية”.
ولفت إلى أن “التحول الأمريكي في الخطاب تجاه سوريا هو تحول إيجابي واجب على الحكومة السورية أن تستغله لتنمية الداخل السوري وتوظيف هذه الخطابات وهذه الإيجابية الأمريكية في تحسين السياسات الخارجية السورية وأيضاً لتمتين العلاقات الداخلية وتمتين الجبهات الداخلية السورية وتعزيز العمل الإقليمي والدولي واستثمار هذه التحولات في العلاقات وتعزيز الموقع الإقليمي السوري في المحافل الدولية”.
ومن المقرر أن يصل الشرع للولايات المتحدة في العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، حيث سيكون أول رئيس سوري يزور البيت الأبيض، وستكون الزيارة الثانية له إلى الولايات المتحدة بعد مشاركته في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول الماضي في نيويورك.






