مع إعلان وزارة الداخلية السورية مساء الثلاثاء، إلقاء القبض على جميع أفراد “خلية تنظيم داعش” التي نفذت تفجير كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة بالعاصمة دمشق، يتواصل الجدل بسبب التصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها البطريرك يوحنا العاشر يازجي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، إن “العملية الأمنية نُفذت بناءً على معلومات أولية، وبالتنسيق مع جهاز الاستخبارات العامة، واستهدفت مواقع الخلية في ريف دمشق، وهي مرتبطة بتنظيم داعش، ولا تمت بصلة لأي جهة دعوية”.
وأضاف أن “التحقيق مع أحد المعتقلين كشف مواقع باقي أفراد الخلية، وتمت مداهمتها وضبط الأسلحة والمتفجرات”، مشيرًا إلى أن “زعيم الخلية يُدعى محمد عبد الإله الجميلي، المعروف بلقب (أبو عماد الجميلي)، وهو من سكان منطقة الحجر الأسود بدمشق، وكان يُعرف بلقب (والي الصحراء) لدى تنظيم داعش”، لافتًا إلى أن اعترافاته المصوّرة ستُعرض لاحقًا بعد انتهاء التحقيقات.
في المقابل، أثارت تصريحات البطريرك يوحنا العاشر موجة جدل واسعة، حيث وصف التفجير بأنه “اعتداء على الكيان المسيحي”، وقال: “ما جرى ليس حادثًا فرديًا بل هو اعتداء ممنهج”، معتبرًا أن هذه الجريمة هي “الأولى من نوعها منذ أحداث عام 1860″، معبّرًا عن أسفه لعدم زيارة أي من المسؤولين لموقع التفجير “باستثناء الوزيرة هند قبوات” حسب ادعائه.
وأضاف في كلمته الموجهة إلى الرئيس أحمد الشرع: “نشكر لكم اتصالكم الهاتفي، لكن ما جرى أكبر من مكالمة ويستحق تواجداً مباشرًا”.
ردود وانتقادات حادة للبطريرك
قوبلت تصريحات البطريرك بانتقادات لاذعة من ناشطين وإعلاميين، بمن فيهم أبناء الطائفة المسيحية. واعتُبرت مزاعمه بشأن ندرة الهجمات على الكنائس في سوريا “معلومات مضللة”، حيث استشهد كثيرون بتقرير سابق للشبكة السورية لحقوق الإنسان وثّق 124 حالة استهداف للكنائس بين 2011 و2019، بينها 75 حالة على يد حزب الله وقوات النظام البائد الذي كان يسانده البطريرك، وأكدت أن ما لا يقل عن 63 كنيسة تضررت بشكل فُقدت معه القدرة على الصلاة فيها.
ورُدّ كذلك على ادعائه حول غياب المسؤولين عن موقع التفجير، بالتأكيد على زيارة عدد منهم لجرحى الهجوم، من بينهم وزير الأوقاف محمد أبو الخير شكري، ووزير التعليم العالي مروان الحلبي، ومعاون وزير الصحة حسين الخطيب، فضلا عن الإدانات التي صدرت من كافة الوزراء والمحافظين وغيرهم.
تساؤلات عن موقف البطريرك من جرائم النظام البائد
الناشط تامر تركماني تساءل عن غياب أي موقف للبطريرك من استهداف النظام البائد للكنائس، قائلاً: “هل صدر عنك أي بيان يدين قصف الكنائس في عهد بشار الأسد؟ أم أن الصور التي تجمعك به، ضاحكًا مبتسمًا، هي لسان حالك الحقيقي؟”.
وكانت “حركة التغيير الأنطاكي” قد دعت في بيان موجه إلى أبناء الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية والكنائس الرسولية والمجتمع الدولي، مطلع العام الجاري، إلى إجراء تغييرات جذرية داخل الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية، متهمة البطريرك يوحنا العاشر يازجي بفقدان الشرعية الروحية والشعبية نتيجة ارتباطه الوثيق بالنظام البائد.
كما استُحضرت مواقف سابقة للبطريرك، بينها زيارته لقبر حافظ الأسد عام 2024، حيث وصفه بأنه “رجل كرامة واستراتيجية”، إلى جانب تأييده للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتنديده بالربيع العربي واعتباره “سببًا للدمار”.
واعتبر الأستاذ محمود عادل بادنجكي أن “البطريرك ينتقم لنرجسيّته” في تصريحاته التي “تخرج عن سماحة رجال الدين، إلى فضاء التحريض، وإذكاء الفتن، ولو غلّفها أحيانا ببعض الكلمات الوطنيّة”، متسائلًا “ما الذي يدفع البطريرك للتذكير بأحداث جرت قبل 165 عاماً؟ وكأنّه يحمّل أهل دمشق كافّة ما جرى من تفجير إجراميّ”.
وأضاف: “ماذا نقول عن تأييده للمجرم بشار وقد قتل مليونا وهجّر الملايين عدا المفقودين والجرحى والأيتام وما هدمه من بيوت فوق رؤوس ساكنيها، هل يجب أن نحمّله وزر جرائم بشار لانتمائه إلى معسكره؟”.
أما الصحفي علي نجار فقد وصف الخطاب بأنه “ارتجالي”، لافتا إلى تأييد يازجي للنظام المخلوع، وللرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فضلا عن إعجابه بحافظ الأسد، ووصفه للربيع العربي بأنه “سبب للدمار”.
وأكد نجار أن النظام البائد دمر وقصف عشرات الكنائس في سوريا، وحوّل بعضها لثكنات عسكرية، وحتى 2012 في فترة الحراك السلمي فقط قتل 69 سوريا مسيحيا، مضيفا: “كل هذا لم يتحدث عنه (يوحنا) ولم يشر له حتى بعد التحرير”.
كما أعاد ناشطون تداول صور سابقة ليازجي مع بشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وصور أخرى في مدينة السقيلبية بريف حماة، عندما وقف أمام ميليشيا “الدفاع الوطني”، و”بارك” قائدها نابل العبدالله، وامتدح “جهودهم لحماية البلدة”.
موقف شعبي مسيحي مغاير
أكد العديد من النشطاء المسيحيين أن البطريرك لا يمثلهم، وأن تصريحاته لا تعكس مواقف الشارع المسيحي في سوريا. وقالت الناشطة إيفي رشدوني إن “فساد المؤسسات الكنسية، على الصعيدين المادي والأخلاقي، هو ما يدفع الشباب المسيحي للعزوف عنها”، مضيفة أن “يازجي يجب أن يُحاسب على دعمه لميليشيات شاركت في قتل السوريين”.
في السياق ذاته، قال الناشط توما الحكيم إنه ناقش عدداً من الشباب المسيحيين، واتفقوا جميعًا على أن خطاب البطريرك “لا يمثلهم”، بل يعكس “لغة تحريضية وخطاباً غير مألوف في الكنيسة السورية”.
كما أكد أن “المؤسسات الدينية في سوريا، سواء كانت إسلامية أو مسيحية، ورثت بنيتها الخطابية من النظام السابق، وبالتالي لا يمكن التعويل على مواقفها أو اعتبارها ممثلة حقيقية للشارع السوري”.