يواجه بعض النازحين العائدين من الشمال السوري إلى مدنهم وقراهم الأصلية، العديد من التحديات، وغلاء أسعار إيجار المنازل أو شرائها من أبرزها.
يقول المواطن أيمن المحمد الذي هُجر من مدينة حمص، وبنى منزلاً في مدينة سرمدا شمالي إدلب لتجنب دفع الإيجارات لـ”حلب اليوم”: “دفعت نحو 15 ألف دولار لبناء منزلي في سرمدا بعد أن توقفت أحلامي بالعودة إلى منزلي في حمص. ولكن بعد سقوط النظام، قررت العودة إلى حمص، وأردت بيع المنزل هنا”.
وأضاف: “لكنني اكتشفت أنني مثل العديد من المهجرين، أجد نفسي أمام خيار بيع المنزل بسعر رخيص، حيث لا يتجاوز ثمنه حالياً 10 آلاف دولار أو أقل، في المقابل أسعار العقارات في حمص ارتفعت بشكل كبير بسبب زيادة الطلب، مما جعلني عالقاً بين نارين، بيع منزلي بثمن منخفض، بينما أحتاج لشراء منزل في حمص بأسعار مرتفعة”.
بدوره، قال أبو عمار مهجر من مدينة حلب منذ 9 سنوات: “كنت قد تهجرت مع عائلتي بسبب قصف قوات الأسد على حلب، وكنت أحاول بناء حياة جديدة بعد التهجير، وخلال تلك الفترة قررت أن أشتري منزلاً في مدينة الدانا بريف إدلب كي أكون بعيداً عن هموم الإيجارات المرتفعة والتعامل مع أصحاب المنازل الذين يرفعون الأجار بشكل متواصل، لكن بعد سقوط النظام، بدأت أفكر في العودة إلى حلب، إلا أن الواقع كان صادماً”.
وأضاف أبو عمار: “أسعار المنازل والإيجارات في حلب ارتفعت بشكل غير مسبوق، والخيارات التي كنت أظن أنها متاحة لي أصبحت بعيدة المنال، فعلى سبيل المثال شقة بمساحة أربع غرف يمكن أن تصل قيمتها إلى 70 ألف دولار أو أكثر، وهو مبلغ يفوق طاقتي بكثير، ولم أتخيل أن العودة إلى مدينتي ستكون بهذا الشكل الصعب”.
وتابع: “هناك منازل في مدينة الدانا التي هجرنا إليها بدأت تُباع بأسعار منخفضة جداً مقارنةً بأسعار مدينة حلب، ولكن حتى لو بعت منزلي الذي لن يتجاوز سعره الـ 9 آلاف دولار، لن أتمكن من شراء منزل في حلب بالسعر نفسه، وهذا يضعني أمام خيار صعب يتمثل ببيع منزلي بأقل من قيمته، بينما لن أستطيع شراء منزل بالسعر نفسه في مدينتي”.
وبين ضغوط بيع المنازل بأسعار منخفضة وسوق العقارات الملتهب في مناطق العودة، يجد الأهالي أنفسهم أمام معادلة صعبة تتطلب حلولاً جذرية ومستدامة، وإن تحسين الأوضاع الاقتصادية، وتوفير مساكن ميسورة التكلفة، ودعم الاستقرار الاجتماعي، هي خطوات أساسية لضمان أن تكون العودة بداية لحياة أفضل، لا عبئاً إضافياً يزيد معاناتهم.
وكان معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث (UNITAR) ذكر في دراسة سابقة عام 2019 أن حلب تعتبر من أكبر المدن السورية المتضررة جراء القصف، حيث بلغ عدد المباني المدمرة فيها نحو 36 ألف مبنى، تلتها الغوطة الشرقية بـ 35 ألف مبنى مدمر.
وجاء في المرتبة الثالثة مدينة حمص التي تدمر فيها 13778 بناء، ثم الرقة 12781 بناء مدمراً، ومن ثم حماة 6405 بناء، ودير الزور 6405 أبنية، إذ ساهم هذا الدمار الكبير في انخفاض عدد المنازل المتاحة للعائدين، مما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار الإيجارات حالياً.
وكان فريق “منسقو استجابة سوريا” رصد عودة نحو 90 ألف نازح من القرى والبلدات والمخيمات في الشمال السوري إلى مناطقهم الأصلية، بينما سجل عودة أكثر من 75 ألف لاجئ من دول الجوار، منذ سقوط الأسد.
وأوضح الفريق في تقرير، أن عدد النازحين العائدين من المخيمات في الشمال السوري إلى مناطقهم الأصلية بلغ أكثر من 52 ألفاً، بينما تجاوز عدد النازحين العائدين من القرى والبلدات 37 ألفاً، ووثق التقرير عودة نحو 34 ألف لاجئ سوري من تركيا، وقرابة 20 ألفاً من لبنان، وأكثر من 21 ألفاً من الأردن.
ورأى “منسقو الاستجابة” إن عودة السوريين إلى مناطقهم أقل من المتوقع، بسبب الصعوبات المختلفة التي تواجه العائدين، مشيراً إلى أن العديد من الراغبين بالعودة ينتظرون تحسين واقع قراهم وبلداتهم خلال الأشهر المقبلة.
يذكر أن مناطق شمال غربي سوريا تضم أكثر من ألف و300 مخيم للنازحين من مختلف المحافظات السورية، الذين هجروا خلال سنوات الثورة على يد سلطة الأسد البائد، ويعيشون أوضاعًا إنسانية صعبة منذ سنوات، خاصة في فصل الشتاء.
جودي يوسف