تعتبر الزراعة من أهم القطاعات المنتجة في سوريا، حيث تعرف البلاد بتنوع مزروعاتها المرتبطة بمناخها المعتدل، والمساحات الخصبة الجيدة نسبيا، إلا أن سياسات سلطة الأسد البائدة أثرت سلبا عليه بشكل كبير، الأمر الذي يضع حكومة تصريف الأعمال اليوم، والحكومة المستقبلية المنتظرة أمام تحديات كبيرة.
وشكلت الزراعة لعقود مصدرًا رئيسيًا للدخل وفرص العمل وأساسًا للأمن الغذائي، في البلد الذي يضم حوالي 5.7 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة، وهو ما يمثل حوالي 32% من إجمالي مساحة البلاد البالغة 18.5 مليون هكتار، وتختلف هذه المساحة بين الأراضي المروية التي تعتمد على المياه الجوفية، والأراضي البعلية التي تعتمد على الأمطار.
ورغم توافر تلك الأراضي فإن البلاد تعاني من ندرة المياه بسبب التغيرات المناخية، وتراجع معدلات هطول الأمطار، وتناقص التدفقات المائية من الأنهار المشتركة مثل نهر الفرات، وانخفاض المخزون الجوفي، فيما تسيطر قوات الاحتلال الإسرائيلي على أهم المواقع الزراعية في الجولان المحتل.
يقول المهندس الزراعي وائل حسين، لحلب اليوم، إن سوريا تحتاج إلى إدارة الموارد المائية بفعالية عبر تحسين أنظمة الري وتطبيق تقنيات الري الحديثة مثل الري بالتنقيط، وإعادة تأهيل البنية التحتية الزراعية، وإصلاح قنوات الري وتوفير المعدات الزراعية بأسعار معقولة.
من جانبه أكد المزارع أبو حمدان من ريف إدلب الشرقي، أن أهم المشاكل التي تواجههم كفلاحين تتمحور حول الري والسماد وتذبذب الأسعار بالنسبة للبذار والأدوية والمحاصيل.
وأوضح أن غياب الخطط الحكومية المدروسة في العقود الماضية، كان يعرض المزارع للخسائر بسبب القرارات العشوائية، التي كانت تتسبب في ارتفاع وانخفاض الأسعار بشكل غير مدروس مما يدفع بالفلاح لتخزين محصوله والأمر له تكاليفه ومحاذيره أو بيعه بسعر رخيص.
كما أوضح الرجل الستيني أن شح المياه والتغير المناخي يضغط على الزراعة بشكل كبير، حيث تراجعت مستويات الأمطار والمياه الجوفية على حد سواء.
ويشكل نقص الأسمدة والمبيدات الحشرية، وارتفاع تكاليفها عاملا إضافيا في زيادة تكاليف الإنتاج الزراعي، حيث يقول أبو حمدان إن على الحكومة الجديدة النظر لهذه القضية بشكل سريع، ويرى أن قلة الدعم الحكومي للمزارعين هي مشكلة تحتاج إلى حل عبر آليات مناسبة.
بدوره لفت المهندس حسين إلى أن البلاد تحتاج لتعزيز البحث العلمي الزراعي، ودعم الابتكار في تقنيات الزراعة لزيادة إنتاجية المحاصيل، والتشجيع على الزراعة المستدامة عبر نشر الوعي حول الزراعة العضوية وممارسات الحفاظ على التربة.
وأشار إلى أهمية تعزيز التعاون الدولي، حيث من شأنه أن يؤمن إمكانية الحصول على الدعم الفني والمادي من المنظمات الدولية لتطوير القطاع الزراعي.
وعلى الرغم من التحديات الهائلة التي تواجه الزراعة في سوريا، فإن القطاع الزراعي يمتلك إمكانيات كبيرة وقدرة على المساهمة في تحسين الاقتصاد الوطني، إذا تم استثمارها بشكل صحيح، ولكن ذلك يتطلب رؤية استراتيجية شاملة، بحسب المهندس السوري.
وتشكل الأراضي المروية حوالي 1.4 مليون هكتار، من أصل 5.7 مليون هكتار صالح للزراعة، وتعتمد على مصادر المياه الدائمة مثل الأنهار والآبار، أما الأراضي البعلية فتشكل الجزء الأكبر، ولكن هذه الأرقام تتراجع بفعل العوامل المناخية، مثل التصحر والجفاف، وبسبب تأثيرات الحرب.
وفقًا للإحصائيات الرسمية قبل عام 2011 فقد كان عدد الأشجار المثمرة في سوريا حوالي 100 مليون شجرة مثمرة تتنوع بين أشجار الزيتون والحمضيات والتفاحيات والكرمة وغيرها، وقد تراجع هذا العدد بشكل كبير نتيجة الحرب وما صاحبها من تدهور في الزراعة والبنية التحتية، فضلا عن عمليات التحطيب الجائر، وتهجير السكان والفلاحين من أراضيهم.
ويُعد الزيتون المحصول الشجري الأهم في سوريا، حيث كان عدد أشجاره يتجاوز 60 مليون شجرة قبل عام 2011، وتتركز زراعته في المناطق الساحلية والشمالية مثل إدلب وحماة واللاذقية وطرطوس.
وتأتي الحمضيات في المرتبة الثانية بعد الزيتون حيث يبلغ عدد أشجار الحمضيات حوالي 10 ملايين شجرة، وتتركز زراعتها في الساحل السوري، خاصةً في محافظتي طرطوس واللاذقية.
أما أشجار التفاح فيُقدر عددها بحوالي 15 مليون شجرة، وتنتشر بشكل أساسي في المناطق المرتفعة مثل السويداء وريف دمشق، كما تعرف تلك المنطقة بزراعتها للعنب، حيث يقدر عدد أشجار الكرمة بحوالي 7 ملايين شجرة، تتركز زراعتها في ريف دمشق وحمص وحماة.
ويوجد في سوريا العديد من أصناف الأشجار الأخرى من اللوزيات التي تشمل اللوز، والمشمش، والخوخ والرمان والجوز.
وتتميز سوريا بتنوعها الزراعي الناتج عن تنوع المناخ والتربة، ما يجعلها قادرة على إنتاج العديد من المحاصيل الزراعية، وتأتي الحبوب في مقدمتها.
ويتربع القمح على رأس قائمة المحاصيل الإستراتيجية الأكثر أهمية في سوريا، ويزرع في معظم المناطق، خاصة في المناطق الشمالية والشرقية مثل الحسكة ودير الزور، ويعتمد على الزراعة البعلية والمروية.
ويعتبر الشعير أيضا من المحاصيل المهمة حيث يُزرع في المناطق الجافة وشبه الجافة، ويُستخدم كعلف حيواني إضافة إلى الاستهلاك البشري، ويزرع في معظم المناطق، ويعتمد على الزراعة البعلية والمروية.
ومن المنتجات المهمة في سوريا؛ القطن الذي يُزرع في المناطق الشرقية مثل الحسكة ودير الزور، ويُعد من المحاصيل التصديرية المهمة، لكنه يعاني من التراجع بسبب نقص المياه وتدهور البنية التحتية، وهناك الشوندر السكري الذي يُزرع في المناطق الوسطى مثل حماة وحمص، ويُستخدم في صناعة السكر.
كما تعتبر سوريا من الدول المنتجة للمحاصيل البقولية كالحمص والعدس الذي يزرع بشكل رئيسي في المناطق البعلية مثل حلب وحماة وإدلب، وتُستخدم في الاستهلاك المحلي والتصدير.
أما الخضروات فتنتشر زراعتها في معظم المناطق المروية، وتشمل البطاطا التي تُزرع بشكل رئيسي في ريف دمشق ودرعا والشمال الغربي، والبندورة التي تُزرع في حماة وحمص ودرعا، والبصل والثوم الذين يُزرعان في مختلف المناطق.
وهناك أيضا المحاصيل العلفية المهمة مثل البرسيم والذرة العلفية التي تستخدم بجانب الشعير لتغذية الثروة الحيوانية.
ومع الكوارث التي خلفها النظام البائد على كافة الأصعدة، انخفضت مساحة الأراضي الزراعية المروية وزاد الاعتماد على الزراعة البعلية، التي تخضع بشكل كبير لتقلبات الطقس، فضلا عن الأسعار غير المناسبة والتكاليف المرتفعة التي جعلت معظم الفلاحين في معاناة كبيرة.
ويمثل الجفاف مشكلة أساسية في سوريا، كما تسبب حفر الآبار العشوائي في استنزاف المياه الجوفية خلال السنوات الماضية، مع غياب سلطة الحكومة في كثير من المناطق، كإحدى تداعيات الحرب التي استمرت ضد السوريين لعقد ونصف العقد، وتركت آثارًا مدمرة على البنية التحتية الزراعية.
ومع نزوح عدد كبير من المزارعين، وسيطرة الميليشيات على مساحات واسعة وتهجير سكانها منها تراجعت الإنتاجية بشكل كبير خلال السنوات الماضية.
وتعاني بعض الأراضي الزراعية في سوريا من تدهور كبير نتيجة ممارسات غير مستدامة، كالإفراط في استخدام المبيدات والأسمدة، والتصحر، وفقدان خصوبة التربة، كما أن قطع الأشجار والاحتطاب العشوائي الذي قامت به الميليشيات والفرقة الرابعة زادا من تدهور الغطاء النباتي.
وتعاني البلاد أيضا من ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي، بما في ذلك أسعار الوقود، والبذور، والأسمدة، والمبيدات، وهو ما يجعل من الصعب على المزارعين الاستمرار في نشاطهم، بالإضافة إلى ذلك، فإن انخفاض القدرة الشرائية للسكان يؤثر على الطلب.
وشكل غياب الاستقرار الأمني والسياسي عائقًا كبيرًا أمام الاستثمار في الزراعة لسنوات حيث يمنع ذلك تنفيذ مشروعات تطوير البنية التحتية، ويؤدي إلى خسائر متكررة بسبب الحرب.
وتشهد سوريا تغيرات مناخية واضحة، منها ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة موجات الجفاف، وتغير أنماط هطول الأمطار، وهو ما يؤثر سلبًا على إنتاجية المحاصيل الزراعية ويجعل التخطيط الزراعي أكثر تعقيدًا.