رغم حديث إيران عن احترامها لخيارات السوريين والحرص على علاقات إيجابية مع الإدارة الجديدة للبلاد، إلا أنها لا تزال تحاول إثارة المشكلات وزعزعة الاستقرار الداخلي، عبر تحريض فلول نظام الأسد البائد، بالإضافة لدعم قوات قسد المتخوفة من الانسحاب الأمريكي المحتمل.
ومنذ الأسبوع الأول لسقوط الأسد، صدرت تصريحات من طهران ألمحت لتأييدها ودعمها محاولات من تبقى من الشبيحة والضباط والعساكر من مرتكبي الجرائم، استهداف مقاتلي الإدارة العسكرية بعمليات وكمائن، إلا أن الأخيرة نجحت في إحباط تلك المحاولات وتحجيمها، فيما تستمر الحملات، وكان آخرها ما بدأت به صباح أمس في مدينة جبلة بريف اللاذقية.
وفي شرقي البلاد تعمل إيران على طمأنة قسد القلقة من انسحاب أمريكي محتمل قد تليه مواجهة مع الإدارة العسكرية السورية، وربما بالتعاون مع الجيش التركي، حيث تحدثت عدة تقارير متقاطعة عن تقديم طهران الدعم لها.
وأكدت صحيفة “يني شفق” التركية صحة تلك المعلومات، حيث كشفت مؤخرا عن “اجتماع سري جرى في العراق بين مسؤولين إيرانيين وأعضاء من تنظيم PKK” هدفه تقديم الدعم لها في سوريا والعراق.
وحول ذلك قال الكاتب والمحلل السياسي السوري مصطفى النعيمي، لحلب اليوم، إن “تخادم الإرهاب في المنطقة العربية عبر المكونات السرطانية يعتبر هدفا إستراتيجيا بالنسبة للمحور الإيراني بمكوناته الولائية متعددة الجنسيات”، مشيرا إلى المصالح المشتركة لها مع قوات قسد.
وبحسب الصحيفة فإن “إيران تعهدت خلال الاجتماع بتزويد تنظيم PKK بـ 1500 طائرة مسيرة انتحارية، في خطوة أثارت جدلاً واسعًا في ظل التوترات الإقليمية المستمرة”، الأمر الذي يساهم بزعزعة أمن تركيا والعراق وسوريا.
وبحسب النعيمي فإن التعاون المباشر بين فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني من جهة، وبين حزب العمال الكردستاني من جهة أخرى أمر وارد، حيث أن المشروع الإيراني بات يبحث عن موطئ قدم جديد له في سوريا، وهذا لا يتحقق إلا في الخواصر الرخوة وهي اليوم مناطق سيطرة حزب العمال pkk وفرعه في سوريا.
ولفت إلى أن الحزب متضرر جدا من النتائج التي حققتها الثورة السورية التي أسقطت الأسد، فبالتالي فهو يبحث عن الإرهاصات التي تزيد من عمره في سوريا، عبر التخادم مع الإيرانيين لمنع أي مشروع للسلام في المنطقة العربية عموما وسوريا خصوصا.
الدعم الإيراني يتلاقى مع الإسرائيلي
يأتي ذلك فيما صرّح مسؤولون ووسائل إعلام إسرائيلية بضرورة دعم قسد في سوريا، ومنع أي هجوم عسكري قد يستهدفها.
ونشرت قناة “كان” العبرية، في تقرير لها، منذ أيام، أن قسد تتواصل مع إسرائيل لطلب المساعدة منها، مشيرة إلى “حالة من القلق والذعر بسبب احتمال سحب الولايات المتحدة قواتها من سوريا”.
وقال قيادي من قسد، إنه “إذا قدمت إسرائيل الدعم السياسي للتنظيم في المحافل الدولية وأقنعت فريق الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بمواصلة دعم التحالف الدولي في سوريا ووقف التهديدات القادمة من تركيا فإن ذلك سيكون نقطة تحول تاريخية في علاقات التنظيم مع إسرائيل”.
ولفت تقرير القناة التابعة لهيئة البث الإسرائيلية الرسمية، إلى “إنشاء قناة اتصال بين إسرائيل وقسد في الأسابيع الأخيرة الماضية”.
وقال المحلل السياسي المختص بالشأن الإيراني إن دعم طهران لحزب العمال مبني على أساس التفاهمات لكلي الجانبين فيما يخص مواجهة “أعدائهم التقليديين”، أي إدارة العمليات العسكرية، وعلى ما يبدو فإن قسد أدركت أن مشروعها انتهى لذلك فهي تحاول مد يد باتجاه حكومة تصريف الأعمال في دمشق.
ووفقا للنعيمي فإن حزب العمال pkk يرفض تصالح قسد مع دمشق، وبالتالي فإنه سيتعاون مع أي قوى للوصول إلى أهدافه الإستراتيجية المتمثلة باستدامة الفوضى في المناطق التي يسيطر عليها.
وكانت إسرائيل قد صرحت بموقفها الرافض لسيطرة إدارة العمليات العسكرية على دمشق وإسقاط الأسد، داعية الغرب إلى الحذر منها والحفاظ على دعمها لقسد.
استياء تركي غير مُعلن من إيران
تبدو وسائل الإعلام التركية مستاءة من إيران، خلال الآونة الأخيرة، حيث لوحظ وجود تغير في اللهجة تجاهها بعد سقوط الأسد.
وأشارت “يني شفق” إلى “مساعي إيران لاستعادة نفوذها في سوريا بعد سقوط نظام الأسد المخلوع الذي استمر 61 عامًا”، حيث “طلب تنظيم PKK الحصول على 2000 طائرة مسيرة، لكن إيران أبلغتهم بعدم القدرة على توفير أكثر من 1500 طائرة، حيث تم الاتفاق على هذا العدد، مع أن هناك مشكلات تعيق عملية التسليم”.
وأضافت أن “التنظيم يسعى لاستخدام هذه الطائرات المسيرة ضد الطائرات المسيرة والطائرات القتالية والوحدات العسكرية التركية، ولكن تركيا أكدت أنها ستتحرك عسكريًا إذا اكتشفت شحنات جديدة، ما جعل التعاون بين إيران والمنظمة الإرهابية في مأزق”.
ويبدو الاستياء التركي من تلك السياسة الإيرانية واضحا في وسائل الإعلام المحلية، بما فيها الرسمية، لكن أنقرة لم تعلق بشكل رسمي على تلك الأنباء.
ويرى النعيمي أن وجهة النظر التركية تتمثل بعملية إخراج إيران من المنطقة العربية عموما، وسوريا بشكل خاص، لأن التخادم بات ملحوظا فيما بين مشروعين حزب العمال والحرس الثوري، وبالتالي هذا يثير غضب أنقرة بشكل كبير لكنها لا تتحدث بذلك.
وأشار إلى ارتفاع وتيرة العمليات العسكرية التي تستهدف قادة حزب العمال في كل من سوريا والعراق، حيث يرى أن تيا تحاول فصل الساحتين من خلال عمليات عسكرية وتوغل بري في بعض الأحيان يصل إلى أكثر من 150 كلم لاستهداف قيادات الحزب، لافتا إلى “معلومات مؤكدة تملكها تركيا تفيد باستخدام مسيرات أحادية الاتجاه ذات منشأ إيراني في مناطق سيطرة قسد”.
وبحسب المصادر فإن حزب العمال الكردستاني هو من يطلق تلك المسيرات، وبناء عليه يرى النعيمي أن هذا التفاهم الذي يجري بين كلي المحورين يدفع الجانب التركي للابتعاد عن إيران التي باتت الجهة غير المنضبطة العاملة في المنطقة العربية والتي تهدد الأمن المحلي للمنطقة والإقليم والمنظومة الدولية برمتها”.
وبحسب المحلل السوري فإن التهديد لا يقتصر على الساحتين السورية والعراقية بل يصل إلى اليمن ويهدد الأمن الدولي، وبناء عليه فإن المواقف التركية “ستكون أشد صرامة في المرحلة القادمة بالتعامل مع ميليشيا محور إيران بمكوناته المختلفة”.
ولفت تقرير الصحيفة إلى أن “المراقبة الدقيقة من الجانب التركي، أفضت إلى إلغاء شحنة كان من المقرر تنفيذها شمالي العراق”، حيث أن “الضغوط التركية دفعت التنظيم إلى تبني إستراتيجية جديدة تقوم على إدخال الطائرات المسيرة إلى سوريا بشكل متقطع لتجنب الكشف، ومع ذلك، يبقى نجاح هذا المخطط غير مضمون”.
وتتلقى قسد دعما عسكريا وإعلاميا وسياسيا من الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، وكان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قد أشار إلى أن أجهزة الاستخبارات الغربية تتلاعب بالمنطقة عبر استخدامها لورقة قسد، وتنظيم PKK.
يشار إلى أن قسد طلبت دعما عسكريا فرنسيا لحمايتها في شمال شرق سوريا، حيث قدمت مقترحا بنشر قوات قرب الحدود، في حال أمر ترامب بسحب الجنود الأمريكيين.