جدّد قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) دعوته للولايات المتحدة الأمريكية، لعدم سحب قواتها من شمال شرق سوريا، بحجة مكافحة تنظيم الدولة، فيما حاول طمأنة تركيا والقيادة السورية الجديدة
وفي تصريح لصحيفة “الغارديان” قال عبدي إن إزالة قوة قوامها 2000 جندي “ستترك الباب مفتوحا أمام عودة ظهور تنظيم الدولة”، داعيا ترامب إلى الحفاظ على الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، ومحذرا من أن التنظيم “زاد من قوته في الصحراء بعد الاستيلاء على أسلحة من نظام الأسد المنهار”.
يأتي ذلك فيما يبدو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مصرا على حل ملف قسد في الشمال السوري، بالقرب من حدود بلاده، بشكل نهائي، وتسعى الأخيرة لإيجاد حلول وسطية تضمن لها بقاء سيطرتها على حالها، وسط مفاوضات مستمرة مع الحكومة السورية لتسيير الأعمال.
وتتخذ قسد ذلك الموقف مدعومة بالمواقف الغربية الضاغطة على دمشق باتجاه عدم الاصطدام معها، بينما تبدو حسابات الإدارة الجديدة لسوريا في غاية التعقيد جراء الوضع الحرج الذي تعيشه البلاد.
يقول الكاتب والمحلل السياسي السوري أحمد مظهر سعدو، لحلب اليوم، إنه من الممكن الوصول لحل سياسي لملف قسد، رغم أنه يرى تفاهما ممكنا بين أردوغان وترامب قد يمنح أنقرة الضوء الأخضر للعمل العسكري ضد قسد.
وفي حال أدركت الأخيرة ذلك فإن هذا سيكون عاملا مساعدا في الضغط باتجاه التوصل إلى اتفاق، “إذ ما يزال الباب مفتوحا أمام كل الفصائل والمليشيات للاندماج في مؤسسة الجيش السوري”، وفقا لسعد.
وادعى عبدي أن عناصر التنظيم كان يخططون لضرب مراكز الاحتجاز التي تضم سجناءه، حيث “كانوا يأملون في الاستفادة من حقيقة أن قسد منشغلة بشكل أساسي في الدفاع عن منطقتها أمام تركيا والجيش الوطني السوري المتحالف معها”.
وأضاف أنه يعتقد أن الرئيس الأميركي المنتخب سوف يدرك المخاطر التي تنطوي عليها عملية الانسحاب، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن “الهجمات الإرهابية الأخيرة في الولايات المتحدة نفسها” – في إشارة إلى الهجوم الذي نفذه تنظيم الدولة في نيو أورليانز في يوم رأس السنة الجديدة – “كانت بمثابة إشارة للرئيس القادم إلى أن التهديد الإرهابي يتزايد”.
وكانت فرنسا قد وصفت عناصر قوات قسد بالمقاتلين من أجل الحرية، مؤكدة دعمها لهم، في موقف مشابه لما صدر عن ألمانيا أيضا، فيما أكدت الولايات المتحدة مرارا دعمها المستمر لقسد بحجة محاربة تنظيم الدولة، وحذر مسؤولون أمريكيون الأسبوع الماضي من إمكانية هروب سجناء تنظيم الدولة في حال تعرضت قسد لهجوم.
لكن أردوغان، نفى في تصريحات له الحاجة لقوات قسد من أجل إدارة ملف التنظيم في سوريا، حيث قال إن الحكومة السورية قادرة على التعامل معه بما في ذلك قضية السجون.
بدورها قالت الإدارة العسكرية إنها مستعدة للوصول لحل يتضمن دمج قوات قسد، وكافة الفصائل في سوريا بالجيش الجديد للبلاد، بما في ذلك فصائل محافظة السويداء، ولكن يبدو أن عقبات عديدة لا تزال قائمة.
ورغم تصريحات الحكومة السورية المؤكدة لتجنب الصدام العسكري، تصر أنقرة على الحلول الجذرية، التي تؤدي لتفكيك قسد وإلغاء أي وجود لحزب العمال pkk قرب حدودها، وإن كان تحت عناوين محلية، فيما تواجه دمشق خيارات صعبة، بسبب حاجتها لرفع العقوبات الغربية وانطلاق إعادة الإعمار.
وألمح الرئيس التركي إلى أن وعود ترامب بسحب قوات بلاده من عدة دول خارجية، بما في ذلك سوريا، سيمنحها ضوءا أخضر للتحرك بعمل عسكري جديد.
ويرى سعدو أن “تصريحات ترامب الأخيرة”، توحي بأن العمل العسكري قد يكون وشيكا، إن لم تدرك قسد ذلك، معتبرا أن الحل المناسب هو “أن تسارع إلى الانضمام للمؤسسة العسكرية السورية”، لكن يبدو أن “المصالح الأميركية في شمال شرق سورية مازالت حاضرة ومستمرة”، حيث تحتفظ واشنطن بنحو 1500 جندي ينتشرون في محيط حقول النفط، ويمثلون حماية لاستمرار قسد بالمنطقة.
وقال أردوغان إن الإدارة السورية الجديدة تظهر موقفاً حازماً في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وهيكلها الموحد، مضيفا أن “نهاية حزب العمال الكردستاني اقتربت، وأعضاء التنظيم لا خيار لهم سوى التخلي عن الإرهاب وحل التنظيم”.
ويرى سعدو أن “تنفيذ الوعد التركي بإنجاز عملية عسكرية مرهون بالتفاهم مع الأمريكيين ولا يبدو أنه قد حصل حتى الآن”، ولكن تهديد أنقرة “يعني دفع قسد إلى حل نفسها والانضمام للجيش السوري”.
وفي حال عدم استجابة قسد لذلك “فسيكون مصيرها عمل عسكري تركي كبير يحافظ فيه الأتراك على أمنهم القومي”، وفقا للكاتب السوري.
وهدد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، منذ أيام، بشن عملية عسكرية ضد قسد في شمال شرقي سوريا، إذا فشلت في تلبية مطالب أنقرة، وقال في مقابلة تلفزيونية: “سنفعل ما هو ضروري”.
وبحسب ما قاله عبدي فإن إدارة بايدن السابقة ركزت على “جهود الوساطة” بين تركيا وقسد، ووصف الوضع بين الجانبين بأنه “مستقر جزئيا”، مع وجود اشتباكات محدودة فقط حول منطقة الفرات، معتبرا أن الاستقرار والأمن في المنطقة الإستراتيجية في المستقبل “ينبع من الحفاظ على الوجود العسكري الأميركي”، ومشيرا إلى أن أي “انسحاب للقوات الأميركية” سيؤدي إلى “حالة فوضوية أخرى، وقد يؤدي هذا إلى حرب أهلية لأن العديد من الفصائل تهدد قسد”.
كما وجه عبدي نداءً للحصول على دعم أوروبي بينما يدرس ترامب خياراته، وقال إن قوات سوريا الديمقراطية “لم تقاتل نيابة عن شعبها وقواتها فحسب، بل قاتلت ضد تنظيم الدولة نيابة عن الدول الأوروبية”.
وطالبت إلهام أحمد، الرئيسة المشاركة لدائرة الشؤون الخارجية في الإدارة الذاتية بتدخل قوات غربية لحماية قسد من أية عمليات عسكرية، وقالت إن محادثات جارية لما وصفته بتأمين حدود شمال سوريا، من قبل قوات أميركية وفرنسية، حيث طلب من باريس مساعدتها على إقامة “علاقة جيدة مع تركيا في إطار جهود رامية تهدف إلى نزع فتيل الصراع”.
وأضافت أن الإدارة الذاتية مستعدة لتولي التحالف الأميركي الفرنسي مسؤولية تأمين حدود سوريا الشمالية، وأنه “بمجرد أن تتمكن فرنسا من إقناع تركيا بقبول وجودها على الحدود، عندها يمكننا أن نبدأ عملية السلام، نأمل أن يتم تسوية كل شيء في الأسابيع المقبلة”.
ولم يصدر أي تعليق رسمي من فرنسا والولايات المتحدة أو حتى تركيا على تلك التصريحات، حتى لحظة نشر التقرير.
يذكر أن النفط والغاز في مناطق سيطرة قسد شرقي سوريا، يكفيان معظم احتياجاتها، ما قد يُغني عن استيراد المحروقات بدرجة كبيرة، وذلك في حال سيطرت الحكومة عليه واستغلته بإنتاجية حقيقية.