لا تزال إدلب شمال غربي البلاد تشهد ارتفاعا في قيمة إيجارات البيوت والمحال التجارية، رغم تحرير البلاد والبدء بالعودة التدريجية للنازحين المقيمين في المنطقة، نحو مدنهم وقراهم في مختلف أنحاء البلاد.
وكان من المتوقع انخفاض الإيجارات بنسبة كبيرة عقب تحرير كامل البلاد وتمكُّن النازحين من العودة، لكن حالة الدمار الواسع التي تنتشر في مختلف المحافظات جعلت الكثير منهم يؤجلون الرجوع في انتظار حلول مشاريع التعافي المبكر وإعادة الإعمار، وهو الأمر الذي يستغرق وقتا طويلا، ولا يزال في طور التكهنات.
وتضم إدلب نازحين من مختلف أرجاء البلاد؛ من العاصمة دمشق ومحيطها إلى محافظة درعا وحمص وحماة ومختلف أنحاء البلاد الشرقية بما في ذلك الأجزاء التي تخضع لسيطرة قوات قسد، لكن النسبة الأكبر من النازحين قادمة من المناطق المجاورة في أرياف المحافظة وريفي حلب وحماة.
يقول الشاب محمد حسن لموقع حلب اليوم، إن تعرض قريته للدمار في ريف حلب يحرمه من العودة، حاله حال الكثيرين من السكان وهو ما دفعه لتجديد عقد إيجاره لستة أشهر إضافية، في انتظار التوقعات ونتائج الأحاديث المتداولة بين السكان حول مشاريع إعادة الإعمار، لعل منظمة ما تدعمه في ترميم منزله أو إعادة بنائه
وأوضح أن توقعاته بانخفاض إيجارات البيوت لم تكن صائبة، حيث أن المؤجرين لم يتنازلوا ولم يتهاونوا في أسعارهم، بل حتى إن بعضهم – فيما يبدو كردة فعل – طلب رفع الإيجار بدلا من خفضه، وفقا لمحمد.
بدوره قال أبو حسين تاجر المواد الغذائية إنه اضطر لدفع إيجار غال جدا يتجاوز 400 دولار أمريكي شهريا، بسبب إصرار صاحب المحل على رفعه بشكل مستمر، واستغلال حالة الطلب على المنازل والمحال التجارية، خلال السنوات الماضية، حيث يوضح الرجل أنه يحتاج إلى مكان واسع ومؤهل يستوعب كمية البضاعة الموجودة لديه إلا أن السعر مرتفع جدا.
وعقب تحرير قريته في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، بادر صاحب المحل ليطلب المزيد ويرفع الإيجار إلى نحو 500 دولار شهريا، بعد أن علم أن القرى التي تم تحريرها في هذه المنطقة مدمرة بالكامل وغير صالحة للعيش، ولا يُتوقع أن يعود أصحابها إليها في المدى المنظور، وهو ما يبدو أنه دفعه لاستغلال الفرصة الأخيرة كما يسميها أبو حسين، عبر رفع الإيجار، قبل عودة النازحين.
ومع تحرير البلاد من الميليشيات الإيرانية وقوات الأسد، بات في إمكان ملايين النازحين بالشمال السوري العودة لمنازلهم وبيوتهم، لكن القسم الأكبر منهم كان أمام معضلة، تتمثل في التدمير الشامل لمناطقهم.
وأشار مراسل حلب اليوم إلى أن تلك المناطق بدأت تشهد عودة خجولة للحياة، حيث يعمل سكانها على إصلاح منازلهم ومحالهم بشكل جزئي، كما ظهرت بعض السيارات المتنقلة لبعض المهن، فيما لا يزال مشهد الدمار طاغيا.
ويبلغ عدد سكان الشمال السوري، في كل من إدلب وريف حلب أكثر من 6.6 ملايين نسمة، بحسب آخر إحصائية نشرها فريق منسقو استجابة سوريا، مع تناقص جهود الإغاثة الإنسانية وتراجع مستويات الدخل، ويشكل النازحون ما يقرب من 50 بالمائة، من مجمل السكان، وتزيد معدلات العوز والبطالة في صفوفهم عن السكان الأصليين.
أمام هذا الواقع يجد الرجل الخمسيني أبو بهاء نفسه مضطرا للعودة إلى قريته، حيث يقول إن تكاليف المعيشة المرتفعة وحرمانه من مصادر الدخل طيلة السنوات الماضية، واستغلال أصحاب البيوت والمحال لحالة النزوح اضطره لدفع مبالغ كبيرة شهريا استنفذت ما بحوزته، وهو اليوم يفضل العودة إلى منزله المدمر، واستصلاحه بشكل بسيط على البقاء تحت طمع أصحاب العقارات كما يقول.
وأوضح أنه يدفع نحو 400 دولار شهريا كإيجار لمنزله ومحله التجاري، ويقول إنه لو وضع هذا المبلغ في استصلاح منزله لكان خيرا له، حيث ستبقى تلك الأموال التي يضعها في مُلكه وفي أرضه وقريته، بدلا من أن تذهب للمؤجر.
ورغم مناشدة العديد من النازحين خلال السنوات الماضية لحكومة الإنقاذ من أجل التدخل وتنظيم هذا الوضع، وإيجاد حلول للحد من طمع أصحاب العقارات، إلا أنها لم تقم بأي تحرك جدي لمنع هذه الظواهر.
يأتي ذلك فيما يشهد سوق العقارات حالة من البرود وعدم اليقين، بسبب الضبابية وعدم الوضوح بشأن المستقبل، وسط حالة الاضطراب التي يشهدها حاليا.
ويقول مراسلنا في المنطقة نقلا عن أصحاب مكاتب عقارية وتجار عقارات ومطلعين على الأوضاع، إن السوق لا يزال يشهد حالة من الركود وإن استمرار ارتفاع الإيجارات لا يعني استمرار ارتفاع الأسعار بالنسبة لعمليات البيع والشراء.
ويرجح التجار أن عودة النازحين التدريجية والمتوقعة ستؤدي على المدى الطويل إلى انخفاض الطلب، لكن أصحاب العقارات لا يزالون متمسكين بالحفاظ على الأسعار، فيما يحجم الراغبون بالشراء عن ذلك في انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع، وهو ما رافقه انخفاض نسبي حتى الآن.
ويبدو أن السوق سيتجه نحو الانخفاض الكبير عاجلا أم آجلا، سواء كان لناحية أسعار العقارات أو الإيجار، وذلك بحسب تجار يرون أن الأمر مجرد مسألة وقت في انتظار تنفيذ مشاريع التعافي وإعادة الإعمار المرتبطة بعودة النازحين.