دفعت حالة الانهيار الكبيرة لليرة السورية خلال السنوات الأخيرة من عهد الأسد السوريين إلى البحث عن بديل، عبر التعامل بالليرة التركية، في الشمال الغربي، طلبا للتداول بعملة أكثر استقرارا.
وتتجه الأنظار اليوم إلى استعادة قوة العملة الوطنية السورية، وإنهاء كافة التبعات التي رتبتها الحالة الاستثنائية للبلاد بجريرة النظام البائد؛ سياسيا واقتصاديا.
لكن وضع الليرة السورية، ومستقبلها، لا يزال غامضا إلى حد ما، لارتباط ذلك بالعديد من العوامل المتقاطعة داخليا وخارجيا، ووجود تحديات جمة أمام الحكومة في المرحلة الانتقالية.
يقول الخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو، لموقع حلب اليوم، إنه يجب أن يتم ضبط عملية التداول بالليرة التركية مع قادم الأيام وإحلال العملة المحلية مكانها بعد تبديلها، لعدة أسباب.
وأوضح أن العملة رمز للسيادة وللثقة ولقوة الاقتصاد، كما أن التعامل بغير عملة البلد يعرض السكان لتأثير ما يعرف بالتضخم المستورد، فإذا أخذ بلد ما عملة بلد آخر فهذا يعني أن مشاكل ذلك البلد الاقتصادية ستنتقل إليه، والاقتصاد التركي يتعرض للتضخم والليرة التركية ليست قوية بما يكفي، لذا فقد يكون التعامل بها بمثابة استيراد للتضخم، كما يفضل العودة لليرة السورية من باب الحرية الاقتصادية وعدم التبعية المالية.
ويؤكد خبراء ومراقبون أن الطريق أمام الليرة السورية للتحسن لا يزال طويلا، كما أنه من المتوقع أن يستمر سعر الصرف في التذبذب خلال الفترة القادمة، وفقا لما قاله الخبير الاقتصادي السوري أدهم قضيماتي، لحلب اليوم، حيث تحتاج الكثير من الجهود المحلية والدعم الدولي.
من جانبه يؤكد شعبو أن تذبذب سعر الصرف مشكلة أساسية، وأن استقرار سعر الصرف أهم من قيمته بحد ذاتها، لكنه يرى أيضا أن التعامل بالليرة السورية في الشمال يدعمها ويساعد في قوتها، ويساعد في أن تكون سوريا دولة مستقلة ذات اقتصاد مستقل وبإمكانات مستقلة.
ويضيف أنه من غير اللازم وقف التداول بالليرة التركية حاليا، حيث يمكن اليوم أن يستمر ذلك، ولكن هذا الأمر يجب أن يتوقف في مرحلة ما، أو يضبط بشكل كبير، مع العلم بأن تسعير المواد فعليا مبني على الدولار أي أن التداول فعليا هو بالدولار، ولكن يجري التقايض بالليرة السورية والتركية، و”في كل الأحوال يجب ضبط هذا الموضوع حتى يكون هناك نوع من الاستقلالية المالية في المستقبل”.
من جانبه لفت قضيماتي، إلى أن إصلاح الأوضاع الاقتصادية المتردية “يستغرق وقتا، فالإدارة الجديدة بدأت تتخذ خطوات وشرعت بإجراء الدراسات والمخططات المتعلقة بالتعافي المبكر، وهذا هو الأهم بالنسبة لنا خلال المرحلة القادمة”.
وأوضح أن “حكومة الإنقاذ كانت قائمة وليست جديدة، فهي تملك الخبرة لإدارة البلاد، وكانت تدير إدلب وهي اليوم تنقل خبرتها لبقية المحافظات”.
وحول مدى قوة الليرة السورية وإمكانية التعامل بها، قال إن “أي بلد تتعرض لنصف ما تعرضت له سوريا.. يمكن أن نشهد فيها انهيارات أكبر لعملتها المحلية”، مستبعدا حصول تحسن ملحوظ أو فرق كبير خلال الأيام القادمة، ومرجحا بقاء الوضع على ماهو عليه ضمن فترة تمتد من 3 حتى 6 شهور.
واعتبر أن “الأهم هو إعادة ترتيب البيت الداخلي”، أما عن النهوض بالوضع الاقتصادي؛ “فنستطيع القول أن الحكومة – على الصعيد المدني – بدأت بالتنفيذ وليس بالتخطيط فقط”.
تركيا متحمسة للمساعدة
تلقت تركيا التطورات في سوريا بترحيب كبير، وسارع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمطالبة المجتمع الدولي بدعم إعادة إعمار سوريا، كما زار مسؤولون أتراك دمشق، فيما يعتزم وزير الخارجية التوجه أيضا إلى العاصمة السورية.
وعقب سقوط الأسد بساعات، أعلنت تركيا استعدادها لدعم الحكومة الجديدة اقتصاديا، كما أرسلت عدة دول رسائل إيجابية بشأن التغير الحاصل، وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إن بلاده تنتظر من اللاعبين الدوليين والأمم المتحدة دعم الشعب السوري في تشكيل إدارة شاملة.
وأكد أن بلاده “ستواصل عملها المتعلق بإعادة إعمار سوريا من جديد”، فيما قال أردوغان، إنها “ستقف إلى جانب سوريا حتى تصبح على أرضية صلبة، وسنبذل كل ما يمكنها من أجل إعادة إعمارها”.
وحول التصريحات التركية؛ قال قضيماتي: “نحن متفائلون بذلك، وكل أطياف الشعب السوري أيضا”، أما “بالنسبة لباقي الدول فيجب أن يكون التركيز من قبل الأشخاص الفاعلين على الأرض باتجاه قبول المساعدة على التعافي، والقيام بالاستثمارات دون أن تكون هناك في المقابل إملاءات سياسية أو أن تكون على حساب أطراف معينة”.
وكانت سوريا قد حلت في المرتبة الأخيرة عربياً في قائمة البلدان العربية ضمن مؤشر “جودة البنية التحتية من أجل التنمية المستدامة”، الصادر مطلع الشهر الجاري عن منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية “اليونيدو”، حيث حصلت على 6.8 نقاط من أصل 100 نقطة، لتحتل المرتبة 153 في قائمة ضمت 155 دولة حول العالم.
كما ورثت حكومة تصريف الأعمال مشاكل مالية كبرى، كالخزينة شبه الفارغة، والدمار، وارتفاع معدلات الفقر بشكل هائل، والعقوبات الدولية.