أعرب العديد من السوريين عن رفضهم لمخرجات الاجتماعات العربية الدولية التي خُصصت لمناقشة مستقبل سوريا، وعقدت في مدينة العقبة الأردنية يوم السبت الفائت، وقال مراقبون إن ذلك يثير المخاوف حول الرغبة في ممارسة نوع من الوصاية على القرار السوري.
وكان البيان الختامي للاجتماع قد دعا لوضع عملية الانتقال إلى السلطة الجديدة والدستور الجديد تحت رعاية الأمم المتحدة، ووفق قرار مجلس الأمن 2254 الخاص بالانتقال السياسي.
لكن ذلك القرار كان خاصا بسبل حل القضية السورية مع وجود بشار الأسد في السلطة خلال وقت سابق، أما بعد خلعه فإن مفاعيله يجب أن تُلغى، وفقا لمتابعين سوريين، حيث تسعى الإدارة الجديدة اليوم لإجراء عقد اجتماعي جديد، يمهد لعقد سياسي، وصياغة دستور جديد وانتخابات حرة.
ووصف حسام نجار الكاتب والصحفي السوري، والمحلل السياسي الدولي، في إفادته لموقع حلب اليوم؛ الاجتماع بأنه محاولة لفرض الإملاءات الخارجية، بعد انتصار الثورة السورية، مُذكرا بأن دولا مشاركة في بيان العقبة، كانت تسعى للتطبيع مع الأسد.
من جانبه قال مظهر سعدو، الكاتب الصحفي والمحلل السياسي السوري، لموقع حلب اليوم: “مما لاشك فيه أن الاهتمام العربي والدولي كان واضحا بمتابعة التغير الكبير الذي حصل في سوريا بإسقاط نظام الإرهاب الأسدي، ومن ثم فإن تداعي الدول العربية سريعا مع بعض دول الإقليم والعالم للمشاركة يشي باهتمام ومصالح جمة”.
هل هناك محاولة لفرض رؤى خارجية؟
اعتبر الكاتب والمحلل السياسي السوري برهان غليون أن عقد اجتماع لجنة الاتصال حول سوريا في العقبة “بدلا من عقده في دمشق الحرة بمشاركة السوريين لا يبشر بخير ولا يطمئن حول نوايا اللجنة”، مشيرا إلى أن بعض الدول المشاركة لم تخفِ دعمها لنظام الأسد.
وأضاف: “الاجتماع يوحي بإرادة فرض الوصاية، ويظهر كمؤامرة أكثر بكثير من الرغبة في التضامن وتقديم الدعم للسوريين”.
بدوره وصف الباحث السياسي رضوان زيادة، اجتماع العقبة بأنه سعي لفرض “الوصاية الدولية على سوريا”، قائلا إن “البيان وضع سوريا تحت إشراف الأمم المتحدة، وإذا وافقت روسيا ودعمت هذا البيان وهو مرجح فسيصبح قراراً جديداً من مجلس الأمن يوجه كل المرحلة الانتقالية في سوريا المستقبل”.
وفي تعليقه على ذلك قال نجار، إن الدول العربية “تطل علينا بعد انتصار ثورة الشعب السوري ضد الظلم والاستبداد، لفرض رؤيتها في تسيير أمور الدولة السورية، وهي التي كانت تحاول التطبيع مع الأسد رغم معرفتها به وبنظامه الإجرامي، وتحاول هذه الدول تخريب فرحة السوريين تعاونها في هذا الأمر هيئة التفاوض التي لم تكن تمثل السوريين في يوم من الأيام”، على حدّ وصفه.
واعتبر أن هذه الدول “تحاول فرض أمور وتوصيات كان الأولى بها أن تكون للنظام البائد قبل رحيله، فقد كانت ممراً لمخدراته وعصاباته.. ألم يكن هناك معتقلون في سجونه من رعاياهم أم أن الأمر يتعدى هذا وهمهم الوحيد وجود دولة خانعة خاضعة للإملاءات؟”.
لماذا القرار 2254 رغم سقوط الأسد؟
دعا قائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع المبعوثَ الأممي لسوريا غير بيدرسون، خلال زيارته لدمشق يوم الأحد الفائت، إلى “إعادة النظر في القرار 2254 نظرا للتغيرات التي طرأت على المشهد السياسي”.
ويقول سوريون إن القرار لم يعد مقبولا بعد أن تحولت المعارضة إلى سلطة قائمة، فقد انتهى النظام المخلوع، لكن بيان العقبة يبدو وكأنه محاولة مبطنة للالتفاف على انتصار الثورة، بحسب مراقبين.
لكن سعدو يرى أن “بعض منتجات ومخرجات اللقاء حول مسألة تطبيق القرار الأممي 2254، يرفضها السوريون، لأن هذا القرار يتحدث عن معارضة ونظام حاكم.. بينما اليوم لم يعد للنظام مكان بعد فراره”.
وأضاف: “يرفض السوريون تطبيق كامل القرار لأنه لايجوز تطبيقه بدون تعديلات عليه تخرج النظام المجرم والهارب خارج إطار الحوار الوطني، إذ لم يعد ممكنا القبول بعودة النظام للمشاركة”.
وشارك في اجتماعات العقبة أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية التي تضم الأردن والسعودية والعراق ولبنان ومصر، وأمين عام جامعة الدول العربية، بحضور وزراء خارجية قطر والإمارات والبحرين، وتركيا، وكذلك أعضاء في المجموعة المصغرة ألمانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، إلى جانب الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، والمبعوث الأممي لسوريا.
ودعا البيان الختامي، إلى “إنجاز عملية انتقالية وفق قرار مجلس الأمن 2254، تلبي طموحات الشعب السوري، وتضمن إعادة بناء مؤسسات الدولة، وتحفظ وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية وسيادتها وأمنها واستقرارها وحقوق جميع مواطنيها”.
وقال نجار إن “العودة للقرار 2254 بعد الانتصار ما هو إلا عودة للنظام و عصابته، بالأصل هذا القرار مرفوض من عموم الشعب لأن فيه مشاركة القتلة بالحكم ورغم ذلك لم تستطع تلك الدول فرض تنفيذ هذا القرار على عصابة الأسد سابقاً، الآن وبعد الانتصار تريد العودة لهم، والله إنه لرغبة بعودة فلول النظام وعصابته ومحاولة إنشاء عمل مضاد للثورة و النصر”.
وأضاف: “القرار 2254 كان يتحدث عن مشاركة بين الضحية والجلاد ورفض النظام تطبيقه، ومع كل الزبانية والحلفاء، كنا بمرحلة انكسار ولم نوافق عليه، فهل نوافق عليه ونحن في حالة الانتصار؟”.
ويسعى الشرع لتطمين كافة الجهات الخارجية والداخلية، حول مستقبل إدارة البلاد، وقال أمس خلال اجتماعه مع الطائفة الدرزية في سوريا، إنه “يجب أن تحضر لدينا عقلية الدولة لا عقلية المعارضة فسوريا يجب أن تبقى موحدة ويكون بين الدولة وجميع الطوائف عقد اجتماعي لضمان العدالة الاجتماعية”.
كما رفض المحاصصة وأي “خصوصية تؤدي إلى الانفصال”، مضيفا أن “واقع البلد متعب وحجم الدمار كبير ونحتاج لجهود جميع السوريين داخل وخارج البلد”، متعهدا بحل الفصائل وتهيئة المقاتلين للانضواء تحت وزارة الدفاع، حيث “سيخضع الجميع للقانون”.
كما التقى أحمد الشرع مع وفد الخارجية البريطانية في دمشق، ودعا لرفع العقوبات عن سوريا كي يعود السوريون إلى بلدهم، مؤكدا أن ما حصل في سوريا هو “انتصار للشعب المظلوم على الظالم المجرم، وقد حصل دون تدمير في البنى التحتية ودون أي نزوح”.
كما أكدت وسائل إعلام ألمانية وجود تحضيرات لإعادة فتح السفارة الألمانية في دمشق، “حال نجاح المباحثات”، فيما قالت الخارجية الألمانية إن المباحثات تناقش وجود فرص لتمثيل دبلوماسي ألماني في دمشق.
من جانبها قالت رئيسة وزراء إيطاليا، إن روما مستعدة للتواصل مع القيادة السورية الجديدة، و”المؤشرات الأولية مشجعة لكن الحذر مطلوب”.
وأكدت وكالة الصحافة الفرنسية، اليوم الثلاثاء، رفع العلم الفرنسي فوق السفارة في دمشق للمرة الأولى منذ عاث 2012، كما نقلت عن الوفد الفرنسي في دمشق قوله إن “باريس تقف إلى جانب السوريين خلال المرحلة الانتقالية”.
وأعلنت مفوضة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، اليوم، أنه سيجري فتح مقر بعثة الاتحاد في سوريا لتستأنف عملها بشكل كامل.