مع أول ليلة عاصفة من شتاء عام 2024 الحالي، تتواصل معاناة ما يقرب من 6 ملايين شخص يعيشون في الشمال السوري، لكن لمعاناة نحو 1.8 مليون نازح في المخيمات معنىً آخر.
ووسط ارتفاع مطرد لأسعار كافة المواد الأساسية بما فيها الغذائية، يشكل ارتفاع أسعار مواد التدفئة معضلة أمام هؤلاء، بسبب البرد الشديد في الخيام وحاجتهم لما يوقد مدافئهم.
ويوجد في شمال غربي سوريا نحو 2.7 مليون نازح من شتى أنحاء البلاد، وهم يشكلون أكثر من 49 بالمائة من سكان الشمال الغربي، يقطن ما يقرب من المليون منهم في بيوت مستأجرة، فيما يعيش الباقون ضمن أكثر من 1600 مخيم، منها أكثر من 500 عشوائية بلا تنظيم، وفقا لفريق “منسقو استجابة سوريا”.
يقول “أبو حسن .ك”، لموقع حلب اليوم، إنه لم يشتر أي مواد للتدفئة منذ نزوحه من بلدته قرب مدينة سراقب، في ريف إدلب الشرقي، شتاء عام 2019، بالرغم من أن لديه أحفادا رضّع، فضلا عن كونه وزوجته مسنّين وبحاجة للعناية.
يعتمد الرجل الستيني على ما يجمعه أولاده وأحفاده من بقايا الكراتون، حيث يطوفون طيلة أيام السنة على المحال التجارية ليجمعوها، كما يجمعون ما يستطيعون جمعه من البلاستيك على امتداد مخيمهم في أطراف مدينة إدلب الغربية.
ويضيف أنه منذ سكن في المخيم لم يستعمل المدفأة إلا في موجات الصقيع، حيث يتدثر أغطية سميكة بجوار مدفأته القديمة يرمي فيها بما تيسر لديه من المواد القابلة للحرق.
وتعج أجواء الشمال السوري بأدخنة خانقة في كل شتاء، خصوصا ضمن المدن والتجمعات السكنية الكثيفة كالمخيمات، مما يشكل بيئة غير صحية بالغة الضرر.
تحذّر منظمة الصحة العالمية من اعتماد النازحين على تلك المواد في التدفئة، حيث تقول إنها تنتج أبخرة سامة تدخل إلى الأجسام عن طريق الجهاز التنفسي، وتسبب الأوبئة العديدة بما فيها السرطانات.
لكن هؤلاء النازحين مضطرون لذلك، وليست لديهم رفاهية اختيار ما يناسبهم، وفقا لما يؤكده أبو حسن، الذي يقول إنهم لم يعودوا يهتموا بتلك التفاصيل، فهاجسم البقاء على قيد الحياة بأية وسيلة ممكنة.
وإلى جانب هؤلاء يوجد كثير من النازحين خارج المخيمات يقطنون في مساكن غير ملائمة، مثل البيوت المتهالكة غير المؤهلة للسكن، أو البيوت غير المكسية (على العضم) بدون أبواب وشبابيك، ومنهم من يقطن في مداجن وغير ذلك.
ومع ليلة أمس التي اقتربت فيها سرعة الرياح من 30 كيلومترا في الساعة، مع درجات حرارة قريبة من الصفر، بدأت رحلة معاناة جديدة مع الشتاء سيقاسونها لمدة أشهر.
يؤكد مراسل حلب اليوم، أن أسعار قشور التدفئة ارتفعت في عموم المنطقة بمجرد انخفاض درجات الحرارة، حيث زاد متوسط سعر الطن بمقدار 20 دولارا، فيما شحّت كميات المازوت، وارتفع سعر الغاز بمقدار بسيط.
يقول الحاج “وليد .ن” من معرتمصرين شمال إدلب، إنه يجمع كل ما يُمكن إشعاله طول السنة، رغم أن سعر 190 دولاراً أمريكياً للطن الواحد من قشر الفستق على سبيل المثال لا يبدو مرتفعا، ولكن المشكلة تعود لانخفاض الدخل، وقلة فرص العمل.
وتؤكد إحصاءات فريق “منسقو استجابة سوريا” أن دخل نحو 83 % من السكان لا يتجاوز 50 دولاراً أمريكياً في الشهر، بل إن أكثر من 94 % من العائلات غير قادرة على تأمين مواد التدفئة في الشتاء.
ورغم وجود العديد من الأنواع البديلة عن المازوت والقشور (الفستق والبندق والمشمش واللوز والجوز) في الشمال الغربي، من البيرين، والحطب وكبسولان الكرتون والخشب المضغوط، إلا أنها أسعارها وتكلفتها متقاربة.
كما توجد بعض البدائل الرديئة للديزل الأوروبي المستورد، أبرزها “المُحسّن” وهو يستخدم للسيارات والآليات المختلفة، وينتشر في الأسواق منذ سنوات، إلا أن سعره يبقى مرتفعا، مع جودته المنخفضة.
ويؤكد الحاج وليد أنه وأمام كل تلك المعطيات، يلجأ إلى جمع البلاستيك والكرتون، متجاهلا أضراره الصحية، ليضيفه إلى نصف طن فقط من الحطب يستعملهما في أيام البرد القارس، حيث إنه سيحتاج إلى نحو 300 دولار فيما لو أراد التدفئة باستعمال القشور، لأن عائلته كبيرة ويحتاج لأكثر من مدفئة في المنزل فضلا عن تدفئة محله التجاري.
ويؤكد منسقو الاستجابة أن النازحين في 1574 مخيما من أصل 1833 (ما يعادل 86 في المائة) يعانون أزمة خانقة في تأمين مواد التدفئة، بسبب غياب الدعم اللازم من المنظمات الإنسانية.