عبد الواحد غنوم
في الشمال السوري المحرر وتحديدا في ريف حلب الشمال تواجه العملية التعليمية العديد من التحديات أثرت في جودة التعليم. ومن أبرز التحديات ضعف أجور المعلمين، التي تعتبر أقل بكثير عن رواتب العاملين في المنظمات وبقية القطاعات في المنطقة.
هذا التفاوت أدى إلى تهميش المعلمين، وتركهم ضمن الفئات الأضعف في المجتمع، ومع السعي الحثيث لتلبية احتياجات أسرهم، اضطر العديد من المعلمين للبحث عن فرص عمل إضافية، بينما ترك بعضهم الآخر مهنة التعليم وتوجه للعمل في قطاعات أخرى.
أحمد عياش معلم سابق ومهجر يسكن في مدينة إعزاز شمالي حلب، اضطر لترك مهنة التدريس والعمل على صهريج لنقل المياه، يروي عياش لقناة “حلب اليوم” قصته وأسباب اتخاذه هذا القرار قائلاً: “عملت في مجال التدريس لمدة عامين، حيث كنت أُدرّس الصف الأول والثاني الابتدائي، لكن راتبي حينها كان 1900 ليرة تركية فقط، أي ما يعادل نحو 80 دولارًا، وهو مبلغ لم يكن يكفي لتلبية أدنى مقومات الحياة، وهذا هو السبب الرئيسي الذي دفعني لترك التدريس، بالإضافة إلى ذلك، كنت أسعى لتأمين فرصة عمل أفضل خارج المنطقة، لكن هذا الأمر لم يتحقق”.
وأضاف عياش: “أما الآن فأعمل في نقل المياه إلى المنازل، وهي مهنة تواجه بدورها تحديات وصعوبات، إذا قارنت وضعي كمعلم سابق بحالتي المعيشية الحالية، فإنها مقارنة مليئة بالإحباط، وكما يُقال بالعامية من تحت الدلف لتحت المزراب”.
وتابع: “أما الفرق الكبير بين أن أكون معلماً، وأن أكون عاملاً يتجلى في الشعور بالمسؤولية العظيمة تجاه بناء أجيال المستقبل وتنمية قدراتي التعليمية، مما يمنحني دافعاً قوياً للاستمرار في مهنة التدريس على المدى البعيد، حتى وإن لم تسمح لي الظروف بذلك على المدى القريب”.
وأردف: “لكن عملي الحالي خارج مهنة التدريس يمثل إحباطاً لمسيرتي العلمية، نعم واجهت صعوبات وتحديات يومية مع هذا العمل الجديد، لكنني تأقلمت معه إلى حد ما لعدم وجود بدائل متاحة، خاصة في ظل الظروف الحالية حيث أصبح العثور على بديل أمر صعب”.
وحول قرار الاستقالة من قطاع التعليم أكد عياش أنه غير نادم عليه، مضيفاً: “لو عاد بي الزمن إلى الوراء لما ترددت في اتخاذ القرار نفسه، فمهنة التدريس حالياً لا يمكن الاعتماد عليها لتغطية نفقات المعيشة، حيث إن الرواتب المتدنية لا تكفي لتلبية احتياجات الحياة الأساسية”.
وفي حالة مشابهة، تحدث المعلم “محمد عليوي” عن تأثير انخفاض راتبه على حياته الشخصية والمهنية، مشيراً إلى أنه أصبح مضطراً للتخلي عن العديد من الأمور الضرورية والأساسية بسبب المصاريف الكبيرة.
وأضاف عليوي “رغم ذلك تمكنت من التكيف مع الوضع من خلال العمل الإضافي، لكن الأمر ليس سهلاً، فكرت كثيراً في ترك التدريس والبحث عن مهنة أخرى بسبب ضعف الأجور، لكن الواقع يفرض علينا خيارات محدودة”.
وتابع: “الشعور حين ترى مهن أخرى بأجور عالية، بينما بالكاد يكفي راتبك لتغطية مصاريف الطعام، شعور قاسٍ جداً يجعلك تشعر وكأنك في أدنى الطبقات، مع أن المعلم يستحق راتباً أعلى لما يقدمه من جهود، ولا شك في أن انخفاض الراتب قد يؤثر في جودة التعليم، لكن ضمير المعلم لا يسمح له بالتقصير تجاه طلابه، ومع ذلك، الضغط المادي الكبير يضعف من قدرته على الاستمرار بالطاقة نفسها”.
وختم كلامه بتوجيه رسالة للمسؤولين قائلاً: “أتمنى أن يلتفتوا إلى حال المعلمين والواقع الذي يعيشونه، ليتهم يجربون العيش لشهر واحد براتب معلم، ربما لن يكفيهم أسبوعاً واحداً، اليوم إذا أردت شراء حذاء من السوق، تحتاج نصف راتبك فقط لذلك! الوضع لم يعد مقبولاً، ويحتاج إلى حلول جذرية”.
من جهته، أوضح مدير التربية في مدينة اعزاز “يوسف حاجولة” أن المعلم في المؤسسات التربوية يعمل ضمن إطار العمل التطوعي، ويتلقى منحة مالية لقاء جهوده، وليست راتبًا بالمعنى التقليدي، مشيرًا إلى أن المنح المقدمة من الجانب التركي تُوَزَّع بشكل موحد على جميع المناطق، دون أي تفاوت بينها.
وأضاف قائلا: “إننا نقوم برفع تقارير ودراسات دورية للمجلس المحلي بشكل سنوي، تتناول الوضع المعيشي للمعلمين بهدف تحسين الظروف وفق الإمكانات المتاحة”.
وأردف “حاجولة”، أنه “في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي نعيشها جميعًا، نجد أن كافة شرائح المجتمع تلجأ إلى تحسين أوضاعها من خلال أعمال إضافية، وهذا لا يقتصر على قطاع التربية فقط، يبقى هدفنا الأساسي هو تحسين الوضع المعيشي للمعلم، والعمل على إيجاد الحلول المناسبة”.
ولفت إلى أنه لا يوجد تراجع في الأجور، ولكن التدهور الاقتصادي الذي تشهده المنطقة بسبب الغلاء وانخفاض قيمة العملة المتداولة أثر بشكل عام على القدرة الشرائية، وهو أمر واقع يعملون بجهد للتعامل معه، منوهاً إلى أن المكتب التعليمي ومديرية التربية يدعمان أي مشروع يسهم في تحسين وضع المعلم، سواء من خلال دعم المنظمات الدولية أو عبر مشاريع مقترحة تعمل على رفع مستوى الحياة المعيشية للمعلمين.
بالمقابل، قال نقيب معلمي حلب محمد صباح حميد: “نحن العاملون في قطاع التعليم، نؤكد أننا قد عبرنا مرارًا وتكرارًا عن قلقنا بالنسبة لانخفاض الرواتب التي نتلقاها، واتخذنا خطوات احتجاجية متعددة، من إضرابات إلى عقد مؤتمرات لطرح هذه القضية بشكل مباشر”.
وأضاف: “لكن المسؤولية المباشرة عن هذا الوضع تقع على عاتق مديرية التربية والمجالس المحلية، حيث إن ملف الرواتب بأكمله في أيديهم، وعلى الرغم من استفساراتنا المتكررة ومطالبتنا بإجابات واضحة ومقنعة، فإن الردود التي تلقيناها لم تكن كافية أو مبررة الأمر يعكس غياب مرجعية واضحة ومنظمة للتعليم لدينا، مما يزيد من تعقيد الأمور ويفاقم الأزمة”.
ولطالما عبّر المعلمون في شمال غربي سوريا عن استيائهم من تدني رواتبهم التي لا تتناسب مع متطلبات حياتهم اليومية، مطالبين بزيادتها لتحسين أوضاعهم المعيشية.
وعلى الرغم من خروجهم في وقفات احتجاجية أكثر من مرة، إضافة إلى لجوئهم إلى الإضراب عن التعليم للضغط من أجل تحقيق هذه المطالب، إلا أن الوعود المتكررة بتحسين أوضاعهم بقيت حبرًا على ورق، ولا تزال الأزمة تراوح مكانها، دون أي تغيير يُذكر.